09 سبتمبر 2024
في العلاقة بين المقاومة والثورة
يستخدم الإعلام مصطلح المقاومة توصيفا للنشاطات والأفعال التي تجابه قوى الاحتلال الخارجي، وبالتالي فهي من أشكال الفعل الثوري الذي يسعى إلى القضاء على أحد مسبّبات الظلم والهوان والإذلال والاستغلال. في حين يتم وصف النضال الجماهيري الهادف إلى مواجهة (مقاومة) قوى الاستغلال الداخلية المسؤولة عن فشل الدولة وفسادها ونهبها المال العام واستبدادها غالبا بالحركة الثورية الشعبية. وبالتالي، وبعيداً عن الأدبيات السياسية والإعلامية، يمكن القول إن أي فعل منظم، جماعي أم فردي، يهدف إلى تغيير واقع الاستغلال، ومحاسبة أو طرد المجموعات التي تمارسه، هو فعل مقاوم ونضال ثوري بالضرورة، الأمر الذي دفع يساريين وعروبيين مقرّبين لحزب الله اللبناني، أو داعمين له، إلى مطالبته بالانخراط في الحراك الاحتجاجي- الثوري- اللبناني الدائر منذ أكثر من شهر، على اعتبار أن مصلحة لبنان والمنطقة تتطلب توافقا وتلاحما بين المقاومة والثورة! مستندين بدعواتهم هذه إلى خصوصية المنطقة العربية، سيما في الدول المحيطة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، نتيجة سيطرة قوى الاستغلال الخارجية والداخلية عليها، ممثلةً بقوى الاحتلال الإسرائيلي، والمافيات الحاكمة الفاسدة والمستبدة، وإن اختلفت درجة الاستبداد والإجرام من دولة إلى أخرى، الأمر الذي يتطلب، وفقا لهم، نضالا متوازيا في مواجهتهما معا.
مؤكّدٌ أن الظروف والأوضاع السيئة التي تعيشها منطقتنا العربية ناجمة عن تأثيرات عديدة، يتحمل الاحتلال الخارجي جزءا منها، كإسرائيل التي تنتزع جزءا من الأراضي السورية واللبنانية، وطبعا كامل الأراضي الفلسطينية؛ بالإضافة إلى أميركا وإيران وتركيا وروسيا في العراق وسورية وغيرهما من دول المنطقة. في حين تتحمّل الطبقة المسيطرة والنظام الحاكم الجزء الآخر من المسؤولية، مع عدم إغفال مسؤولية المجتمع الدولي، خصوصا الولايات المتحدة، المباشرة وغير المباشرة كذلك، خصوصا فيما يتعلق بنهب ثروات المنطقة، بالتعاون مع المافيات الحاكمة، وحماية منظومة الفساد والاستبداد والاحتلال، بل ودعمها بما يكفل إضعاف المنطقة، وضمان تخلفها وانقسامها وكبح نهضتها. ولذا لا تتضمن الدعوة إلى توحيد راية مقاومة المحتل الخارجي والمستبد والفاسد والسارق الداخلي أي تناقضٍ من حيث المبدأ، ولكن الأمر يتطلب مزيداً من التدقيق في طبيعة هذه القوى، وفي أهدافها الأخرى، كي نكشف عن مدى سذاجة هذه الدعوات أو نباهتها، سيما إن كانت الدعوة موجهة إلى طرف محدّد، كحزب الله اللبناني.
ويحيلنا هذا إلى الإشكالية الأولى التي تنطوي عليها هذه الدعوات، والتي تتمثل في حصر المقاومة بنشاط حزبٍ محدّد دون غيره، وكأنهما وجهان لعملة واحدة لا يفترقان، وهو من جهة أولى
تزوير للتاريخ العربي، واللبناني تحديدا، وتناس لمئات الفدائيين والمناضلين اللبنانيين الذين استشهدوا دفاعا عن الأراضي اللبنانية، وعن فلسطين وقضيتها العادلة، قبل ظهور حزب الله، وقبل احتكاره الجبهات، كما يعد إلغاء لتاريخ قوى وأحزاب لبنانية عديدة مقاومة تاريخيا. بالإضافة إلى أنه يمثل، من جهة أخرى، خضوعا، بل انصهارا كاملا مع سياسات الحزب الاحتكارية التي حجبت العمل المقاوم عن دونه من القوى والأحزاب الوطنية، وحوّلته إلى فعل أو عمل طائفي بامتياز، مستفيداً من دعم حلفائه الإقليميين، إيرانيين وسوريين.
تعبر الإشكالية الثانية عن جهل (أو تجاهل) متعمد لطبيعة الحزب وأهدافه وبرنامجه الداخلي والخارجي، وهو ما يعيدنا إلى طبيعته الطائفية، بل إلى إصراره وتمسّكه بهذه الطبيعة، والعمل على تجذيرها وترسيخها في المجتمع، وداخل المنطقة بأكملها، المتمثلة في خطابات قادته، وفي مقدمتهم أمينه العام، حسن نصر الله، الذي لا يجد أي غضاضةً في الظهور الدائم تحت عناوين دينية وطائفية، بينما يغيب عن الحضور في مناسبات وطنية، كعيد الاستقلال مثلا، بالإضافة إلى المساحة الكبيرة التي يوليها في خطاباته من أجل تعزيز خط الحزب الديني وخطابه أولاً، والطائفي ثانيا، فضلاً عن مئات الهتافات والأهازيج الطائفية التي يبثها الحزب، ويردّدها أنصاره يوميا، ويعملون على نشرها وانتشارها. كما يمكن الحديث عن حملات التشييع، سيما في الدول العربية التي تشهد حضوره العسكري برغبة وقرار إيرانيين. وصولا إلى أهداف الحزب الأخرى؛ أي فيما عدا تحرير الأراضي المحتلة؛ والتي يستحيل أن تلمس أي هدف وطني جامع في أيٍّ منها، هذا إن تجرأ الحزب وأعلن عنها كاملة في أي يوم. ولكن من السهل إدراكها من تتبع استراتيجية الحزب داخل لبنان وخارجه، وطبعا في تحالفاته وبرامجه الانتخابية الدورية، ومئات الوثائق الصادرة عن مؤسساته الثقافية والإعلامية والسياسية.
الإشكالية الثالثة هي الأخطر والأعمق، كونها تعبر عن خللين: الأول أنها تعبير واضح عن النظرة الاستعلائية تجاه الجموع الشعبية، فالدعوة موجهة إلى الحزب، وتستجديه لاستيعاب الغضب الشعبي، ومن ثم دعمه والانخراط فيه من أجل قيادته وتوجيهه، وكأن الجموع الشعبية
مجرد قطيع تبحث عمّن يقودها ويسيرها، ومن أفضل من الحزب لذلك. كما تعبر ثانيا عن فقدان الثقة بالشارع، وبقدرته على تطوير حراكه وتشكيل هياكله ومنظماته، وربما أحزابه وبرامجه، بعد فترة من المواظبة على التظاهر والاحتجاج والحوار الشعبي الوطني الشفاف والشامل، وكأنهم يستبعدون من تفكيرهم أي قدرةٍ للشارع المنتفض على فرض أجندته وبرامجه الوطنية الداخلية والخارجية، وفي مقدمها برنامج ثوري وطني جامع، يقاوم كلا الاحتلالين، الداخلي والخارجي.
في الختام، لا يمكن الفصل بين برنامج المقاومة والنضال الداخلي عن نظيره الخارجي في أي حركة ثورية وطنية حقيقية، كما لا يمكن الفصل بين خطابيها الوطنيين، الداخلي والخارجي. لذا يستحيل أن يتبنّى أي حزبٍ ذي توجهات وخطاب طائفي برنامجا وطنيا شاملا يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن مناطقهم وطوائفهم ودياناتهم، ويعمل على تجاوز القضاء الشرعي نحو قضاء مدني يساوي بين الرجل والمرأة أيضا. بل كيف للحزب أن ينصر الحركة الثورية المطالبة بإطاحة رموز الفساد اللبناني التي يتصدّرها حلفاء الحزب التاريخيين والراهنين. وعليه، المطلوب اليوم، وفي هذه اللحظات التاريخية المهمة والمصيرية، دعم الحركة الثورية ونصرتها، ومساعدتها على مزيد من التنظيم والوضوح والشمول، بدلاً من محاصرتها وتكبيلها بقوى وأحزاب طائفية رجعية، حتى لو ارتدت رداءً يدّعي المقاومة والتحرّر.
ويحيلنا هذا إلى الإشكالية الأولى التي تنطوي عليها هذه الدعوات، والتي تتمثل في حصر المقاومة بنشاط حزبٍ محدّد دون غيره، وكأنهما وجهان لعملة واحدة لا يفترقان، وهو من جهة أولى
تعبر الإشكالية الثانية عن جهل (أو تجاهل) متعمد لطبيعة الحزب وأهدافه وبرنامجه الداخلي والخارجي، وهو ما يعيدنا إلى طبيعته الطائفية، بل إلى إصراره وتمسّكه بهذه الطبيعة، والعمل على تجذيرها وترسيخها في المجتمع، وداخل المنطقة بأكملها، المتمثلة في خطابات قادته، وفي مقدمتهم أمينه العام، حسن نصر الله، الذي لا يجد أي غضاضةً في الظهور الدائم تحت عناوين دينية وطائفية، بينما يغيب عن الحضور في مناسبات وطنية، كعيد الاستقلال مثلا، بالإضافة إلى المساحة الكبيرة التي يوليها في خطاباته من أجل تعزيز خط الحزب الديني وخطابه أولاً، والطائفي ثانيا، فضلاً عن مئات الهتافات والأهازيج الطائفية التي يبثها الحزب، ويردّدها أنصاره يوميا، ويعملون على نشرها وانتشارها. كما يمكن الحديث عن حملات التشييع، سيما في الدول العربية التي تشهد حضوره العسكري برغبة وقرار إيرانيين. وصولا إلى أهداف الحزب الأخرى؛ أي فيما عدا تحرير الأراضي المحتلة؛ والتي يستحيل أن تلمس أي هدف وطني جامع في أيٍّ منها، هذا إن تجرأ الحزب وأعلن عنها كاملة في أي يوم. ولكن من السهل إدراكها من تتبع استراتيجية الحزب داخل لبنان وخارجه، وطبعا في تحالفاته وبرامجه الانتخابية الدورية، ومئات الوثائق الصادرة عن مؤسساته الثقافية والإعلامية والسياسية.
الإشكالية الثالثة هي الأخطر والأعمق، كونها تعبر عن خللين: الأول أنها تعبير واضح عن النظرة الاستعلائية تجاه الجموع الشعبية، فالدعوة موجهة إلى الحزب، وتستجديه لاستيعاب الغضب الشعبي، ومن ثم دعمه والانخراط فيه من أجل قيادته وتوجيهه، وكأن الجموع الشعبية
في الختام، لا يمكن الفصل بين برنامج المقاومة والنضال الداخلي عن نظيره الخارجي في أي حركة ثورية وطنية حقيقية، كما لا يمكن الفصل بين خطابيها الوطنيين، الداخلي والخارجي. لذا يستحيل أن يتبنّى أي حزبٍ ذي توجهات وخطاب طائفي برنامجا وطنيا شاملا يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن مناطقهم وطوائفهم ودياناتهم، ويعمل على تجاوز القضاء الشرعي نحو قضاء مدني يساوي بين الرجل والمرأة أيضا. بل كيف للحزب أن ينصر الحركة الثورية المطالبة بإطاحة رموز الفساد اللبناني التي يتصدّرها حلفاء الحزب التاريخيين والراهنين. وعليه، المطلوب اليوم، وفي هذه اللحظات التاريخية المهمة والمصيرية، دعم الحركة الثورية ونصرتها، ومساعدتها على مزيد من التنظيم والوضوح والشمول، بدلاً من محاصرتها وتكبيلها بقوى وأحزاب طائفية رجعية، حتى لو ارتدت رداءً يدّعي المقاومة والتحرّر.