في الحنين

31 ديسمبر 2015
لستُ نوحاً لتنقذني السماء (فيسبوك)
+ الخط -
كلما أنقر طاقة "فيسبوك" يعرض علي الاستعراض العامي، صهٍ أيها الوجه البليد، أنا من سيروي:
نحن الشوايا* القادمون من بيوت الطين، ومواقد الحطب المبلل باليتم، تبث دخانها أبيضَ كقلوب نضجت قبل موسم القطف، تغني لقطعان الغيم الراحل أن ستملأ دلاءها وتعود، مرقعون بالتمائم ونعوة الأمهات في كل مأتم يستحضرن من مات في كل الملاحم، الأخوات خلف الحدود يبكين ويرسلن لي عبر الهاتف بعض العتابا الموجعة، وعبارات ندب الموتى والغياب ونشيج حنين، سقطت سماعتي وصديقي يبكي بحة الصوت من فرط الحنين، "فراتان من صبر ونيلٌ بقلبي نضب" تقول فاطمة الثكلى في السلام عليّ عبر تسجيل ببيت حزن مشرع القلب وصوت أجش، دموعي التي قبضت جمرها بالتصبر أفلتها جفنا صديقي المطرود بجانبي، مثل كذبة تفصح عن نفسها بالتورط، فشلت شباك الشاعرين في جفلة عصافير البيادر ولا ينفع إذ ذاك حجر لترقيع الهاوية.


لنا تقويمنا المائي لا شمس ولا قمر، آذار عيد الربيع الذي خضّبَته بالأحمر حناءُ البلاد على رصيف اخضرار عتيق، ودبيبُ النمل يجتاح جسدي المشبوب بالنمش البحري؛ ناموسكَ الوثبة تقول الحياة وأدركتُ وشايتها مذ علقتُ الغيم شالاً على كتف الريح الحرون، وانثنيت أتحسس روحي في التراب، وأذكر لي طفل أنجبته الحياة، لم أنصت لصرخته من وقع الرصاص حولي، طلب الأصدقاء صورته، لم أجد بداً من صورة قدمين صغيرتين كتبت عليهما يسقط الطغاة ونشرتها بوجهك؛ فحاصرني المخبرون، رُميت في القبو المصدّع مرّرتُ أصابعي على ندوب من مروا بها وفاضت بهم، أذكر أني ابتسمت للشقوق القديمة لكأنها جراح موتاي ورأيت فيها رحماً يوشك المخاض.

نيسان الشارع المجبول بكذبة أوله، والحياة كلها كذبة نصدق غيم ربيعها المسافر في مزن الأفول، اغتيل الطفل الصادح بحفيف حنظلة الحجر وقيل مات المغني قلت كذبة نيسان تلك، واكتشفت الحقيقة... ما الأرواح إلا مشاجب موت تعلق الحياة كذبتها عليها وتمضي.

آيار نشوة العشب الطالع من حجر، كما تقول الجدات اللواتي وشحن رؤوسهن بشال الحرير  "طول الهباري" نزعنها بالزغاريد فوق جثمان أحمد الذي وشَّى جدار الوقت بشظاياه الـتي وزعتها قذيفة متحضرة.

حزيران أول الحصاد المر، آخرة البيادر التي خبأتنا من عشاق في أقمار ليل، إلى ثوار يخبئون رائحة شياط قتلاهم عن أنوف العسس، أذكر أني حين أدرت ظهري للريح خبأتني أقمار ونصحتني بكمشة من نجوم وأصدقاء لم تسعهم كف روحي المغلولة، والفجيعة ورَّمت أصابعي لتبوح بالخواتم في سر وفي علن.

تموز جوعي الذي ملأتُه ماء قيض، مطروداً نبحتني كلاب الأهل والديار/ دياري تحثو على وجهي التراب، عام لم يكن خبز الحياة على ركبتي وارتضيت أقوال الرعاة، وأحمد كان معي كشف لي سر الحياة، وشذّب لحِجل روحي ساقا محجَّلة القول في أفراس القصيد، الشامة في جبينه الأيمن صيرتها القذيفة شامةً على خد جدار عليه كان يتكئ، أثقله احمرارها فقبل الأرض وهوى، في كل عيد نتذكر انفراط عقد العائلة على منحدر الحياة المائل للموت تتناهبنا الجهات، وليس ما يلم نجومنا سوى خيط حنين، يمر فويق شمعة عمر مشتعل، لستُ نوحا لتنقذني السماء ولربما أنت نوح، حجة الموت الجديد تصنع الفلك، من كل زوجين اثنين والسوريون كثر، فتخلص ما اسطعت أيها الربان لتنجو، وافتتح عقداً جدياً من سبات الكون على نشيج غرقانا، طاب نومك أيها العالم البخس، شوايا نحن... وصباح الخير أيها الوطن المسيج بالرجال النائمين.

*الشوايا تسمية تطلق على بدو شبة زراعيين، يقطنون منطقة الجزيرة السورية.

(سورية)

 

المساهمون