أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر القوائم النهائية لأسماء المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ، المقرر إجراؤها في الخارج يومي 9 و10 أغسطس/ آب المقبل، وفي الداخل يومي 11 و12 من الشهر نفسه، سواءً على النظام الفردي أو القائمة المغلقة، بعد فصل الهيئة في الطعون المقدمة ضد المرشحين، إيذاناً ببدء فترة الدعاية الانتخابية التي تستمر حتى ظهر اليوم الثامن من الشهر المقبل. وانفردت "القائمة الوطنية من أجل مصر" بالترشح على جميع مقاعد القائمة المغلقة، برعاية حزب "مستقبل وطن" المحسوب على الرئيس عبد الفتاح السيسي، إثر مقاطعة بعض الأحزاب للعملية الانتخابية برمتها، مثل أحزاب التحالف الشعبي والدستور والكرامة. كما عزف البعض الآخر عن التقدم بأوراق الترشح، لمعرفتهم أن النتيجة محسومة سلفاً للقائمة المدعومة من الأجهزة الأمنية.
واستدعى النظام المصري الغرفة الثانية للبرلمان مجدداً تحت اسم "مجلس الشيوخ"، والتي كانت تسمى سابقاً "مجلس الشورى"، قبل إلغائها بموجب التعديلات الدستورية التي شهدتها البلاد في عام 2014، نظراً لعدم تمتع المجلس، آنذاك، بأي صلاحيات تشريعية أو رقابية حقيقية. وقرر السيسي إعادة "الغرفة الثانية"، وبصلاحيات أدنى بموجب تعديلات الدستور عام 2019، من أجل ترضية أكبر عدد ممكن من السياسيين الموالين له، بحجة "إثراء الحياة السياسية المصرية".
شملت قائمة المرشحين النهائية عن المقاعد الفردية لمجلس الشيوخ 762 مرشحاً
وبعد تفاهمات سياسية بشأن محاصصة المقاعد، تنازل القيادي السابق في "الحزب الوطني"، ووكيل نقابة المحامين، عمر هريدي، عن الطعون المقدمة منه ضد عشرة من مرشحي حزبي "مستقبل وطن" و"الشعب الجمهوري". وأعادت هذه الخطوة، إلى دائرة المنافسة، كلاً من رجل الأعمال محمد حلمي عبد الباسط، ورئيس جامعة حلوان السابق عبد الحي عبيد، وأحمد صبو، نجل رئيس شركة "الأهلي للتنمية" العقارية حسين فايق صبور، وثلاثتهم من المرشحين البارزين عن حزب "مستقبل وطن" في القاهرة.
وشملت قائمة المرشحين النهائية عن المقاعد الفردية لمجلس الشيوخ 762 مرشحاً، مقسمين على 27 دائرة انتخابية (كل محافظة دائرة) للتنافس على 100 مقعد، في حين بلغ عدد المرشحين على مقاعد القوائم المغلقة 200 مرشح (100 أساسي + 100 احتياطي) على إجمالي 100 مقعد، الأمر الذي يعني حتمية فوز مرشحي قائمة "من أجل مصر" بجميع مقاعد القوائم، شرط حصولهم على نسبة 5 في المائة من إجمالي أصوات الناخبين، وهو ما يعادل ثلاثة ملايين صوت تقريباً.
وتضمنت أبرز الأسماء المرشحة عن قائمة "من أجل مصر": رئيس حزب مستقبل وطن عبد الوهاب عبد الرازق، ونائبه حسام الخولي، وأمين التنظيم في الحزب عصام هلال، وعضو مجلس الشعب السابق عن الحزب الوطني (المنحل) إيهاب الهرمل، وشقيق النائب مصطفى بكري الصحافي محمود بكري، فضلاً عن نائب رئيس حزب الوفد ياسر الهضيبي، ونجل رئيس حزب الإصلاح والتنمية، سامح أنور السادات، والكاتبة فريدة النقاش، ورجل الأعمال أحمد أبو هشيمة.
وتُجرى انتخابات مجلس الشيوخ وسط توقعات بعدم مشاركة قطاع عريض من المواطنين في عملية التصويت، كونها تُجرى في ظرف استثنائي مع تفشي وباء كورونا، وعدم رضاء أغلب المصريين عن أداء رئيس البلاد، وكذلك مجلس النواب الحالي. ويفرض الوضع الحالي على المرشحين إلغاء المؤتمرات والتجمعات الجماهيرية، واللجوء إلى الدعاية غير المباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام المختلفة.
وسرعان ما انتشرت الدعاية الانتخابية في شوارع وميادين محافظات القاهرة الكبرى، القاهرة والجيزة والقليوبية، والتي تتمتع بنصيب وافر من المرشحين باعتبارها الأكبر عدداً من ناحية المقاعد. ويرى سيد جمال، وهو صاحب مطبعة، أن الدعاية الانتخابية لمجلس الشيوخ تراوحت حالياً بين 10 و20 في المائة فقط من حجم الدعاية لأي انتخابات سابقة، نتيجة حالة عدم الاهتمام بالمجلس الجديد من الجميع على حد سواء.
بدوره، يقول صاحب مطبعة أخرى يدعى رضا محمود إن المطابع تواجه طلباً محدوداً بشأن طباعة الشعارات الدعائية للمرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ، على الرغم من أن الاستحقاقات الانتخابية تمثل "موسماً رئيسياً للرزق"، على حد تعبيره. ويلفت إلى أنّ "أصحاب المطابع كانوا يطبعون كميات كبيرة من لافتات الدعاية، مدعومة بصورة المرشح، ورمزه الانتخابي، بما يمثل فترة رواج لأصحاب مكاتب الدعاية". ويوضح صاحب مطبعة ثالثة، وهو محمد حماد، أن هناك عدداً محدوداً من المرشحين تعاقدوا معه على طباعة دعايتهم الانتخابية، مشيراً إلى أن إمكانيات المرشح المادية تسهم إلى حد كبير في نجاح حملته الدعائية، وحجمها، في ظل ارتفاع أسعار الخامات، "فكل مرشح يختار نوع الخامات الذي يتناسب مع قدرته المادية".
في السياق نفسه، تواجه "محال الفراشة" (نصب السرادق) في القاهرة، وعدد من المحافظات، أزمة حقيقية جراء قرار الحكومة بمنع إقامة السرادقات منعاً لتفشي فيروس كورونا، وهو ما أثر سلباً على أعمالها، حيث كانت تعتمد بشكل رئيس في مكاسبها على فترة الانتخابات النيابية. ويقول العامل في محل فراشة، عصام عبد الحي إن موسم الانتخابات يشهد رواجاً في العمل، من خلال إقامة السرادقات بما تشمله من مقاعد، وأخشاب، وسواتر قماش، وفرش سجاد، أما اليوم فقد ألغي ذلك تماماً، مسبّباً خسائر كبيرة لأصحاب هذه المحال.
فترة الدعاية لمجلس الشيوخ لن تشهد إقامة السرادقات الانتخابية
من جهته، يلفت عضو مجلس النواب، جون طلعت، إلى أن فترة الدعاية لمجلس الشيوخ لن تشهد إقامة السرادقات الانتخابية، واستبدال ذلك بالدعاية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك نشر الشعارات في الشوارع، فضلاً على عقد لقاءات بين المرشحين ورموز العائلات في المحافظات كأحد أشكال إعلان التأييد. ويرجح طلعت تنظيم المرشحين وأنصارهم لحملات "الطرق على الأبواب"، لا سيما في القرى، لحث المواطنين على النزول والمشاركة في التصويت، من خلال استئجار سيارات لنقلهم إلى مقر اللجان، والعودة بهم مرة أخرى إلى منازلهم، ضماناً لمشاركة أكبر عدد من المواطنين في العملية الانتخابية. وكان البرلمان المصري قد اعتمد 500 مليون جنيه (32 مليون دولار) إضافية في موازنته الجديدة لصالح موازنة مجلس الشيوخ، بدعوى أن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية الجديدة لم يتضمن موازنة خاصة بالمجلس. مع العلم أن كل المخصصات المالية للعاملين في مجلس الشورى السابق مدرَجة في الأصل في موازنة مجلس النواب، والتي تضاعفت ثلاث مرات تقريباً خلال السنوات الخمس الماضية.
وأثارت عودة مجلس الشيوخ حالة من الاستنكار داخل الأوساط السياسية المصرية، بيد أن السبب الأساسي لتدشين المجلس هو مكافأة ومجاملة أكبر قدر من الأشخاص الموالين للنظام، في ظل تهميش صلاحيات المجلس الجديد، وعدم وجود نص دستوري مُلزم بعرض القوانين عليه، بخلاف مجلس الشورى في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، والذي ألزم دستور عام 1971 بعرض التشريعات عليه.