قلق إسرائيلي من "مفاجأة استراتيجية" لـ"حماس"

14 يوليو 2018
يقول الاحتلال إن "حماس" عززت قدراتها خارجياً(سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -
كشف تقرير موسع للمحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أليكس فيشمان، أمس الجمعة، أن رئيس أركان جيش الاحتلال، الجنرال غادي أيزنكوت، أصدر قبل عدة أشهر أوامر بإدخال تعديلات على الخطط العملياتية الأساسية الجاهزة، كي تلائم وتوفر حلولاً للتهديدات العسكرية التي تفرضها حركة "حماس" وتشكّلها على إسرائيل من جبهتي سورية ولبنان. ويخشى الاحتلال أن تستهدف "حماس" المستوطنات الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل من خلال الأراضي السورية، أو أن تسعى لاستهداف المستوطنات الإسرائيلية الحدودية في أعالي الجليل من داخل الحدود اللبنانية.

وبحسب التقرير، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي بات ينظر بقلق شديد لنشاط ما يسميها "حماس الخارج"، وسط تركيز خاص على نشاط الحركة في تركيا، وادعاء الاحتلال أن تركيا تشكّل قاعدة لتدريبات عناصر وكوادر "حماس"، إذ يمكن للحركة أن تستغل الوجود المكثّف للطلبة الفلسطينيين في تركيا وتجنيدهم لهذه الغاية. وهو ما يجعل، بحسب فيشمان، الطلبة الفلسطينيين العائدين إلى الضفة الغربية، عبر المعابر البرية مع الأردن، عرضة لعمليات تفتيش أمني شديد من قبل عناصر "الشاباك"، لا سيما أن اتحاد الطلبة الفلسطينيين في تركيا بات يُعتبر أحد "مخازن تجنيد العناصر من أبناء الضفة الغربية لصالح حماس".

وبحسب هذا التوجّه، فإن إسرائيل باتت تعتقد أن العام 2018، هو العام الذي ستطلق فيه حركة "حماس" مفاجأتها الاستراتيجية لدولة الاحتلال، التي تقوم على قدرة الحركة على شن هجمات، أو فتح أكثر من جبهة في أي مواجهة عسكرية مقبلة مع دولة الاحتلال، عبر عمليات تنطلق سواء من الأراضي السورية، أم من الأراضي اللبنانية، وهو ما يشكّل في الواقع وصفة لتدهور الأوضاع الأمنية مع لبنان ومع سورية، وإن كانت تقديرات إسرائيلية سابقة أشارت إلى أن نظام بشار الأسد مع عودته للحدود مع إسرائيل، سيكون معنياً بالدرجة الأولى بتكريس استقرار نظامه وقواته وليس استفزاز دولة الاحتلال.

ووفقاً لتقرير "يديعوت أحرونوت"، الذي لا يُستبعد أن يكون أصلاً موجّهاً من أوساط أمنية تمهيداً لضربة مقبلة ضد "حماس" ومراكزها في لبنان، فإن الحركة "عملت منذ الانقلاب وسيطرتها على قطاع غزة عام 2007 على تثبيت سلطتها في القطاع أولاً، ثم الانطلاق نحو الاستيلاء والهيمنة على الحركة الوطنية الفلسطينية". لكن محاولات "حماس" هذه واجهت حرباً إسرائيلية قادها "الشاباك" والجيش، إلى جانب نشاط الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية، التي وجّهت ضربات متكررة للبنية التحتية للحركة في الضفة، وبشكل فعال حتى قبل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة عام 2014.

وبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن إحدى العِبر الرئيسية التي استخلصتها "حماس" من عدوان "الجرف الصامد" عام 2014، هي أنه ليس بمقدور الحركة مواجهة إسرائيل من دون فتح جبهة ثانية وربما أكثر، خصوصاً أن العدوان الأخير طال كثيراً قبل أن يتحرك العالم، ومن دون أن يُحدث العدوان رد فعل في الضفة الغربية لجهة إشعال مواجهات مع إسرائيل.
ويعني ذلك أن "حماس" توصلت إلى أن التأثير على الوعي الإسرائيلي لن يكون كافياً إذا كان سكان المستوطنات الجنوبية المحيطة بغزة هم الطرف الوحيد الذي يضطر إلى النزول للملاجئ، وأنه ينبغي تشويش روتين الحياة العامة في إسرائيل، في الجليل والجولان وحتى مدن الساحل الإسرائيلية، مثل حيفا وتل أبيب، وبالتالي ضرب الروح المعنوية للإسرائيليين عموماً، بما يمكّن "حماس" من الصمود بشكل أكبر في حال شن حرب إسرائيلية شاملة تهدف لإسقاط سلطة الحركة في قطاع غزة.

وبحسب ادعاء تقرير "يديعوت"، فإن هذا القرار من "حماس" جاء أيضاً بعدما رفضت طهران و"حزب الله" رسائل وجّهتها "حماس" لهما لفتح جبهة مع إسرائيل في الشمال، تؤمن للحركة المزيد من الصمود في مواجهة العدوان الإسرائيلي. وقاد هذا الرفض "حماس" إلى اتخاذ قرار ببناء قوة عسكرية لها في جبهات عدة، إذ تستثمر "حماس الخارج" ببناء بنى تحتية جدية لها في الضفة الغربية مع دراسة الأخطاء ومكامن الفشل في البنية التي كانت للحركة في الضفة الغربية في السنوات الأخيرة. وكان الاحتلال قد ادعى أنه تمكن خلال العام 2014 من الكشف عن شبكة لحركة حماس أسسها القيادي صالح العاروري من مقره في اسطنبول، قبل أن ينتقل إلى بيروت، بعد اتفاق المصالحة بين تركيا وإسرائيل عام 2016، خططت لإسقاط السلطة الفلسطينية والانقلاب على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.


إلى ذلك، ادعى التقرير الإسرائيلي أن "حماس" تملك قواعد لها في الخارج، في تركيا، وفي ماليزيا، حيث تقوم بتدريب كوادرها عسكرياً. وقد برز اسم ماليزيا في هذا السياق بعدما اغتالت إسرائيل في إبريل/ نيسان من العام الحالي، المهندس الفلسطيني فادي البطش، بزعم أنه يقود برنامجاً لتسليح "حماس" وتطوير قدراتها الصاروخية. وسبق لدولة الاحتلال أن اغتالت في ديسمبر/ كانون الأول 2016 في مدينة صفاقس التونسية، المهندس التونسي محمد الزواري، بعد انخراطه بتطوير قوة عسكرية بحرية لحركة "حماس".

وذكر تقرير "يديعوت" أن "حماس" عملت بعد انتقال العاروري إلى لبنان على تعزيز قواتها العسكرية وامتلاك معاهد لتطوير الوسائل القتالية والأسلحة إلى جانب ترسانة من القذائف الصاروخية لمدى 40 كيلومتراً، مضيفاً أن "حماس" تعمل في هذا المضمار عبر الاستعانة بخبراء أتراك، ومن خلال شركات تركية تقدّم التمويل والدعم المادي للحركة. ووفقاً للتقرير، فقد اعتقل "الشاباك" الإسرائيلي مواطناً تركياً يدعى كميلي تكالي، اعترف خلال التحقيق معه بوجود هذه الشركات، وأن من بينها شركة "سادات"، التي يرأسها أحد المقربين من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وادعت الصحيفة أن المواطن التركي اعترف بأن السلطات التركية ساعدت "حماس" في إقامة شركات لتبييض الأموال من خلال شركة تدعى IEMS يرأسها الأسير المحرر في صفقة شاليط، زاهر جبارين، تم عبرها نقل ملايين الدولارات لـ"حماس" في غزة ودول أخرى.

وادعى التقرير الإسرائيلي أيضاً أن إيران تدعم نشاط "حماس" بفعل توجيهات من المرشد الإيراني الأعلى، عبر العاروري، الذي تربطه علاقات متينة بقائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني. وأشار التقرير إلى عملية تفجير سيارة محمد (أبو حمزة) حمدان، في مدينة صيدا اللبنانية في يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، باعتباره مؤشراً على سلسلة تصفيات واستهداف شخصيات وأهداف في حركة "حماس" في الخارج.

كما تحدثت "يديعوت" عن تعزيز حضور "حماس" ونشاطها في المخيمات الفلسطينية في بيروت، وفي صفوف الجاليات الفلسطينية في المهجر، ولا سيما الطلبة الدراسين في تركيا وأوروبا القادمين من مخيمات اللجوء في سورية ولبنان. ولفتت أيضاً إلى جبهة أخرى من شأنها أن تهدد الأمن الإسرائيلي، وهي بفعل نشاط "حماس" أيضاً داخل الأردن وفي المخيمات الفلسطينية، ما يجعل من المملكة الأردنية، بحسب التقرير الإسرائيلي، شريكاً للمصلحة الأمنية الإسرائيلية لمواجهة "هذه الجبهة الثانية" التي بدأت تتشكل وتتسلل من الحدود الأردنية.

لكن التقرير، وعلى الرغم من الحديث عن قوة "حماس" في لبنان وقواعدها هناك، خلص إلى القول إن الجبهة الثانية ضد إسرائيل في مواجهة "حماس" لن تأتي من الحدود مع لبنان، حيث يسيطر "حزب الله"، إذا لم تكن للحزب مصلحة في فتح جبهة ضد إسرائيل، خلافاً للوضع في الجبهة السورية الأكثر مرونة، كما أن احتمالات وصول عناصر فلسطينية من المخيمات الفلسطينية في سورية للحدود مع إسرائيل لتنفيذ عمليات هي أكبر منها في حالة الحدود مع لبنان.

المساهمون