قرار "محاكمة مجرمي الحرب": خطوة نحو المحاسبة في سورية

23 ديسمبر 2016
ارتكب النظام ومليشياته جرائم بحق آلاف السوريين (بهاء الحلبي/الأناضول)
+ الخط -



خطا المجتمع الدولي خطوة مهمة باتجاه البدء بإجراءات محاسبة مجرمي الحرب في سورية، الذين فتكوا بالمدنيين على مدى سنوات، بإقرار مشروع في الأمم المتحدة لتشكيل فريق عمل حول جرائم الحرب في سورية، فيما تباينت آراء معارضين وقانونيين سوريين حيال القرار.
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار قدّمته كل من دولة قطر وليختنشتاين ينص على تشكيل فريق عمل خاص "لجمع الأدلة وتعزيزها والحفاظ عليها وتحليلها"، والإعداد لقضايا بشأن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت خلال الصراع في سورية. وحصل مشروع القرار على دعم 105 دول، وامتنعت 52 دولة عن التصويت، بينما عارضته 15 دولة من حلفاء النظام السوري، وفي مقدمتهم روسيا وإيران. وسيعكف الفريق الخاص على "إعداد الملفات من أجل تسهيل وتسريع الإجراءات الجنائية النزيهة والمستقلة، بما يتفق مع معايير القانون الدولي في المحاكم الوطنية أو الإقليمية أو الدولية أو هيئات التحكيم التي لها أو ربما يكون لها في المستقبل ولاية قضائية على هذه الجرائم".
وجاء القرار نتيجة جهد بذلته قطر والسعودية ودول أخرى من أجل الضغط على نظام بشار الأسد وحلفائه من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد أن كبّل الفيتو الروسي مجلس الأمن الدولي، وأسقط مساعيَ دولية من أجل وضع حد للمذبحة التي تُرتكب بحق السوريين. وعلى الرغم من أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزمة، إلا أن هذا القرار يُعد وثيقة قانونية يمكن الاستناد عليها لتعزيز الجهود الهادفة إلى إحالة مجرمي الحرب في سورية إلى محاكم دولية. وقالت مندوبة دولة قطر في الأمم المتحدة، علياء آل ثاني، إن القرار الذي اتخذته الأمم المتحدة بشأن ملاحقة مجرمي الحرب في سورية "يمثل رسالة لكل منتهكي حقوق الإنسان بأنهم سيلاقون العدالة مهما طال الزمن".
وتعليقاً على هذا القرار، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، إن القرار "أكثر من مهم"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه "فعل حقيقي وجاد تجاه محاسبة المجرمين في سورية"، موضحاً أن الخطوة المقبلة تكمن في البناء على القرار من خلال مطالبة الأمم المتحدة بإنشاء ورعاية محكمة دولية تحاسب القتلة، معتبراً القرار "وثيقة قانونية غاية في الأهمية".
من جهته، اعتبر عضو الوفد المفاوض للمعارضة السورية، المحامي محمد صبرا، القرار "خطوة صغيرة على الطريق الصحيح لمنع المجرمين في سورية من الإفلات من العقاب"، معبّراً عن قناعته بأن الزخم الدولي "سيتطور بشكل متسارع في الأمم المتحدة في الأشهر المقبلة، وسنشهد جملة من القرارات الجديدة التي ستؤسس لإمكانية تقديم المجرمين إلى محاكمات جنائية عادلة". وأشار صبرا إلى أن المعارضة السورية "تواجه ثغرة قانونية هائلة في مسألة توثيق جرائم الحرب التي يقوم النظام بارتكابها"، شارحاً أن "هذا التوثيق يتم من خلال منظمات مجتمع مدني لا تملك الخبرات القانونية اللازمة لضبط عمليات التوثيق وفق الأصول الفنية المطلوبة أمام المحاكم الجنائية، ولا سيما الدولية منها، كما أن هذه المنظمات لا تملك الولاية القانونية اللازمة لعملية جمع الأدلة".
وأوضح أن أهمية القرار "تكمن بوضع آلية تسمح بجمع الأدلة، وتوثيق جرائم الحرب وفق أصول قانونية مقبولة لدى المحاكم الجنائية الدولية"، مشيراً إلى أن القرار "يشكل الطريقة الوحيدة لحفظ حق الضحايا بمحاسبة مجرمي الحرب في وقت لاحق عندما تتغير موازين القوى، وتسمح الظروف بمثل هذه المحاكمات". ولفت إلى أن إمكانية ضياع الأدلة بسبب مرور الزمن "واردة لأن معايير التحقق والإثبات لدى المحاكم الجنائية الدولية صارمة، ومتشددة".
ورأى صبرا أن هناك سياقاً دولياً على الصعيد القانوني بدأ يتبلور منذ نهاية العام الماضي، وذلك بصدور القرار رقم 2235 عن مجلس الأمن، مشيراً إلى أن هذا القرار "وضع اللبنة الأولى في سياق التحقيقات الجدية المؤدية لمحاسبة مجرمي الحرب وإن كان هذا القرار مقتصراً على التحقيق في استخدام السلاح الكيماوي". وأوضح أن قرار الجمعية العامة "أشمل" من قرار مجلس الأمن المذكور كونه "يشمل جمع الأدلة، وتوثيق كل الانتهاكات التي تشكل جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية". ونوّه صبرا إلى أن قرار الجمعية العامة "لا يعني بدء تحقيقات مع المسؤولين عن هذه الجرائم، وإنما تقتصر ولاية اللجنة التي سيتم تشكيلها بالاستناد إليه على جمع الأدلة وتوثيق الجرائم"، مشيراً إلى أن المعارضة "تحتاج لكثير من العمل حتى نصل إلى المحاكمات الجنائية اللازمة لمحاسبة مجرمي الحرب".


من جهته، رأى سفير الائتلاف الوطني السوري في روما، بسام العمادي، أن القرار "خطوة جيدة"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن نتائجه "تظهر بعد انتهاء الأمور، والرسو على وضع نهائي"، مضيفاً: "هي خطوة للمدى البعيد، ما زلنا لا نعرف ما سيجري في ظل استمرار الثورة، واستمرار الدعم الروسي والإيراني للنظام، وكلا الطرفين مصمم على الانتصار مهما كلف ذلك".
أما رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المحامي أنور البني، فلم ينكر أهمية قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أنه أشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه "متأخر جداً"، مضيفاً: "لن تنتج عنه محاكمات، وإنما تحقيق فقط لأن باب المحكمة الجنائية الدولية مغلق نهائياً بوجه الملف السوري بسبب الفيتو الروسي الذي لن يتوقف بسبب تورط موسكو بالجرائم في سورية". وأوضح البني أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "شكّل لجنة تحقيق منذ خمس سنوات، ولديها خمسة عشر تقريراً حول الجرائم المرتكبة، وملفات جاهزة بكل الوثائق والإثباتات، ولكن لا توجد محكمة يمكن أن تُفتح أمامها وتُصدر قرارات اتهام وإدانة". وأعرب عن قناعته بأن "طريق العدالة لمحاكمة المجرمين ما زال موصداً".
ويشكك سوريون في قدرة الأمم المتحدة ضمن الظروف الراهنة على جر بشار الأسد وأركان حكمه، خصوصاً من ضباط الجيش والأجهزة الأمنية ومتزعمي مليشيات الشبيحة والمليشيات المدعومة من إيران إلى محاكم دولية في ظل غياب أية إرادة دولية جادة في هذا الاتجاه. وفي هذا الصدد، أبدى عضو الائتلاف الوطني السوري، أسامة تلجو، عدم تفاؤله بإمكانية الوصول إلى "نتائج قريبة" للقرار "لأن السياسة فوق القانون"، مضيفاً: "لن يتم تطبيق القانون على المجرمين ومحاسبتهم حتى يكون هناك قرار سياسي بإنهاء وضعهم". وأشار تلجو في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن مجلس الأمن الدولي "أثبت فشله وعجزه عن إيقاف مجرمي الحرب عن ارتكاب الجرائم بسبب دكتاتورية الفيتو"، مضيفاً أن "الطريق الذي يمكن سلوكه هو الجمعية العامة، ويمكن من خلالها تمرير قرارات تحفظ ماء المجتمع الدولي، وتُقدّم بعض الأمل لضحايا النظام المجرم في سورية"، معرباً عن قناعته بأن القرار يأتي ضمن هذا السياق.