تبدو قمة بروكسل، اليوم الاثنين، بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، حول المهاجرين، حاسمة بالنسبة لكثير من الدول والسياسيين. المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، تراهن كثيرا على نجاحها في الدفع نحو حلول جماعية، لا تجعلها تبدو كمن يغرد خارج السرب وهي واقعة تحت ضغط داخلي وخارجي.
مراهنة ميركل ترتكز على التعاون مع تركيا، لكن تسريبا لـ"بيلد" الألمانية لمسودة بيان القمة يؤكد "الخيارات الوطنية الفردية" لحل ما يسمى "تدفق اللاجئين"، وفي ذلك إشارة لما يصفه خبراء الشؤون الأوروبية الجماعية بأنه "فشل لسياسات الاتحاد في حماية حدوده الخارجية"، وبأن "مسار البلقان سيجري الاستمرار في إغلاقه، والتشدد فيه مع السوريين الذين يحاولون العبور منه شمالا"، وهو انتصار للنمسا وتحالفها، ويشكل ضربة قوية لنهج ميركل القائل: "لا شيء يمكن إغلاقه"، خاصة أنها أكدت ذلك عقب وصولها إلى بروكسل.
ووفقا لتسريب "بيلد"، سيمنح البيان تلك الدول التي اتخذت قرارات وطنية انفرادية "مشروعية وقبولا من قبل الدول الأعضاء للسيطرة أكثر على تدفق اللاجئين". وقد أكد المستشار النمساوي فايمان تسريب "بيلد" بعد ظهر الاثنين، إذ قال بلغة واضحة: "أريد أن أقول للجميع بأننا سنغلق كل ممرات البلقان".
مأزق ميركل الداخلي
تحتاج أنجيلا ميركل إلى التعاون التركي، ومعها بعض الدول الأخرى، وهي التي باتت تواجه مأزقا داخليا، مع حليفها أيضا الاجتماعي الديمقراطي، قبيل انتخابات ألمانية في ولايات مهمة.
وليست الصورة جيدة قبل أسبوع من انطلاق تلك الانتخابات في بادين راينلاند وساكسن-أنهالت بالنسبة للمستشارة الألمانية، إذ يبدو أن "حزب البديل لأجل ألمانيا" الشعبوي والمتشدد في مسائل الهجرة واللجوء يتقدم بشكل مزعج لميركل وغيرها ، ففي ساكسن يمكن لهذا الحزب أن يحصد 19 في المائة من الأصوات، وفق آخر الاستطلاعات، هذا عدا عن تقدمه الواضح في ولايات أخرى بنسب كبيرة. في الوقت الذي تواجه ميركل وتحالفها داخليا هجمة شرسة بسبب ما يطلقون عليه في "البديل" سياسة "الليونة وفقدان السيطرة على تدفق المهاجرين".
اقرا أيضا: تركيا تنتظر 3.28 مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي للاجئين
خروج مؤتمر قمة بنقاط بعيدة عما ترغبه المستشارة الألمانية سيزيد من الزخم اليميني المتشدد، الذي بات يتجمع حول حزب "البديل"، لذلك تحاول الضغط ليجري تخفيف التدفق عبر اتفاق أكبر من سابقه مع تركيا، وليس بحلول عبر تكتلات باتت ظاهرة بين البلقان ووسط أوروبا والنمسا.
المراقبون لما يجري من محاولات التوصل لتفاهمات يرون في مقترح ميركل للاتفاق مع تركيا، على طريقة توزيع اللاجئين (عبر نظام كوتا) بين دول الاتحاد، محاولة جادة لتليين الموقف التركي، بينما يبقى الرفض والابتعاد عن الالتزام بسياسة لجوء موحدة عقبة كبيرة قد تزيد من خسارة ميركل على الجبهة الداخلية.
ويعرف رئيس وزراء تركيا حاجة ميركل والاتحاد لعقد مثل هذا الاتفاق، الذي تنص خطوطه العريضة على منع تركيا ما يسمى "لاجئي الأوضاع الاقتصادية"، أو المهاجرون غير الشرعيين، من التوجه عبر أراضيها إلى أوروبا، وقبولها إعادة عشرات الآلاف منهم ممن دخلوا عبر اليونان إلى دول الاتحاد.
في مقابل ذلك، تريد تركيا من دول الاتحاد القبول بتوزيع الآلاف من طالبي اللجوء المستحقين بين دوله، إضافة لامتيازات ومطالب أخرى.
ويعقب موظفون في مقر الاتحاد الأوروبي على التطور الأخير، بعد ظهر الاثنين، والذي جاء على لسان الأتراك بـ"مقترحات جديدة وفعالة"، بالقول: "إنهم يقترحون أكثر ويطالبون بالمزيد".
خطوات إلى الأمام
وخطت تركيا، منذ أمس الأحد، خطوة باتجاه السماح لبحرية الناتو بالاقتراب من الشواطئ التركية، على أمل وقف "التدفق" قبل وصوله أوروبا.
وفي الأسبوع الماضي قبلت أنقرة استعادة 308 مهاجرين عبروا أراضيها، وهم من تونس والمغرب تحديدا، ما يعني أنها لن تقبل السوريين، لكن ذلك، وفق متابعي المفاوضات التي سبقت القمة، ليس بالأمر المضمون، "إذا لم يصل الأوروبيون لقناعة بمواقف تركيا التي تشمل التوازي بين حل يوقف سبب التدفق من سورية، وفي الوقت ذاته دراسة جدية لإيجاد منطقة آمنة في سورية نفسها".
اقرأ أيضا: تركيا تعرض أفكارا جديدة في قمة بروكسل لأزمة اللاجئين
ويشكك عدد من القادة الأوروبيين من الموقف التركي، والتزامه بما يمكن التوصل إليه، بينما يذهب آخرون إلى المطالبة بـ"موقف عقلاني تجاه تركيا التي عرض عليها فقط ثلاثة مليارات دولار، بينما فيها أكثر من 2.7 مليون لاجئ"، وهو رقم ذكرته أيضا صحيفة "بيلد" اليوم الاثنين.
وفي كل الأحوال، سواء تحول ما سربته "بيلد" حول إغلاق طريق البلقان إلى سياسة أم لا، فإن التكدس الذي تشهده الحدود المقدونية-اليونانية، وعشرات الآلاف في اليونان نفسها، سيحتاج إلى كثير من السياسات والتفاهمات التي لا يكفيها الخروج بقرار الإغلاق، ورفع أسلاك شائكة بين الدول، ونشر القوات المسلحة، كما فعلت بلغاريا أخيرا.
مؤشرات كثيرة تشير إلى أن "القمة" بين تركيا والاتحاد الأوروبي لن تنتهي في اليوم نفسه، وستبقى المفاوضات قائمة وفق حاجة الطرفين.
ورغم الإشارات الإيجابية التي تم تبادلها في الأيام الأخيرة، سواء الخطوات التركية أو تصريحات دونالد توسك، فالعقبات تكمن في شبه "فيتو" تضعه تكتلات دول في الاتحاد على التفاهم مع تركيا من جهة، "قبل رؤية التنفيذ الواقعي"، ومن الجهة الأخرى رفض الدول قبول توزيع اللاجئين في ما بينها، والدفع باتجاه إلزام دول الاتحاد بأرقام أثبتت فشلها في السابق، وهو ما اعتبر أيضا خطوات فشل أخرى لميركل وحزبها وتحالفها الذي بدأ يتململ من سياسة الهجرة واللجوء.
نقاط ثلاث
وبحسب ما يرشح، فإن النقاط الثلاث التي يجري التركيز عليها في المفاوضات، التي مددت للآن في بروكسل، هي، أولا، وقف التدفق على طريقة ما حصل العام الماضي، ولذلك دول البلقان بدأت بالتشدد، وتبعتها دول أخرى، وربما يجري توقيف مسار قطارات بين دول وسط أوروبا.
وثانيا، تحويل اليونان إلى نقطة تمركز لإعادة المهاجرين، بفرض سياسة التسجيل على اليونان ومساعدتها ماليا بحوالي 700 مليون يورو، لإيواء الذين ستدرس أوضاعهم، إما للتسفير شمالا أو نحو تركيا.
أما النقطة الثالثة، فهي اتخاذ تركيا شريكا في تنفيذ سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه الهجرة واللاجئين، وهو ما يدفع باتجاه معسكر ميركل الأوروبي، المدعوم بموقف فرنسي ظاهر بتطبيق توزيع لاجئين مستحقين بين الدول.
اقرأ أيضا: لماذا لن تتوقف أزمة اللجوء إلى أوروبا؟