قبل تعلو الجبل وينحدر التينُ البرّي

26 سبتمبر 2016
نذير إسماعيل / سورية
+ الخط -

كلّما اقتربتِ أكثر من الرصيف،
واستطال ظلّكِ بين الرجال.
أقوُلُ:
هذا جميل
كامرأة "اللاوي" تُساقُ في جُبَعْ،
نحو خلاصها الصغير.
ولا تدري أنها
في الغد لن تكون.
تتمايل كلهب مصباح الزيت،
في ليلة ريح
وتبتسم.
.
لم يصل بعد القطار،
وبائعُ السجائر أنهى ليلتهُ حزيناً.
لا قطارات نحو الشرق.
لا وجوه تراقِبُ ساعات، صُلبت على أعمدة الإنارة
لا وداعات.
.
تجلسين على مقعد خشبي،
كمنحوتة بازلت.
يُنارُ نصفُ وجهك بالأصفر
و
تغرَق المحطة سوداء،
في عمهٍ،
يُشبِهُنا.
يُشبهُ بدايات لم نلتقها.
تلتفتين نحو السهل الغارق في الليل.
تُفكّرين:
أن هذا جميلٌ،
أن هذا
أكبَرُ من البحرِ.
وأصغَرُ
من شرفةٍ صغيرة، في المدينة القديمة.

***

في " براغ "،
تمتدُّ الجدران عاريةً جهة النهر.
تلتفُّ
فتبتلعُ الساحات والعيون.
تخرج امرأة من مقهىً ليلي،
يخرجُ الدفء الثقيلُ معها.
وجوربيها الأصفرين، الحييّن
يلتصقان بخارطة المدينة.
تقول: يا غريب ستُمطر الليلة في براغ.
أفكرُ:
ستُمطرُ
وسأبتلُّ كشتلة زعترٍ في أرض الجنوب.
أقول لها:
أن المطر متشابهُ في المدن الحزينة
وأني نسيتُ معطفي،
ممزّقاً
في دمشق.


عندَها سأولدُ في الفجر
تلامس الغيم الرمادي وجه المياه،
فآتي
كحكايات من قصٍّ مقدّس،
كأحلام الأطفال في قرىً بعيدة.
في يدي زجاجة، ربما.
فيها رسالة، ربما.
خضراء اللون، رمادية.
أو عقد مذهبٍ، غرق قبل ألف عام.
أحيا لسويعات كشرنقة حرير،
وفي المساء
أموت.

***

تمرُ طريقٌ بنا، وتنتهي
في الحافلة السريعة.
أقولُ هذا يشبهُ دمشقاً جهة الهامة.
قبل تعلو الجبل
وينحدر التينُ البرّي،
أسراباً.
هذا يشبهُ طريقاً سلكَهُ ملاك الله،
قبل تحترق المدينة.
.
أجمع أجزاء من زجاج محطم،
ألصقهُ في الفراغ بين قاسيون، وقاسيون
هذا كما في الرؤيا
بعيدٌ.
لا يقترب إلا في أحلام المدينة.


* كاتب وشاعر سوري

المساهمون