في رأسِ السنة.. مَنفيّون من الفرح!

06 يناير 2018
+ الخط -
"مجانين في هياكل بشرية يطلقون النار بشكل عشوائي في الشوارع؛ كأنهم فقدوا عقولهم، صراخ.. ضجيج.. بكاء أطفال.. ظلام، ولا أنيس إلا صوت الأمطار، التي اختلطت بالرصاص"، كانت أول رسالة منها بعد منتصف ليلة رأس السنة الميلادية، وهي تصف لي المشهد في حمص السورية، وطفلتها الصغيرة هائمة في حضنها، خوفاً من الرصاص المزعج.

لم تكمل حديثها إلا وتدفقت الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي من دمشق، عشر إصابات من المدنيين نتيجة إطلاق نار عشوائي من قبل عناصر النظام السوري في الشوارع ابتهاجاً بالعيد، احتفال على طريقة التشوه العقلي الذي ضربنا حتى النخاع، وحوّل السلاح إلى أقلام تكتب بالرصاص وتفرح بالرصاص، وتحزن وتحارب بالرصاص، لكن سألت نفسي سؤالاً، ترى هل شعروا بالفرح، هل تركوا شيئاً يذكّر مناطقهم فيها بما هو الأجمل في عام 2017 أم أنهم لم يتركوا سوى أقنعة مرعبة جالت في الشوارع، حيث اختبأ الناس منها، وأجبروا أطفالهم على عدم الوقوف أمام النوافذ، لوداع آخر ليلة؟

لم يذكرني المشهد إلا بكلمات الشاعر الفلسطيني "توفيق زياد" حين قال: "من هنا مرّوا إلى الشرق غماماً أسودا، يقتلون الزهر والأطفال والقمح وحبات الندى"، لكن عذراً "توفيق زياد" إن كنت وجّهت كلماتك إلى جنود الاحتلال الإسرائيلي، اسمح لنا برثاء أنفسنا، لمن قتلنا وقتل الطفل مع أمه وأبيه، واختطف الفرحة من قلوب السوريين، ليس القمح والزهر فحسب، ولم نكن نعلم أن العبارات هذه تليق بجيوشنا الجرارة التي تعتاش على دماء الناس. 

شخصياً، لست ضد الاحتفال برأس السنة، كما هو حقٌ لكل من يحاول أن يقتطف بعض الوقت ليعبر فيه عن فرحه وأمله بعامٍ أفضل، ويكسر الروتين السنوي الممل، على أقل إيمان لإدخال فرحة لقلوب أطفاله في شتى دول العالم. لكن ربما كتب القدر أن يكون السوري فتيل ألعاب نارية، أو ألعاب حربية إن صحّ التعبير، يرقص الآخرون على جثته ليرضوا غريزتهم القاتلة!

وحيدون، نطوي آخر صفحة من عام 2017 ونفتح أحلامنا للعام الجديد، بالرغم من أنها أحلام بسيطة، قليلٌ من الأمن، من الحب، من توقف قتلنا وتهجيرنا واعتقالنا، من أن نكون آمنين في بيوتنا؛ أحلامٌ لا تخطر ببال أي مواطن أوروبي أو أميركي أو غيره، لكننا نحتفل وحيدين، في المنفى، في ميدان الحرب، وفي القبور وأقبية المشافي، وغياهب السجون.

الكاتب المسرحي "حسين برو" كتب على صفحته الشخصية: "لست انطوائياً، وخاصة في مثل هذا اليوم، يعرف جميع من يعرفني أنني كنت أنظم حفلات رأس السنة لمجموع الأصدقاء في رأس كل سنة، في محاولة لكسره قبل أن يكسرنا، آخر مخطط لسهرة فكرنا به هو في نهايات 2012 لنستقبل 2013، أحضرنا المستلزمات لنسهر في بيت الأشرفية، في 30 كانون الأول قتل شبيحة الحرس الجمهوري صديقنا أحمد الشيخ، في 31 كانون الأول قصفنا طيران الدكتاتور البراميلي، في 2 كانون الثاني مات صلاح صادق متأثراً بشظايا القصف، من يومها لا يمكنني السهر... أحاول، ولكنني لا أفلح، أعتذر من الصديق محمد حاج بكري (وهو الوحيد في سنوات اللجوء من يدعوني لسهرة في مثل هذا اليوم) سأتهرب يا صديقي، لا أريد أن أكون ثقيل الظل في جو مهيأ للفرح.. كعادتي سأسهر وحيداً، أشرب العرق، وربما أبكي!".

821A5168-6F20-4962-8A3D-3682E9034A89
ياسين الأخرس

كاتب صحافي ومذيع طالب جامعي أدب فرنسي - مراسل إذاعي لدى نسائم سوريا - كاتب صحافي لدى مجلة مُبادر ومجلات أخرى. يقول عن نفسه: أسعى لأعود طالباً جامعياً بعد أن تسترد البلاد عافيتها، نكتب كي يروا ويرون ما لا نكتب، بعد أن تحول كل شيء إلى حرب.