قُم ضع يدك في يدي: الرقيب في مسلسل الكرتون

26 ابريل 2019
أثار أحد مشاهد مسلسل "ساسوكي" جدلاً بين السوريين (فيسبوك)
+ الخط -
يوم الأحد، عُرض على شاشة القناة الفضائية السورية -سهواً- مشهد تظهر فيه إحدى الشخصيات النسائية عارية الصدر، ضمن المسلسل الكرتوني الشهير "ساسوكي". قامت الدنيا ولم تقعد، وتداول عدد كبير من السوريين اللقطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتراوحت التعليقات ما بين المسيئة للمحطة والساخرة منها، وطالب البعض إدارة القناة تشديد رقابتها على محتواها البصري، ولا سيما أن مشهد "العُري" قد تسرّب إلى الشاشة في الفقرة اليومية المخصصة للأطفال؛ فاستجابت إدارة القناة لتلك الانتقادات، وقدمت نقداً ذاتياً أرفقته باعتذار، نشرته على صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك".

عقّب عديد من المتابعين على الموضوع من خلال الإعراب عن استغرابهم وخيبة أملهم بالمسلسل الكرتوني الذي رافق طفولتهم، فرد عليهم آخرون من خلال نشر صور عارية لأبطال من مسلسلات كرتونية أُخرى، كانت تعرض على الشاشات العربية بوصفها نموذجاً للأخلاق والفضيلة، مثل "ليدي أوسكار"، وغيرها.

حين تُنطق العربية
إن ما حدث على القناة الفضائية السورية يشير بشكل واضح إلى المشكلة الكبيرة التي تعاني منها مسلسلات الكرتون المدبلجة للغة العربية، وهي أن محتوى هذه المسلسلات عندما تصبح ناطقة بالعربية قد يختلف بشكل جذري عن الأصل؛ فغالباً ما تقوم شركات الدوبلاج العربية بتعديل محتوى هذه المسلسلات بما يتناسب مع المعايير الرقابية العربية، وتتيح لنفسها الحق بإجراء تعديلات كبيرة لتتناسب مع الأفكار التربوية التي تريد أن تمررها للمتلقي؛ فيتم تعديل بعض الكلمات وتسمية بعض الأفعال بأوصاف لا تناسبها.

فمن الوارد جداً في مسلسلات الكرتون أن تجد في حفل شواء خنزيراً مدلى فوق النار، وتتحدث جميع الشخصيات عن الخنزير باعتباره خروفا أو عجلا، كما أن المشاهد التي تتناول فيها شخصيات الكرتون النبيذ والخمر يتم توصيفها على أنها مشاهد تناول العصير، وإن سكرت إحدى الشخصيات، فإن المدبلجين يخترعون حكايات لتبرير المشهد، لا تنتمي بصلة للعرض الأصلي.

وكذلك، فإن الكثير من المسلسلات الكرتونية التي أنتجت في العقدين الأخيرين؛ تضمنت لغة خطابية إسلامية، رغم أن الصور تحيلنا إلى فضاءات لا تمت للبيئة الإسلامية بصلة، بل إن بعض الشخصيات أثناء تفوهها بالعبارات الإسلامية تزور الكنائس وتعلق الصلبان على رقابها، ولا يجد المدبلجون ضيراً في ذلك.

فجوة بين الصوت والصورة
وفي الواقع، يعود السبب الرئيسي إلى هذه الفجوة ما بين الصوت والصورة إلى الطريقة التي تتعاطى فيها المحطات التلفزيونية العربية مع مسلسلات الكرتون، فهي تتعامل معها بوصفها مسلسلات تربوية موجهة للأطفال، وليست بوصفها أعمالاً فنية؛ لذلك تحاول من خلال هذه المسلسلات أن تقحم أفكارا لا تنتمي للأعمال الأصلية من دون أن تحترم صناعتها الفنية ومضمونها الأصلي، ولا تقتصر التعديلات في هذه المسلسلات على دور الرقابة التقليدي بالحذف واقتطاع ما هو غير مناسب، وفقاً لمعاييرهم، بل إن التحريف هو السمة الأساسية التي تلاحق هذه النوع من الفن في الوطن العربي.

وبالعودة إلى الحديث عن المشهد الذي تسرب إلى شاشة القناة السورية، فإن غرابته تعود إلى تاريخ طويل من التحريفات التي حكمت علاقة الجمهور بهذا النوع من الفن؛ وهذا التاريخ جعل الجمهور يجد العرض الأصلي صادماً وشاذاً وغير لائق، رغم أنه لم يتم إقحامه على العمل الفني.


لكن يبقى الأمر الأكثر غرابة في الموضوع برمته، هو اعتذار الفضائية السورية عن هذا المشهد، الذي لا يمكن تصنيفه حتى على أنه ذو محتوى جنسي، في الوقت الذي تعرض القناة نفسها مشاهد لجثث الأطفال وأشلاء الجنود والسوريين؛ ومن الغريب أن تتعامل القناة مع هذا المشهد الطفولي وكأنه جريمة، وأن تنتقد نفسها بهذه الطريقة، وأن تعد الجماهير بمحاسبة الموظفين الثلاثة المسؤولين عن الخطأ، في الوقت الذي نجد إدارة القناة تتغاضى عن كل الإساءات التي يرتكبها مراسلوها بحق المواطنين السوريين، رغم أن مواقع التواصل الاجتماعي قد لعبت الدور ذاته في الإضاءة على الأخطاء.
دلالات
المساهمون