في مصر.. انتخابات

17 أكتوبر 2015
+ الخط -
يقول الزعيم السوفييتي القديم، جوزيف ستالين، إن "الذين يدلون بأصواتهم لا يقرّرون شيئاً، بل إن الذين يفرزون الأصوات يقرّرون كل شيء". تليق تلك المقولة بالجولة الأولى من الانتخابات التشريعية المصرية التي بدأت اليوم السبت، خصوصاً أنه تمّ التمهيد لسيطرة أهل فرز الأصوات على حق الناخبين، في مختلف المحطات السابقة. وقد كشفت مختلف المراحل التي مرّ بها إقرار القانون الانتخابي، وتشكيلات القوائم الانتخابية، وحملات الدعاية المختلفة، مدى طغيان القدرة على التحكّم بقرار الناس، بدلاً من منحهم الحرية الانتخابية. وهو ما سيُفسح المجال أمام نتائج معلّبة أو مقرّرة سلفاً، تشي بغياب التغيير الذي سعى إليه المصريون بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
ولعلّ الأبرز في الموضوع سهولة "الجمع" بين السطو على القرار الشعبي والإيحاء للشعب بأن "صوتهم سيكون مسموعاً"، وأن "التغيير المنشود بات خلف الأبواب". تلك الخطيئة هيمنت على مختلف الحِقَب الانتخابية، لا في مصر فحسب، بل في معظم الدول العربية، بعد نيل استقلالها من دول الاستعمار. وهي الخطيئة عينها التي دفعت عرباً كثيرين إلى التمرّد على أنظمتهم، بعد نشوء الهوة بينها وبين تطلعاتهم.
في مصر انتخابات، أقلّ ما يُقال عنها إنها "صورية"، إذ لا يُمكن في أي انتخابات عزل أطراف سياسية أو محاصرتها، والعمل على إبعادها، بموجب بنودٍ مرتبطة بالقانون الانتخابي، وبحججٍ واهية، في ظلّ خطفك خيار الناس الانتخابي بعملٍ عسكري، بحجّة "الحفاظ على الأمن" أو "بطلبٍ من الجماهير"، ثم الخروج إلى العالم، والقول إن "الشعب يرفض هؤلاء". ولا يُمكن الحديث عن أي انتخابات، وشوارعك مزدانة بصور مرشحيك فقط، مع مساحة ضيّقة لمعارضيك الذين يدركون أن "فوزاً مفاجئاً" يعني "أمراً خاطئاً" في سياق المسار الحالي، ما قد يضعهم تحت مقصلة السجن أو.. السجن.
ولا يُمكن الحديث عن انتخابات "حرّة ونزيهة" في ظلّ اعتقال عشرات آلاف المعارضين السياسيين، واعتبارهم "خطراً على الأمن القومي"، وإصدار قرارات إعدام غريبة بحقّ سجناء، ومنهم سجناء رأي. ولا يُمكن الإعلان للعالم أن تلك الانتخابات تُمثل المحطة الأخيرة في مسارٍ تراه سليماً، فيما يُشبه هذا المسار كل شيء إلا "السلمية". في انتخابات مصر، لم تترك مجالاً للشعب للاختيار، فقد دفعته دفعاً نحو شعار "أنا أو الفوضى". الشعار الأحبّ على قلوب أنظمة الزمن العربي الأخير.
ولا يُمكن التعويل على تغييب المجتمع الدولي نفسه عما يحصل داخل مصر، كون المجتمع الدولي، في الأساس، يعمل وفقاً لمصالحه الخاصة. بالتالي، فإنه، وفي لحظة، قد يقرّر هذا المجتمع أن "هناك أمراً يجب معالجته في مصر". وحينها، لن تكون قادراً على استيعابه. والغطاء الدولي الذي تأمّن سابقاً للسيطرة على السلطة، سيُخرجك منها. وتلك القوة التي تظنّ الأنظمة العربية أنها تملكها ليست سوى قوة وهمية، باعتبار أنها مستمدّة من أوهام خارجية، تصنع تلك القوة لأسبابها الخاصة، ولأنه سيكون من السهل إطاحة تلك القوة لاحقاً. وهو ما استولد أنظمة غريبة في معظم الدول العربية، أنتجت هوة واسعة بين الطبقة الحاكمة والشعب.
لم تعد تلك الانتخابات صورة عن مرحلة تغييرية، أو تحررية، يستحقها الشعب المصري، بل تُكرّس العودة إلى نظام بائد، تحت شعارٍ أمني، بفعل الحرب الدائرة في شبه جزيرة سيناء. ومن الطبيعي أن الأنظمة، في مثل هذه الحالة، تستغل المخاطر الأمنية إلى أقصى حدّ للاستفادة شعبياً، فالمجلس العسكري الحاكم في الأرجنتين خاض حرباً في 1982 في جزر الفوكلاند (المالفيناس) ضد بريطانيا، لكنه خرج خاسراً منها قبل الانهيار شعبياً في العام التالي. وقد اختصر باني ألمانيا الواحدة، أوتو فون بسمارك الكثير بقوله "يكثر الكذب عادة قبل الانتخابات وخلال الحرب وبعد الصيد".
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".