عذراً كاظم الساهر.. مدارسنا أخطر من داعش

28 أكتوبر 2017
+ الخط -
يغني "كاظم الساهر" أغنيته الشهيرة مع طفلتين موهبتين أغنية "تذكر، كلما صلّيت ليلاً، ملايينٌ تلوك الصخرَ خُبزاً"، ويجول صوته العذب في أزقة وشوارع البلدة، وكل عبارة من أغنيته اختارت جداراً مهدماً من مدارس بلدة "حاس" بريف إدلب وحطّت عليه، كما يحط حمام الدور.

تلك البلدة الصغيرة المنسية يوماً، لم نتذكرها إلا عند أبشع جريمة في القرن الواحد والعشرين بحق الطفولة، هو تاريخ لا يذّكر إلا بالمأساة، هي مجزرة الأقلام الشهيرة التي حصدت 41 شهيداً بينهم 18 طالباً مدرسياً، و10 مسعفين، و13 رجلاً وامرأة بين مدرسين وأناسٍ بسطاء، أراد لهم طيار في صفوف النظام أن يموتوا ونحن نتذكر فقط.

ليست مصادفة أن تشرّح كلماته بعض أجسادنا التي تركناها تحت الأنقاض، وليست مصادفة أيضاً، أن تذاع في الراديو، تزامناً مع مرورنا في بلدة حاس، في نفس تاريخ المجزرة، هو التاريخ ذاته، 26 من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2016، تلك حكاية وتلك، هذا يقلب صور ابنته الوحيدة بيسان التي قضت في المجزرة، تاركةً وراءها ابتسامة محرضة على اليأس والفرح أحياناً، وذاك يتمتم بين نفسه، كيف قضى عاماً بلا روح أسرية، بلا أحمد، أو بلا بيسان، وغيرهما.

يعيد كاظم الساهر حكايته، "قلبي على جرح الملائكة النوارس، إني أراهم عائدين من المدارس، باست جبينهم المآذن والكنائس" ثم يقطع مخرج الإذاعة الصوت قبل أن نسمع هذا النداء الذي كتبوه لنا، وتصبّح المذيعة على المستمعين، متمنية لهم الخير وتحثهم على التفاؤل بالحياة، فهي بسيطة، لا داعي للقلق، لا داعي للمآسي ولا داعي لتذكر النكبات!

كتبوا لنا هذا النداء "وطني جريح خلف قضبان الحصار، في كل يومٍ يسقط العشرات من أطفالنا، إلى متى هذا الدمار، جفت ضمائركم، ما هزكم هذا النداء"، لم يخطئ الأطفال يوماً، هم صادقون مع أنفسهم، جريئون أكثر منا بكثير، لم يهزنا النداء فعلاً، ما زال عجزنا سيد أنفسنا، لا قدرة له إلا على البكاء والحسرة!

في هذه الذكرى أعاد أحد المواطنين هذا النداء: "أنا هنا يا طيار آل الأسد، اقصفني، دمّرني،

دمّر بيتي وساحتي وملاعب صباي، سأشعل العجلات عند مقار الجيش السوري الحر، لتقصفها، عند دور الإغاثة والعجزة والقطط ومحلات العطور والفجور والخمور، اقصف كل جميل ولا تذر منّا على هذه الأرض ديّاراً.. ولكن أناشدك الله، أناشدك الإنسان، اترك المدارس، دع أولادي علّهم يتعلمون أنهم إن سكتوا عن الظلم.. سلّط الله عليهم من لا يخافه ولا يرحمهم!".

عذراً كاظم الساهر قد لا ترى أطفالنا عائدين من المدارس بعد اليوم، قد تراهم عائدين من محلاتهم التجارية بعد أن التحقوا بسوق العمل، قد تراهم عائدين من قطعاتهم العسكرية، أو التزموا منازلهم، أو هاجروا أو هُجّروا قسراً، كل شيء إلا المدارس، فهي كانت أخطر من داعش ذات يوم، على من ارتكب مجزرة الأقلام!

821A5168-6F20-4962-8A3D-3682E9034A89
ياسين الأخرس

كاتب صحافي ومذيع طالب جامعي أدب فرنسي - مراسل إذاعي لدى نسائم سوريا - كاتب صحافي لدى مجلة مُبادر ومجلات أخرى. يقول عن نفسه: أسعى لأعود طالباً جامعياً بعد أن تسترد البلاد عافيتها، نكتب كي يروا ويرون ما لا نكتب، بعد أن تحول كل شيء إلى حرب.