فريدون سينير أوغلو... الصندوق الأسود للدبلوماسية التركية وزيراً

30 اغسطس 2015
تم تعيين سينير أوغلو (اليسار) وزيراً للخارجية (فاتح أكتاش/الأناضول)
+ الخط -
لم تحمل الحكومة المؤقتة، التي أعلن عنها رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، يوم الجمعة، أية تغييرات كبيرة، باستثناء تسلم مستشار وزارة الخارجية التركية فريدون سينير أوغلو، حقيبة الخارجية. رجل "الحرب والسلام"، المتشدد ضد الاحتلال الإسرائيلي، ورجل بلاده في دولة الاحتلال في الآن نفسه، هو عراب المفاوضات السورية ــ الإسرائيلية، عايش الحرب الأهلية اللبنانية وكتب خطابات الموقف التركي التي كادت تتحول حرباً مع دمشق في عام 1999.


يعكس تعيين سينير أوغلو، أو كما يطلق عليه "الصندوق الأسود للخارجية التركية"، حجم المهام والتحديات التي تواجه الحكومة الحالية، على الرغم من كونها مؤقتة. أمنياً، تتجسد تلك التحديات بعودة الاشتباكات بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، والخطط الأميركية ــ التركية المشتركة لإقامة منطقة عازلة في الأراضي السورية، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر من قبل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لذلك كان لا بد من تعيين وزير للخارجية ذي خبرة عالية في الشرق الأوسط.

اقرأ أيضاً: تركيا تضع أسس "المنطقة الآمنة" ميدانيّاً

تولى سينير أوغلو (59 عاماً) لفترة طويلة إدارة قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في وزارة الخارجية التركية، كما كان رئيس الوفد الذي أدار المفاوضات والاتفاق بين أنقرة وواشنطن أخيراً، سواء في ما يخص تفاصيل برنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية، أو في ما يخص الاتفاق الأخير حول المنطقة العازلة وفتح قاعدة إنجرليك وعدد من القواعد الأخرى أمام طائرات التحالف الدولي ضد "داعش".

يتمتع سينير أوغلو بعلاقات جيدة مع الأميركيين، الأمر الذي يؤكده السفير الأميركي السابق لدى أنقرة، فرانسيس ريتشاردوني، قائلاً:"لسينير أوغلو اعتبار عال جداً في واشنطن، وذلك لقدرته على العمل مع الآخرين لحل المشاكل، لذلك كنا بالعادة نتوجه إليه لحل المشاكل".


رغم كونه من أكثر المتشددين في ما يخص جريمة سفينة مرمرة، إلا أن تعيينه قد يعد إشارة إلى إمكانية تحسن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب في ظل التهديد الذي بات يشكله رفع العقوبات عن طهران لمصالح الطرفين في المنطقة، حيث أن سينير أوغلو كان سفيراً لتركيا في تل أبيب بين عامي 2002 و2007، وتولى أمر الوساطة في المفاوضات السرية التي جرت حينها بين كل من تل أبيب ودمشق.

وبلغ تشدد سينير أوغلو في اشتراط اعتذار إسرائيل عن الجريمة التي ارتكبتها ضد سفينة مرمرة في مايو/أيار 2010، حتى أنه لوّح بالاستقالة من منصب مستشارية الخارجية في حال لم يتم الاعتذار ودفع تعويضات للضحايا الأتراك، قائلاً في حينها إنه "بعد الحال الذي وصلت له قضية مرمرة، سأستقيل من منصبي في مستشارية الخارجية، في حال تمّ تجاوز المشكلة من دون أن تقدم إسرائيل اعتذاراً واضحاً".

يتمتع سينير أوغلو بعلاقات جيدة مع عدد من المسؤولين الإسرائيليين، الأمر الذي يؤكده المستشار السابق للخارجية الإسرائيلية، آلون ليل، واصفاً سينير أوغلو بـ"أستاذ الدبلوماسية الكلاسيكية"، الذي لا يخرج كثيراً على الإعلام، فهو "إحدى الشخصيات التي لا تضيع الوقت في الأحاديث الجانبية، يدخل في الموضوع مباشرة، ويفكر بشكل تحليلي، وكان جدياً دوماً"، على حد تعبير الدبلوماسي الإسرائيلي. ويضيف آلون حول وساطة سينير أوغلو في محادثات السلام بين تل أبيب ودمشق، عام 2008، قائلاً: "لقد كان اللقاء الأول في منزل سينير أوغلو، وحتى بعد الإعلان الرسمي عن المفاوضات. لقد كان فريدون المسيّر الحقيقي للوساطة، إذ كان يتحرك بين غرفتي الوفدين السوري والتركي في أنقرة".


لم يكن لسينير أوغلو، الحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن يكون بيروقراطياً في الخارجية، بل كان يفضل العمل الأكاديمي، ولكن بعد انقلاب 1980، وما رافقه من ضغوط على الأكاديميين، الذين قدم عدد كبير منهم الاستقالة، فضل التوجه إلى وزارة الخارجية، ليتولى بين عامي 1988 و1990 منصب سكرتير أول السفارة التركية في بيروت، حيث يصف سينير أوغلو تلك الفترة من حياته الدبلوماسية، بالقول:"لقد كانت فترة وجودي في بيروت أثناء الحرب الاهلية من أهم فترات حياتي. إن الإنسان ينضج عندما يختبر الحرب، ويعرف قيمة السلام مرة أخرى"، كما شارك في لجنة ميتشل التي أنشأتها الأمم المتحدة للتحقيق في الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2001.

ورغم السلام، الذي يثمنه سينير أوغلو، فقد كان له دور محوري في الصراع بين أنقرة والكردستاني، إذ تولى بين عامي 1996 و2000 منصب رئيس مستشاري الرئيس التركي، سليمان دميريل، للشؤون الخارجية، بل وكان يقوم بكتابة خطابات دميريل، والتي كان أهمها الخطاب الذي ألقاه دميريل في عام 1998 أمام البرلمان التركي، والذي هدد خلاله النظام السوري بإعلان الحرب، في حال لم يتم طرد عبدالله أوجلان من الأراضي السورية ووقف الدعم للعمال الكردستاني، الأمر الذي حدث بالفعل، وتم توقيع اتفاقية أضنة السرية بين دمشق وأنقرة، التي أنهت الدعم السوري للعمال الكردستاني في حينها، وفتحت في وقت لاحق صفحة جديدة في العلاقات بين الجانبين، بلغت أوجها بعد وصول حزب "العدالة والتنمية" للحكم، وبعد تسلم بشار الأسد رئاسة سورية في عام 2000.

المساهمون