قتل الفنانات: أعراف القبائل تُغرق الباكستانيات بالدماء

28 فبراير 2018
فنانة باكستانية تؤدي الغناء الصوفي (عارف علي/ فرانس برس)
+ الخط -
رغم کل ما شهدته منطقة جنوب آسيا بعد الانفتاح الثقافي، إلا أن ثمة مناطق ما زالت تسودها الأعراف والتقاليد المتشددة، وهي لم تخضع، ولو نسبيًا، إلى تردادات هذا الانفتاح، رغم جهود دولية ومحلية حثيثة. 

لا يمر أسبوع إلّا وينشغل الرأي العام في باكستان بحوادث قتل بعض الفنانات والممثلات لأسباب تافهة بأحسن الأحوال، تعيد الصورة إلى عصور انقضت، وتفتح باب الأسئلة حول من يحمي المواهب الناشئة؟ أو من يقف بوجه التخلف الذي يسعى إليه بعض المتشددين، ومنع موهبة من العبور إلى تحقيق حلمها؟

من تلك المناطق المحافظة مناطق قبائل البشتون، التي تقطن على طرفي الحدود الأفغانية – الباكستانية، وكما عُرفت بمقاومتها للأجانب، فهي كذلك اشتهرت على مر التاريخ بالوقوف في وجه كل محاولة تسعى لتغيير العادات والتقاليد التي تتبعها.

في المنطقة قلما تشتهر الفنانات والمغنيات، وعادة ما تغادر المواهب المناطق القبلية، إلى خارج البلاد أو إلى المدن الرئيسية أو العواصم، ككابول وإسلام أباد، لكن الخطر يظل يطاردهن لأسباب كثيرة، وذلك لا يمنع من استهدافهن بالقتل.

في الأسبوع الماضي كان موضوع قتل فنانة بشتونية تدعى برشنا على يد عشيقها (وهو أحد أقاربها) الشغل الشاغل للرأي العام في باكستان. خبر موت "برشنا" حظي باهتمام كبير في وسائل الإعلام الباكستانية، إذ إن الفتاة كانت تعمل في المسرحيات المحلية، وكانت تعشق شخصًا يدعى علي أكبر خان. غير أن أسرتها رفضت هذا الارتباط، وأصرت على زواجها من شخص آخر. الثلاثاء الماضي، وبعد أن قررت الأسرة "تزويجها" بالغصب من شخص غير عشيقها، جاء علي أكبر (25 عاما)، وقتل الفتاة ووالدها طعنًا بالسكين.

يقول مسؤول شرطة مدينة بشاور، فضل واحد: "إن الشاب أتى لآخر مرة وطلب من والد الفتاة محمد عمر، أن يزوجه ابنته، ولكن الأب رفض ذلك وبشدة. عندها أخرج الشاب السكين وطعن بها الوالد، ومع سماع صرخات أبيها هرعت برشنا، لتجد والدها مقتولاً، فتنال هي الأخرى نصيبها من الطعنات من (العاشق)، قبل أن ينتحر هذا الأخير بمسدس كان بحوزته، تاركاً وراءه عداءً قد يقضي على حياة الكثيرين من الأسرتين، في القرية والبلدات المحيطة بها، نتيجة عملية الثأر".


أتت قصة برشنا المأساوية بعد أيام من قتل إحدى أشهر الفنانات البشتونيات وهي سنبل خان. قصة سنبل لا تختلف عن القصة السابقة، غير أنها تزوجت سابقًا ثم عشقها شخص آخر، وانتهت القصة بمقتلها.

تروي أسرة سنبل قصة مقتلها، وتقول: "إن شخصاً يدعى جهانكير خان أتى إلى المنزل وقرع الجرس، فتحت سنبل الباب له وكان معه شخصان آخران، بدأ الحديث معهما. طلب الرجل منها أن تخرج معه، ولكنها رفضت، عندها أطلق النار عليها وقتلها".
جارة سنبل وتدعى بروين بي بي، وقفت عند الباب وسمعت جزءا من الحديث الذي دار بينهما. تقول بروين إن جهانكير كان يطلب منها الذهاب معه، ولكنها كانت تكرر أنها متزوجة وزوجها مسافر إلى كراتشي، بالتالي لا يمكنها الزواج منه.

وفجأة فتح الثلاثة النار على الفتاة وأردوها قتيلة، تاركة وراءها طفلة عمرها ثلاثة أعوام، ولاذ القتلة بالفرار.

انتهت قصة الفتاة وقاتلها جهانكير خان. لكن اسم هذا الأخير ذكر بقصة قتل مغنية بشتونية شهيرة أخرى، هي غزالة جاويد، إذ قتلها زوجها وكان يدعى كذلك جهانكير خان.
وتحكي أم غزالة قصة قتل ابنتها على يد زوجها جهانكير، فتقول إن القصة الحقيقية لمقتل ابنتها بدأت بأنها عشقت شابًا يدعى سليم خان "ولكنني رفضت ذلك، واتفقت مع أسرتي على ارتباطها برجل كبير في السن، ويدعى جهانكير خان". وتضيف الوالدة أن ابنتها غزالة كانت أمية لا تكتب ولا تقرأ وهي تأمرت عليها، إذ وافقت في غيابها مع جهانكير على اقترانه بها، شرط أن يقدم لها مبلغاً كبيراً من المال. وافق جهانكير على ذلك وأتى بعقد الزواج لتوقع عليه غزالة جاويد بذريعة أنه وثائق وأوراق سفر إلى الخارج للمشاركة في حفلة. غزالة الأمية وقعت عليها، كما تروي أمها، وفي الليلة نفسها جاء جهانكير مع أفراد آخرين وتزوج غزالة، في منتصف الليل تناولت غزالة السم بعد أن عرفت خدعة أمها وجهانكير ولكنها نقلت إلى المستشفى وعولجت هناك.

لم تقف المغنية عند هذا الحدّ، بل أقدمت على محاولة الانتحار عدة مرات لأنها ما كانت تحب زوجها، وبعد أن تفاقمت المشكلة بينهما، ظلت تحمل حنينًا إلى شاب آخر يدعى سليم، فما كان من جهانكير إلّا أن أقدم على قتلها في سوق دبكري كاردن المكتظ في وسط مدينة بشاور.
ثمة قائمة طويلة للفنانات والممثلات اللواتي انتهت حياتهن على أيدي أقاربهن في شمال غرب باكستان، وكانت الأعراف والتقاليد هي التي تقف وراء عمليات القتل هذه، بشكل أو بآخر.
كذلك يبدو واضحاً أن التباين وتداخل العلاقات في قضايا الزواج تؤدي إلى قتل الفنانات. عامل ثالث يرفع من نسبة هذه الجرائم وهو مجرد الدخول إلى عالم الفن الذي يثير في بعض الأحيان غضب الأهل. فعلى سبيل المثال قُتلت أيمن أداس شميم، المغنية البشتونية، قبل عدة أعوام على أيدي شقيقيها إسماعيل وعالمكير بعد أن سرت شائعات في أحد المجالس القبلية بأنها تزوجت بإردتها وأنها كانت تغني. ويُقال إن شقيقيها قررا وضع حد لحياة شقيقتهما المغنية، بهدف الانتهاء من الأقاويل التي تطاولها. 
المساهمون