فلسطيني يعيد تدوير الحديد لكسر حصار غزة

14 مارس 2016
أدوات يدوية بسيطة وسيلة رشيد لصنع منتجاته(عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
لم يكترث الخمسيني رشيد رشيد، للغبار الأسود الذي عبأ وجهه وهو يحاول صناعة كانون نار من غسالة قديمة مهترئة ملقاة على إحدى النواصي، باستخدام أدواته اليدوية داخل ورشته البسيطة في حي الزيتون وسط مدينة غزة.
رشيد الذي يعمل وحيداً داخل ورشته اتخذ لنفسه أسلوباً مختلفاً في صناعة مختلف أشكال وأنواع المصنوعات الحديدية، عبر تجميع كل ما هو غير ضروري ومهمل وملقى من المعادن، بمساعدة فتية يعملون على العربات، ليحوَّلها إلى منتجات نافعة، تباع بأسعار أرخص من أسعار السوق.
المهملات التي عمت ورشته، التي اقتسم مكانها من منزله المتواضع، لم تكن قبيحة حين تقارنها بالمنتجات المميزة، التي يقوم بتصنيعها من أدوات لا تصلح لشيء، بتقنية بسيطة لا يمكن مقارنتها بالماكينات الكبيرة، التي تستخدمها المصانع التي تنتج ذات المنتجات.
ويقول رشيد لـ"العربي الجديد" إنه بدأ العمل في الحدادة منذ عام 1978، وكانت بدايته في تركيب الأبواب والنوافذ المعدنية إلى أن وصل في دراسته للصف الأول الثانوي، وتعلم أساسيات الحدادة من لحام، وتشكيل الحديد يدوياً.
ويوضح أنه عمل في ذلك الحين عند عدد من ورش الحدادة، إلى جانب عمله مع شركات خاصة بالمباني داخل الخط الأخضر في مدينة سوروكا في بئر السبع المُحتلة، واكتسب الخبرة اللازمة في تشكيل الحديد وطرق صناعة مختلف الأجسام والمنتجات الحديدية.
ويضيف رشيد الذي يعيل عشرة أولاد وبنات، قام بتعليمهم وتزويج ثلاثة منهم، أنه توقف عن العمل داخل الأراضي المحتلة عام 2000 بسبب تردي الأوضاع السياسية، ما دفعه إلى بيع الحطب حتى عام 2010، وصناعة بعض الأدوات الخشبية، حتى يتمكن من توفير قوت عائلته.
ويقول إن الصدفة هي التي قادته إلى تصنيع الأدوات المعدنية، حيث أنه بعد قَطع السولار وأزمة الوقود التي عَصَفَت بقطاع غزة عام 2012، وظهور بابور الكاز من جديد، بدأ بلِحام وصناعة مناصب النار وبيعها، وشجعه ذلك على تطوير أدائه وصناعة المزيد من المنتجات الحديدية ومنها أسلال المشاوي، أسِرَّة للأطفال، وغيرها. ويضيف أنه يعتمد في عمله بشكل أساسي على الأدوات الحديدية غير اللازمة مثل أسياخ حديد المباني المهدمة، الغسالات، الثلاجات، قطع من السيارات المُعدَمَة، ألواح معدنية غير نافعة، حيث يقوم بتجميعها من الشارع أو بشرائها بثمن رخيص، ويتعامل معها باستخدام الشاكوش، المقص، وماكينة اللحام الخاصة به.

المعيقات والعقبات هي شيء أساسي في أي عمل أو مهنة داخل قطاع غزة بفعل الحصار الاسرائيلي المستمر منذ 10 أعوام، وعن ذلك يوضح رشيد أنه لا يوجد عنده مشكلة في توفير المادة الخام التي يمكنه الحصول عليها بمختلف الطرق، لكن الأزمة الحقيقية في توفير أسياخ اللحام التي يمنع الجانب الإسرائيلي دخولها بشكل تام، إلى جانب أزمة الكهرباء التي تؤثر على العمل، وتحدد أوقاته.
ويتابع حديثه لـ"العربي الجديد": استيقظ يومياً لصلاة الفجر، وبعد ذلك أقوم بإشعال الحطب، وتفقد الكهرباء حتى أبدأ عملي، وتجميع المنتجات تحضيراً لعرضها وبيعها يوم الجمعة في سوق اليرموك وسط مدينة غزة من أجل توفير مصروف البيت، موضحاً أن مهنته هي مصدر رزقه الوحيد، إلى جانب شيك وزارة الشؤون الاجتماعية.
ويتطلع رشيد إلى تبني إحدى المؤسسات المحلية أو الدولية التي تهتم بالمشاريع غير التقليدية فكرته القائمة على ايجاد منتجات من العدم، موضحاً أن مثل هذه المشاريع مفيدة للبيئة وقد تعود بالنفع على مختلف الأطراف، خاصة وأن منتجاتها تباع بأسعار زهيدة، مراعاة لظروف أهالي غزة الاقتصادية.
تلك الأسعار الزهيدة شجعت عدداً من أهالي القطاع على اقتناء المنتجات الصلبة التي ينتجها رشيد، بدلاً من شراء منتجات المحال التجارية غالية الثمن، وذلك بسبب سوء الأحوال الاقتصادية التي ساهم بتدهورها الحصار الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ عشرة أعوام.
المواطن خليل غنيم، كان منشغلاً في تفقد كوانين النار والشواء التي عرضها رشيد في سوق اليرموك وسط مدينة غزة، ويقول لـ"العربي الجديد" أنه اعتاد على شراء هذا النوع من المنتجات، وأنه يضاهي في الجودة كل الأصناف المصنوعة من مادة خام جديدة.
ويوضح أن الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة زاد من نسبة البطالة والفقر بشكل غير مسبوق، كما ساهم بتدهور الأوضاع الاقتصادية، وأدى إلى اتجاه عدد من المواطنين إلى شراء المنتجات القديمة، أو التي أعيد تصنيعها، أو حتى الملابس المستخدمة.
بينما يعتقد صديقه صبحي الحملاوي أن المنتجات الحديدية المُعاد تصنيعها تفوق في جودتها المنتجات الحديثة، التي يصفها بـ"التجارية والرديئة"، لافتاً إلى أنها في الوقت ذاته متناسبة مع الأوضاع المعيشية لسكان غزة المحاصرة.
وقد فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي حصاراً برياً وبحرياً مشدداً على قطاع غزة إثر فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير/كانون الثاني 2006، وما زالت تحاصر القطاع وتمنع دخول المواد الخام والمواد الأساسية، ما أدى إلى تفاقم الأزمات، وتدهور في مختلف النواحي الحياتية للمواطنين.




اقرأ أيضا: قناة إسرائيلية تتهم السلطة الفلسطينية بإحباط ربط غزة بالكهرباء
المساهمون