لم يحتمل الشاب الفلسطيني جهاد السويطي (30 عاماً)، من بلدة بيت عوا، غرب الخليل، جنوب الضفة الغربية، إجراءات السلامة والوقاية من فيروس كورونا، وقرر مراقبة أمه الحاجة رسمية (75 عاماً)، وقد أصيبت قبل خمسة أيام فقط بالفيروس، بالجلوس قرب نافذة غرفتها في مستشفى الخليل الحكومي، إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة أمس، الخميس.
يؤكد رسمي مسالمة، ابن المتوفاة رسمية مسالمة، لـ"العربي الجديد"، أن شقيقه جهاد الذي انتشرت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة بعد وفاة والدته، لم يغادر المشفى البتة، ولم يترك أمه لحظة واحدة، ورغم منع الأطباء الدخول لغرفة المريضة، وإذا حصل فلفترة زمنية محدودة.
يقول رسمي: "ابتكر جهاد طريقته بتسلق المواسير بجانب نافذة غرفة والدته في الطابق الثاني من المشفى، وعلى حواف النافذة من الخارج، كان يجلس بالساعات لمراقبة والدتي، يدخن سجارته بحزن، ويتأمل تجاعيد وجهها قبل الرحيل".
جُنّ جنون جهاد، وهو أصغر إخوته، عندما أخبره أخوه الأوسط بخبر وفاة والدتهم، وكاد أن يضربه، يقول رسمي مسالمة: "لم يُرد جهاد تصديق وفاة أمي، رحمها الله. بالفعل كاد أن يضربني، أحضرنا ثلاثة أجهزة مختلفة لتخطيط القلب، لنجعل جهاد يُصدق أن نبضها بالفعل قد توقف، وعندما تأكد من وفاتها اعتزلنا جميعاً".
جمعت جهاد بوالدته علاقة قوية، فهو آخر" العنقود" وقد رحل زوجها قبل خمسة عشر عاماً بسبب فشل كلوي.
يقول رسمي مسالمة: "كانت أمي مصابة بسرطان الدم، وعندما أصيبت بفيروس كورونا، أرادت حجرها أن يكون في منزل ابنها الأصغر جهاد، لكن الفيروس أرهق جسدها المتعب أصلا بسبب السرطان، ما دفعنا إلى نقلها إلى مشفى الخليل الحكومي، أخبرتنا بأنها ستكون قوية وستواجه أربعة أو خمسة، ظنناها تقصد عدد أمراضها، لكنها حددت الأيام التي ستبقى فيها معنا، وبالفعل صدقت وغادرت"، قالها رسمي وكاد يجهش بالبكاء، لكنه ابتلع غصته وأشغل لسانه بالحمد والترحم على والدته.
لقد أثارت صور جهاد المتداولة بقوة منذ أمس، الخميس، على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يراقب والدته قبل وفاتها، مشاعر الحزن والمواساة لدى النشطاء، ومنهم من أراد لصورة جهاد المتداولة أن تكون فرصة مواتية لتعزيز النصح والإرشاد بحفظ الناس أحبابهم من الإصابة، عبر الالتزام بإجراءات السلامة، حتى لا يُفجعوا بصورة أُخرى، ومنهم من تمنى ألا يكون مكان جهاد، لصعوبة الموقف، وبعضهم أكد أن كم التضامن معه لن يفلح في تضميد ألم الشاب المكلوم.
الشاب جهاد السويطي من الضفة الغربية يتسلق كل ليلة جدار المستشفى الذي تقبع به والدته للعلاج من فيروس كورونا من أجل دعمها ومواساتها.
— Dr. Ramy Abdu| د. رامي عبده (@RamAbdu) July 16, 2020
والدته فارقت الحياة منذ قليل! pic.twitter.com/wYuHoS4Ng0
وكتب الصحافي محمد مسالمة، من بلدة بيت عوا: "هالموقف أبدا ما حدا بقدر يتحمله، بس ربنا يعطيكم الصبر على فراقها،ع شان هيك أوقفوا الحفلات والأعراس وحافظوا على أنفسكم ومن تحبون، الله يرحمها وعظم الله أجركم".
وكتب عبد الرحمن قوصيني: "بانتظار الموت، صورة بألف كلمة، يا قلبي لا تنفطر بموتها، أيها القلب المعذب برؤيتها، أيتها العيون، أما تعبت وأنت تراقبين أنفاسها وهي موصولة بجهاز التنفس الاصطناعي؟ آه أيها الموت، قد تعودت روحي الجلوس على شباك المشفى التي ترقد فيه أمي، آه يا أم هشام قد استعجلت الرحيل وأنا على شرفتك أنتظر الحياة.. إهداء إلى الذين لا زالوا يعتقدون أن الفيروس كذبة أو غير موجود، هذا الشاب جهاد السويطي يجلس على شرفة غرفة العناية المكثفة في المستشفى يراقب أنفاس والدته أم هشام التى اختارها الله لجواره هذا المساء (مساء الخميس)".
وتابع: "الصورة آلمتني، اللهم ارحمها ولا تجعلني أجلس هذا المجلس، وعلى كل منكم أن يعمل حتى لا يعيش التجربة نفسها ولا تكون والدته على جهاز التنفس خلف ذاك الزجاج، (كلماتي من القلب)، اللهم رحمتك .. اللهم لطفك". أما جمانة قويدر، فكتبت: "وماتت أمك يا جهاد، لا أحد سيفهم خوفك وقلقك وحزنك، الله يرحمك يا حجة، الخليل قوية وستبقى قوية".