فصامنا في تركيا

23 يوليو 2016
+ الخط -

لو استعرضنا سريعاً ردود أفعال العرب بالعموم، بكل فئاتهم وشرائحهم وانتماءاتهم، على الانقلاب التركي الفاشل، والغرائبي لفرط سرعته، لوجدنا التالي: مؤيدو الأنظمة العربية الواقفون ضد الثورات والتغيير، بذريعة أن التغيير يجلب الفوضى، حتى قبل أن تتسبّب الثورات بالفوضى، سارعوا إلى تأييد الانقلاب، قبل أن يعرفوا شكله ومن يقف وراءه، متناسين كل مواقفهم عن الفوضى التي ستنتج من التغيير. غالبية هؤلاء كانوا قبل الثورات من المعجبين بالاستقرار والتنمية التي حققها أردوغان لتركيا، غير إعجابهم بالتجربة العلمانية الديمقراطية التركية التي أتاحت لحزبٍ إسلاميٍّ الوصول إلى السلطة. بالنسبة لهم، لا مانع من الفوضى في تركيا، ولا مانع من اهتزاز الاستقرار، ولا مانع من انقسام الجيش التركي، ولا مانع حتى من دخول تركيا في حربٍ أهلية. المهم لهؤلاء رحيل أردوغان الذي أصبح  الشر المطلق في المنطقة، بينما الأنظمة العربية لهؤلاء هي الخير المطلق الذي يجب الحفاظ عليه، وتمجيده ليلا ونهارا.

بعض مؤيدي الثورات العربية ممن فجعوا بنتائجها حتى الآن، وبصعود حالة الأسلمة والتطرف، أيدوا الانقلاب سريعاً، بذريعة أن أردوغان ينتمي إلى الإسلام السياسي، والذي هو المنبع الأول للفكر الجهادي في المنطقة. وهزيمة أردوغان تعني هزيمة هذا الفكر، ومع أن الاتقلابيين، حسب ما تردّد، حتى الآن، ينتمون إلى حركة إسلاميةٍ، تتفوق، بالتشدّد الديني، على حزب العدالة والتنمية الحاكم الآن في تركيا، إذا ذريعتهم في تأييد الانقلاب مردودٌ عليها من الاتقلابيين أنفسهم.

مؤيدو الأنظمة العسكرية الحاكمة في المنطقة العربية أيدوا الانقلاب، بذريعة أن أردوغان ينكّل بمعارضيه، ويزجّ بهم في السجون. لم يعد لدى معظم هؤلاء ما يفعلونه، بعد أن استشرس أردوغان فعلاً في حركته التطهيرية ضد الانقلابيين، غير تعداد "جرائم" أردوغان، هم الصامتين خمس سنوات عن جرائم بشار الأسد اليومية من قتلٍ وسحلٍ وتعذيبٍ واعتقالٍ وتهجيرٍ وتشريدٍ، وكل ما يخطر على البال من جرائم، والصامتين تماماً عما ترتكبه أنظمتهم بحق معارضيها، بكل انتماءاتهم وفئاتهم. وقف قسم من مؤيدي الثورات العربية ضد الانقلاب، بذريعة أن الانقلاب سوف يؤدي إلى انقسام الجيش التركي، وهو ما يجلب الضرر لتركيا ومواطنيها. لم يكن لدى هؤلاء أي مانع من انقسام جيوش بلادهم، بل وفي تشكيل كتائب عسكرية جهادية مضادّة لجيوش بلادهم، فأدخلوا هم، والجيوش النظامية، البلاد في حروبٍ أهليةٍ، لا يدري غير الله متى تنتهي، وإلى أين ستصل. قسم منهم أيضا أيد أردوغان ضد الانقلاب، بذريعة أن الانقلاب تم الإعداد له في أميركا. ولم يكن لدى هؤلاء مانع أن تحشد أميركا جيوشها وطائراتها، لتخلصهم من أنظمتهم السابقة والحالية.

 الأظرف بين هؤلاء جميعا مؤيدو التنظيمات الجهادية وممولوها، التنظيمات التي ترى في الديمقراطية خروجاً عن الشريعة الإسلامية، وفي الدولة المدنية زندقةً، وفي العلمانية كفراً مبيناً، تجب إقامة الحد على أصحابها. ومع ذلك، كانوا أول المباركين لأردوغان بفشل الانقلاب، وانتصار الديمقراطية ضد الفاشية العسكرية التي تريد القضاء على الدولة المدنية التي أسستها العلمانية التركية (!).

أدلى غالبية العرب بدلوهم في الشأن التركي، وهذا طبيعي، فما يحدث في تركيا ليس معزولاً عما يحدث في باقي دول المنطقة حتماً، واختلف غالبية العرب حول ما يحدث. شتم مؤيدو الانقلاب معارضيه، وشتم معارضوه مؤيديه، وظهرت تحليلاتٌ عربيةٌ على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الميديا، مذهلةً لفرط ادّعائها بمعرفة حقيقة ما يحدث، عدا عن السيناريوهات التي تم تأليفها عن الانقلاب وكيفية حدوثه. أما غير الطبيعي فهو أن معظم هؤلاء العرب تثور ثائرتهم ولا تهدأ، لو كتب عربي آخر في الشأن الداخلي لبلادهم، إن كان رأيه لا يتفق مع رؤيتهم السياسية، سيكيلون له الشتائم، متهمين إياه بالمشاركة في المؤامرة على بلادهم، وسيطلبون منه الاكتفاء بالاهتمام بشأن بلده هو، وكأن كل بلد عربي يعيش في كوكبٍ منفصل عن الآخر. ولا علاقة لما يحدث في هذا البلد بما يحدث في البلد الآخر.

كيف لهذا الفصام العربي الاستثنائي أن ينتج غير هذا الخراب الذي نراه الآن، والذي وصل حتى أرواحنا؟!

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.