في مديح البرّاد

06 ابريل 2015
نبحث فيه عن كنوز صغيرة (حسين بيضون)
+ الخط -

في المنزل الذي تعيش فيه عائلة كبيرة عادة ما يكون بمثابة الهدية أو المفاجأة أو الصندوق السحري. إنه المكان الذي نركن إليه في لحظات الجوع، والعطش، والملل، والحزن، والألم أحياناً.
نفتح بابه فيهب نسيم بارد في وجوهنا ليداعبها. يثلج قلوبنا في فصل الصيف في الأيام الأكثر حراً، ويعقص جلدنا بلمسته الخاصة في أيام الشتاء الأكثر صقيعاً.

نفتحه في كل الأيام، وفي كل الأوقات، وفي كل الظروف، وفي كل المناسبات. غالباً ما نتوقّع منه أشياء كثيرة. وقد نرفع من سقف توقعاتنا، لنصيب حيناً ونخيب أحياناً. لكن كائناً ما كانت النتيجة سنجد فيه حتماً بعضاً من ضالّتنا. نبحث فيه عن كنوز صغيرة. ذلك النوع من الكنوز التي إذا أكلناها أو شربناها ابتسمنا وسُررنا واطمأنينا وأكملنا حياتنا العادية. ذلك النوع من الكنوز الذي يجعل منه متنفساً لنا وسط الضغوطات التي تحاصرنا من كل صوب.

نهرب منه خلال الحمية الغذائية. نصير نكرهه ونلعنه. لكن، عند العودة إلى معدتنا، نأسف أننا لا نملك القدرة على التواصل معه إلا في ما ندر. ونعد نفسنا بعودة العلاقة الحميمة معه في أقرب فرصة ممكنة.

هناك من لا يملكون حظ امتلاكه، وهم كثيرون. وهناك كثيرون أيضاً ممن لا يملكون قدرة الوصول إلى العديد من الكنوز الصغيرة التي قد يحتويها. يغرقُ فيه الفَجِع فينسى الجائعين. ويملأه الغني حتى يكاد يفيض ويختنق. ويحلم الفقير أن يرى يوماً ما رفوفه وقد امتلأت بكثير الألوان والأشكال والأحجام.
لا تتأثر يومياتنا إذا كان يمارس حياته الطبيعية. نحبه سميناً ونكرهه خاوياً. وإذا صودف - والصدف في بلادنا كثيرة - وانقطعت الكهرباء، روحه التي لا يمكنه الاستمرار من دونها، تنكّدت حياتنا. وصارت إمكانية فتح بابه من الممنوعات التي لا يجوز ارتكابها.

يقولون إن هناك من يضع له أقفالاً حمايةً لما فيه من الآخرين. ويقولون إن هناك من يملكه بحجم غرفة تتسع لسكن عائلة. ويقولون إن الناس عندما تخرج من بيوتها تحنّ إلى كل ما يرتبط بهذه البيوت من تفاصيل، ومن بينها الأشياء التي لا تنتبه إليها في الأيام العادية. قد يعني ذلك حبّة من البوظة بنكهة الفواكه، أو كوباً من الماء الباردة، أو بقايا صحن طبيخ من أكلة اليوم الفائت. العلاقة اللامرئية مع بعض الأدوات، حتى لو كانت كهربائية، بعض من هذا الحنين.

وننسى أو نتناسى، في مفارقة غريبة وساخرة، أنه المكان الأخير الذي ننام فيه، بشكل مؤقت، فور مغادرتنا الحياة. وهو اليوم الوحيد الذي نجتمع على كراهيته فيه.
دلالات
المساهمون