فلسطينية في الأشرفية

05 سبتمبر 2020
+ الخط -

يوزّع متطوعون مساعدات على الأحياء المنكوبة في بيروت جرّاء انفجار المرفأ، وكنت من ضمنهم. وصلنا إلى أحد أحياء الأشرفية شرقي العاصمة، وطرقنا شبه الباب المتبقي. أدخلتنا امرأة عجوز إلى بيت تخلخلت أعمدته. صالون البيت تغيرت أركانه، إلا أنّ صورة الرئيس اللبناني الراحل بشير الجميل تتوسط حائطاً متفسخاً.

سألت السيدة عن مرادنا من الزيارة المفاجئة، فهنأناها بالسلامة، وسألنا إذا كان هنالك أحد مصاب أو متوفٍ؟ فردت بابتسامة خفيفة: "الرب سلمنا، وأولادي خارج البلد وأعيش بمفردي حالياً، وعند وقوع الانفجار كنت خارج بيروت". عرضت علينا الجلوس، وسألت إذا كنا نود شرب الماء؟ فطلبنا منها ألا "تعذب نفسها".

كنا أربعة متطوعين نعمل على توزيع حصص غذائية بمساعدة بعض الجمعيات الأهلية، وجميعنا لم يعرف كيف يبدأ الحديث لإخبارها أننا سنقدم بعض الحصص الغذائية وأي نوع دواء تطلبه. عمّ الصمت قليلاً، ومن ثم طلبت التعرف علينا وسبب الزيارة. عرّف الزملاء بأنفسهم، وأتى دوري قلت اسمي صمود، وأعمل صحافية وحالياً متطوعة للمساعدة. استوقفها الاسم: "أنت لبنانية". أجبت: "زوجي لبناني، لكني فلسطينية ونسكن بالقرب منكم وراء مستشفى الجعيتاوي". رفعت حاجبها وصمتت.

أكملنا جولتنا، وكان الاسم والجنسية محط ترحيب أو يستوقف السامع من باب المفاجأة أو الاستهجان

 

بعد حديث الزملاء وتدوين حاجات السيدة، سألتني إن كنت أعرف صاحب الصورة أعلاه. قلت: بشير الجميل. فابتسمت مع رد بسيط: "أنت جاي تساعدينا". فأسهبت بالكلام وشرحت لها أن المسألة إنسانية وفرق فلسطينية تعمل منذ أيام في مساعدة الناس في عمليات الإنقاذ والطبابة. كان ردي أشبه بالتفاف على الجواب، فالوقت والمكان غير مناسبين لنكء جراح الحرب الأهلية، التي لم أكن ولدت حينها.

ودعتنا عند الباب، وكأن في فمها كلاماً تريد قوله ولم تبح به. وزودتها برقم هاتفي إذا احتاجت أي شيء في المستقبل.

في المنزل المجاور، استضافتنا عائلة منكوبة تضم رجل كهلاً وزوجته ومعهما ابنتهما. تكرّر السيناريو مجدّداً حول اسمي. فأخبرتهم أني فلسطينية، وكان رد رب الأسرة: "أهلاً وسهلاً"، وبعض الكلمات الترحيبية بالفرنسية والثناء على تطوعي للمساعدة. وعند الوداع دعت لنا السيدة بأن يحمينا الرب وتحرسنا العذراء، من دون تسجيل أي اعتراض على الاسم لكن على المساعدات العينية، واكتفوا بالسؤال إذا كنا نعرف أحداً يساعد بإصلاح الزجاج المكسور.

أكملنا جولتنا، وكان الاسم والجنسية محط ترحيب أو يستوقفان السامع من باب المفاجأة أو الاستهجان. كان هذا اليوم السابع بعد انفجار الرابع من أغسطس/ آب. ردود الفعل أخذتني إلى التفكير في اليوم التالي، وهل سيكون اسمي منفراً أم جاذباً؟

نكبة المرفأ كسرت مفاهيم كثيرة، بعضها كان كالزلزال الذي حطّم أبواب الأشرفية أمام الفلسطيني، الذي بدوره سارع لاحتضان بيروت، طاوياً صفحة الماضي، كأنه لم يكن، أو بأقل تقدير، سكّن الذاكرة.​

صمود غزال
صمود غزال
صحافية فلسطينية لاجئة في لبنان. من فريق موقع العربي الجديد قسم السياسة.