لا يتوقف بعض الأشخاص من حولنا عن ممارسة أشكال مختلفة من النفاق، بعضهم بات يمتهن النفاق كوسيلة للعيش، وآخرون يمارسونه لأنهم لا يتحملون العيش خارج دائرة الزعماء والأغنياء الباحثين عن حاشية من المنافقين.
يورد الأديب المصري يوسف السباعي (1917- 1978) في روايته "أرض النفاق" ما يمكن اعتباره تبريراً من منافق، قائلاً: "ليس الذنب ذنبي. إنه ذنب الذي سكب النفاق والغش والخديعة في النهر؛ فماذا يفعل ذو مروءة بين أهل الخداع في أرض النفاق؟".
ويرصد الأديب الإنكليزي أوسكار وايلد (1854- 1900) شخصية أخرى يمكن اعتبارها المضطر إلى النفاق: "هناك لحظات يجب على المرء فيها أن يختار بين أن يحيا حياته بالطريقة التي يريدها بحرية تامة، وبين أن يتم جرّه ليحيا حياة ضحلة كاذبة تتطلب الكثير من النفاق والمداهنة للاستمرار".
ولا يتوقف النفاق على الأشخاص، فالمجتمعات تنافق أيضاً، ونفاق المجتمع أخطر من نفاق الأفراد. وعبّر عن ذلك المفكر السوري عبد الكريم بكار قائلاً: "إذا كان قانون علم الفيزياء يقول إن الضغط يولد الانفجار، فقانون علم الاجتماع يقول إن الضغط يولد النفاق".
ومن مأثورات الفيلسوف والزعيم البوسني علي عزت بيغوفيتش (1925- 2003)، أن "النفاق زيف أخلاقي يبرهن على قيمة الأخلاق الصحيحة، مثلما هو حال النقود المزيفة ذات القيمة المؤقتة مقارنة بالنقود القانونية ذات القيمة الدائمة".
ورغم أن النفاق مستهجن في كل الأديان، والمنافق مذموم في كل الأعراف، إلا أن النفاق بضاعة رائجة، وزبائنها غالبية الزعماء والأثرياء.
في كتابه "على حافة الانتحار" يقول المفكر المصري مصطفى محمود (1921- 2009): "الزعيم الذكي هو الذي يتخطى ضجيج الهتاف والتصفيق وبطانات النفاق والتسبيح من حوله، وينظر إلى ما وراء كل هذا الهيلمان الكاذب الذي يصنعه الخوف والأطماع. إلى يوم موته، وما بعده".
لكن يوسف السباعي يخالفه، قائلاً إنه في حال غياب المنافقين، فإن: "الحكام سيكونون أشد الناس غضباً، فهم أكثر الناس انتفاعاً من النفاق، فما ستر زيفهم سواه، وما حجب خداعهم غيره. إننا سنحرمهم من خير بضاعتهم؛ البضاعة التي بفضلها استطاعوا أن يكونوا حكاماً. هل يمكن أن تتصور حكاماً بلا نفاق؟ تصور وقتها رأيهم في الرعية، ورأي الرعية فيهم".
وقد ختم السباعي رواية "أرض النفاق" بتلخيص معبّر، قال فيه: "يا أهل النفاق تلك هي أرضكم، وذلك هو غرسكم. ما فعلت سوى أن طفت بها وعرضت على سبيل العينة بعض ما بها. فإن رأيتموه قبيحاً مشوهاً، فلا تلوموني بل لوموا أنفسكم. لوموا الأصل ولا تلوموا المرآة".