قلعة كرونبورغ... شاهد على قوة التحصينات الدنماركية

22 نوفمبر 2017
استلهم شكسبير القلعة في "هاملت" (Getty)
+ الخط -

عدّت قلعة كرونبورغ إحدى أهم قلاع وتحصينات التاريخ الأوروبي الشمالي في العصور الوسطى وعصر النهضة، لارتباطها بتعاظم قوة ونفوذ الدنمارك وحروبها مع جارتها السويد، إلى جانب تاريخ مثير عن المملكة الدنماركية.

والأهم بين هذا وذاك ارتباطها بأهم مسرحيات شكسبير، عن مأساة هاملت سنة 1600، المستوحاة من أساطير شعبية وأحاديث النبلاء وبالأخص مما كتبه المؤرخ الدنماركي ساكسو غراماتيكوس.

فبين جنبات هذه القلعة ناجى هاملت نفسه بسؤال يردد حتى يومنا: أكون أو لا أكون...
ومن هنا يسمي كثيرون هذه القلعة "قلعة هاملت" فيما هي أيضا ترتبط بأساطير دنماركية، ما يزال يؤمن بها كثيرون من أحفاد الفايكنغ.

كرونبورغ بين زائريها المحليين، من مدن وقرى الدنمارك، وعلى مدار العام، ليست مجرد بناء وضعته اليونسكو على قائمة التراث العالمي في العام 2000. فلشعب الدنمارك قصص كثيرة مع هذه القلعة والتحصينات الضخمة التي يحفظ تاريخها حتى صغارهم. فقلعة كرونبورغ تعبر عن تاريخ وقوة المملكة (التي شملت الدول الاسكندنافية الثلاث تحت عرش الدنمارك في القرن الثالث عشر) كإحدى أقدم الممالك الأوروبية الموحدة.

وقد ضمت القلعة آلاف الجنود والأحصنة والمدافع، واعتبرت ملجأ حصينا، ببنية ضخمة تحت الأرض، لملوك وقادة المملكة في تلك الأزمنة التي كانت فيها تتوسع وتفرض هيمنتها على جاراتها الشمالية وتتحدى ملوك جارتها في الجنوب، ألمانيا اليوم، بتحالفات وتقاطعات كثيرة مع ممالك وإمارات أوروبية أخرى.

يعود الفضل في ارتباط تاريخها المحلي ببانيها في 1422، وموحد إمارات الدنمارك وجغرافيتها، إريك السابع، أو إريك بوميرن، الذي تولى العرش في النرويج والدنمارك والسويد منذ 1389.

هولغا دانسكا

قوة ومكانة القلعة في الذاكرة الجمعية للدنماركيين لا ترتبط فقط بما كتبه شكسبير عن الأمير هاملت ووالده المغدور هاملت، بل لأن أبا الدنماركيين وحاميهم المحارب الأسطوري "هولغا دانسكا" (أو هوجير الدنماركي بحسب الفرنسيين) يجلس في قبو القلعة بجسده الضخم وسيفه الكبير ودرعه على جانبه، وبإيمان يروي المؤمنون بالأساطير الشعبية الشمالية أنه "يصحو بين فترة وأخرى لحماية الدنمارك من أي تهديد كبير".

يأتي الدنماركيون من كل صوب وحدب لزيارة تمثال"هولغا دانسكا"، الرجل ضخم البنية جالسا على كرسيه، كمحارب يستريح من معاركه.

وهو بالنسبة للشعب الدنماركي ليس مجرد محارب أسطوري. يؤمن كثيرون بالخرافة والأسطورة التي تحتويها جدران قلعة كورنبورغ حتى يومنا، وتتردد في الثقافة اليومية على ألسنة الآباء والأمهات لأطفالهم، وفي مشاهدات تنافس الدنمارك مع مجتمعات أخرى، في الرياضة وكرة القدم تحديدا يراه هؤلاء كعاكس لقوتهم باعتباره "أبا القوة ومركزها".

يصل تبجيل هذا المحارب الأسطوري في قلعة كرونبورغ، هملت، حدود التقديس، تماما كما يؤمنون بأن علمهم الوطني، وعلى عكس الشائع بأنه يرتبط بالمسيحية بفعل خطوطه، هبط من السماء قبل دخول الديانة المسيحية في أسطورة طويلة تتكرر بشكل دائم.

يقابل قلعة كرونبورغ، في الجانب السويدي، على الجانب الآخر من مضيق أوروسند، قلعة هيلسنبورغ، ومن القلعتين كانت سيطرة إسكندنافية، في عهد فريدريك الثاني، على السفن المبحرة في المنطقة والقيام بجباية مالية ملزمة على كل من يمر في المضيق.

وبهذا يرى المؤرخون أنها لعبت أيضا في قرون عصر النهضة دورا اقتصادية جمركيا لدعم خزينة المملكة وجيشها.

إعادة بناء

تعرضت قلعة كرونبورغ لحريق ضخم في 1629، وأعيد بناؤها على يد كريستيان الرابع في 1658. أخذت إعادة البناء ابداعات عمرانية جديدة في عصر النهضة الممتد شمالا، حيث بدا التأثير اللاتيني واللوحات الفنية الزيتية وتقنيات عمرانية، وخصوصا ظهور مادة البيطون في القلعة.

وللعلاقات التاريخية والمتشابكة بين الأسر الملكية الحاكمة على امتداد أوروبا الشمالية يظهر بجلاء كيف أن البنائين الهولنديين، وخصوصا تصميما نهضويا عن طريق البناء والمصممين الشهيرين أنوطنيوس فان اوبرجين وهانس فان بايشين، أدخلا تعديلات على بناء القلعة لتصبح أكثر تحصينا ولتلعب دورا أوسع في تاريخ الممالك الإسكندنافية في ذلك العصر.

وبميزة المفروشات، ونساج عصر النهضة واللوحات الزيتية االضخمة احتلت كرونبورغ مكانة ثقافية، تختلف قليلا عن ارتباطها فقط بالحكم والمؤامرات والسيطرة وابتزاز السفن العابرة.

وعلى الرغم من أن قصر كرونبورغ لم يعد يستخدم كسكن ملكي منذ 1758، وجرى تحويله إلى ثكنة عسكرية ضخمة بمساحتها الشاسعة، عمرانا وإحاطة، إلا أن القلعة لم تتوقف أبدا عن التحول إلى جزء أساسي في مخيال وذاكرة شعوب اسكندنافيا، ومن هذه القلعة جاءت الكثير من الاستلهامات، التي بنت أمجادا وأساطير حول ماضي هذه الشعوب، وهو التأثير المستمر حتى في القرن الحادي والعشرين.

ويزور مئات الآلاف، على امتداد السنة، قلعة كرونبورغ من داخل وخارج الدنمارك، والذهاب أيضا لمشاهدة مقتنايتها، التي نقل منها ما لا يقدر بثمن إلى المتحف القومي الدنماركي في كوبنهاغن.

شكسبير وكرونبورغ

من هذه القلعة انطلق وليام شكسبير قبل حوالي 400 سنة ليكتب أكثر أعماله الدرامية شهرة عن أمير الدنمارك هاملت. وهاملت في الأسطورة لعب دورا مهما في إلهام الخيال المنتج لرائعة شكسبير.

ينظر الدنماركيون بإعجاب شديد لهذا الكاتب الإنكليزي وخصوه بجدارية تمجد تمجيده لمملكتهم وجعلها في السياق الذي تتحدث عنه الألسن. يأتي ذلك لأن موهبة شكسبير جاءت بتفاصيل عن حياة كرونبورغ رغم أن قدميه لم تطأها، ففي عصره كانت الشائعات والثرثرة على ألسنة جوالة أوروبا تتحول إلى قصص كثيرة عن هذه القلعة وما يدور فيها من حياة ومغامرات نبلاء يحيطون بالأسرة المالكة.

فمسرح تلك الأزمنة، في معظم شمال أوروبا، استند كثيرا إلى المروي وما تتناقله الأجيال، سواء كان مبالغا فيه أم من صنع الأساطير. وتذهب روايات الدنماركيين أنفسهم إلى أن شكسبير سمع عن كرونبورغ من أحاديث النبلاء، كأمثال الدنماركيين فردريك روسنكرانتز وكنود غولدنستيارنه اللذين عاشا في بريطانيا في فترة 1590.

والتقى بهما في ذلك الزمن قبيل أن تتحول في عام 1601 الدراما المسرحية إلى عروض في مسرح غلوب.

من جانب آخر يبقى لتقارير الحياة التي خطها المؤرخ الدنماركي ساكسو غراماتيكوس عن وقائع الدنمارك في أواخر عام 1100 دورها الهام في أن يستوحي منها الكاتب المسرحي وليام شكسبير، وهذا على الأقل ما يؤمن به الدنماركيون أنفسهم.

ويستند هذا الإيمان إلى أن غراماتيكس تحدث عن ابن زعيم في جزيرة غوتلاند يدعى "أملت"(هاملت أيضا هو اسم الأب). فقد تحدد مصير "أملت" وفقا لرواية المؤرخ الدنماركي كأمير مرتبط بقصر كرونبورغ في هيلسنيور، المدينة التي كانت محور الثقافة وعقدتها في شمال القارة كممر مائي تعبره معظم السفن الأجنبية من خلال دفع مستحقات للقصر الملكي.

الأسطورة تتحدث عن مسارات مأساوية بين جنبات قصر وقلعة كرونبورغ. فقد كان "أمير الدنمارك" منشغلا في الدراسة بألمانيا، قبل أن ينتزع من بين كتبه حين أُخبر بأن أباه الملك، هاملت أيضا، قد مات، ثم تتوالى الأحداث كما هو معروف في مسرحية "هاملت"
شهدت قلعة كرنوبرغ في 1816 عرضاً مسرحيا لمسرحية هاملت بعد 200 سنة على وفاة شكسبير، وسيمر 100عام قبل أن يخلد العمل كجزء من المسرح الملكي في الدنمارك.


دلالات
المساهمون