أخي ألبيرتو
ألبا طوني
كان لي أخٌ رائعٌ ومحبوبٌ جدّاً، أخي الوحيد، حياتي. ألبيرتو طوني، واحدٌ من أهمّ الشعراء المعاصرين، كان أخي. معه عشت قدر ما استطعنا أن نبقى سوياً، بين ثنائية شخصية الشاعر العامّة والمودة الأخوية العميقة التي كانت تربطنا. رحل ألبيرتو في السادس من نيسان/ أبريل 2019، العام الماضي، بعد مرض شرس وعاصف، دفعني في لحظة واحدة إلى عالم مألوف جدّاً ولكنه أيضاً غريبٌ على نحو مفاجئ، الغياب.
سيستغرق الأمر منّي وقتاً لفهم كيفية استعادة تلك اللغة التي كنّا نشترك فيها، والتي كان يمكن للآخرين أيضاً فهمها، وهو أمرٌ معلَّق على ذلك التوازن بين ما كنّا عليه سوياً وما كان عليه مفرداً.
استعدتُ مؤخّراً بعضاً من أعماله غير المنشورة بالمعنى المتعارَف عليه، أي في الكتب، حيث نُشرت هذه القصائد في طبعات أصلية تشبه تلك المطبوعات الملوّنة الحمراء الصغيرة. كانت مجموعة صغيرة بعنوان "قَطقَطة"، عن سلسلة Exemplar di Poesia التي كان يديرها Francesco Guadagnuolo، صدرت الطبعة الأولى منها في تشرين الأول/ أكتوبر 1995.
ألبيرتو وأنا كنّا نحب كثيراً "قطقطة"، وكثيراً ما كُنّا نستذكر قصائدها، والتي يمكن أن يُقتفى فيها أثر مهمّ لحياتنا العائلية، واحدة من هذه القصائد الخمس، الثالثة، مستوحاةٌ بشكل صريح من التجربة التي مررنا بها مع قطّنا "أوليسي"، والتي خلّفت أثراً كبيراً علينا جميعاً. رحل "أوليسي" بشكل مأساوي قبل الأوان عام 1993 وهو في سنّ الثامنة، عشنا حداداً طويلاً عليه، خصوصاً أنا. من خلال هذه القصيدة التي تُصوّر الشعور الرقيق إزاء صديقنا القط، جعلني ألبيرتو أفهم كم كان يحبُّه هو الآخر.
والآن، وبعد عام على رحيله بهذه الطريقة، أريد فقط أن أتذكّر أخي، الذي كان شاعراً عظيماً، ولكنه أوّلاً وقبل كلّ شيء في العالم، كان كأيّ صبيّ له أخت نشأ بجانبها.
1
قطّ تونكين1 المسجّى بالعشب -
من الشرق إلى الغرب، كم بقي له من العمر،
قطع نهر الميكونغ.
كم كنت مجنوناً يا قطّ وليس عليك تكرار ذلك...
حطّ عندي
وأنا لا أعرف هدنة - التقاني وحيّاني بكياسة.
انتهيتَ بكرامة يا قط في حالة من الفوضى...
قط تونكين المهجور في المنفى -
كم هو منهكٌ اللحاق به - المنفيّ
بفرو مبتل رطب رماديّ.
كم كنت ساخطاً يا قط فوق كل تصوّر...
الأمّة كلُّها مجبرةٌ على تحمُّل
نفخة الغضب المتأصّل -
قطّ تونكين على التلفاز وقت الذروة.
كنتَ ضميري يا قطّ في جوف الليل...
مباشرة نحو الهدف -
ألم وشغف، أجده
في أروقة الجامعة.
كنتَ مجرّد عجلة صغيرة يا قطّ ضمن العدّة.
نهاية اللعبة على حين غرّة تختفي! - إلى الموت رأساً.
2
قطقطة يا قطقطة يا ترنيمة بائسة -
القطُّ فوق رأسي
يريد إخباري بشيء لا أفهمه.
يكرّر المرثية ذاتها.
قطقطة يا قطقطة حياتي ضائعة -
آه من اختراق المسارات السنّورية،
بالكاد في الوقت المناسب لتجميع القطع
أمام المرآة وتتهاوى.
قطقطة يا قطقطة فليكن ذلك -
المزهرية على النافذة
فروه الأسود يشُمّها.
وأنتِ يا عزيزتي ماذا تنتظرين لإعطائي قُبلة؟
3
أحياناً - يُقال - سوء الطالع،
أسفل نافذة مشرّعة، وحتى لو كان قطّاً
سيجعله الحادث يعيش شرّ ظلمة.
نحن نعرفه ذاك المصير
الشرس الذي يقرّر اليوم والساعة.
أي رحلة لك أيها الشارد،
المعثور عليه، مخلوقاً أكثر من أي وقت مضى،
يا حيوان أحلامي الخجول.
والطبيعة السنّورية
أتت من مسافات طويلة
لأرق لياليَ.
4
ظِلّ يتّشح ظِلّ مذعورة هي النجمة
في الخطى السالمة
نصرك يا هرّة
لرقصات ليالي "السراباندا".
ثم إليّ تعودين، تنشدين
الراحة، واسترجاع
القِوى.
المغامرة والمأوى - أنتِ هما معاً
روحان مجتمعتان سوياً.
إن لم أطلب منك البقاء
فذلك لأنني أنا أيضاً
انسحبت برفق
محافظاً على ثبات نبضي
وساقي عدّاء، مساحة
بندارية2، كانت دخاناً.
5
مناكفة سنّورية عند الصبيحة -
الأونغاريتي بوبوسي3
والقافية المنسجمة بغرابة مع مينوسي4.
هل هو تقارب شعري،
أم نفَس الحرب القديمة.
لن نعرف. شكّ سنوري.
الجواب في المقاطع، في الصوت
محض صدفة
على الصفحة - تتقارب، تتّحد،
تكشف حدس المشهد.
* Alberto Toni، شاعرٌ وكاتب ومسرحي إيطالي من مواليد روما (1954 - 2019). صدر له عشرون عملاً شعرياً وسردياً، آخرها "الألم" (2016) عن منشورات Samuele Editore. "قطقطة" هي خمسُ قصائد نُشرت للشاعر في ذكرى رحيله الأولى في السادس من نيسان/ أبريل الفارط على مدوّنة الشعر الخاصّة بالإذاعة والتلفزيون الإيطالية RAI. ننشر قصائده هذه بالعربية مرفقةً بكلمة تقديمية من شقيقته ألبا طوني.
** ترجمة عن الإيطالية: أمل بوشارب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تونكين: مدينة في فيتنام/ م
2 بندارية: من بنداروس شاعر غنائي يوناني/ م
3 الشاعر الإيطالي جوزيبي أونغاريتي (1888 ـ 1970) كان لديه قط اسمه بوبوسي، والشاعر نفسه ـ ألبيرتو طوني ـ كان لديه قط اسمه أوليسي/ م
4 ملك كريت الأسطوري/ م