فرنسيات الضواحي ينتفضن

24 اغسطس 2016
امتد نشاط "لواء الأمهات" إلى مختلف المحافظات الفرنسية(العربي الجديد)
+ الخط -
بينما لا يتحرك أحد من أجل شباب الضواحي الفرنسية، انبرت الأمهات بأنفسهن، ومعظمهن من أصول عربية ومهاجرة أخرى، إلى دعم حقوق الأبناء، وإبعادهم عن طريق التطرّف والانحراف

الاعتداءات التي شهدتها فرنسا في السنوات الأخيرة واتضح تورط العديد من شباب الضواحي فيها، وموجة الهجرة في اتجاه سورية والعراق التي اكتسحت الشباب من أصول عربية وغيرها، دفعت نساء الضواحي إلى نوع من الانتفاضة للدفاع عن الأبناء واحتواء ظاهرتي الانحراف والتطرّف التي تهدد العائلات.

الانتفاضة تلك يمثلها "لواء الأمهات" وهو جمعية أسستها نادية رمادنة قبل نحو ثلاث سنوات في بلدية سيفران، الواقعة بمحافظة سين سان دوني، بالضاحية الشمالية للعاصمة باريس. تعمل رمادنة التي ترأس الجمعية وتروّج لها، على استقطاب أكبر عدد من الأمهات للمشاركة، وتوعيتهن بالخطر الذي يحدق بأبنائهن. تقول لـ"العربي الجديد": "بحكم عملي منذ سنوات عديدة في الخدمة الاجتماعية، أحتك يومياً بالمؤسسات الاجتماعية الناشطة في أحياء الضواحي. وأتواصل مع الأمهات اللواتي تطرّف أبناؤهن أو انحرفوا ودخلوا إلى السجون، فيما أقصي آخرون من المدارس".

تؤكد رئيسة جمعية "لواء الأمهات" التي تلقى رواجاً كبيراً في فرنسا وتستقطب اهتمام المسؤولين الرسميين ووسائل الإعلام الفرنسية والأجنبية، أنّ دور هذه الجمعية يكمن في استعادة دور الأسرة في الاهتمام واحتواء الأبناء ومحاولة فهم الأسباب التي أدت إلى انحراف الأطفال والشباب. تعلّق: "حاولت أن أفهم إذا كُنَّا نحن الأمهات أخفقنا في تربية أولادنا أم أنّ النظام الذي يسيّر الضواحي في هذه البلاد هو الذي يفوّت عليهم فرصة الاندماج".

جاء إنشاء هذه الجمعية بعد ملاحظة رمادنة أنّ عدداً كبيراً من الأطفال والشباب من أصول عربية يقعون في مشاكل ومتابعات قضائية. قررت رفقة أمهات بعض أحياء الضواحي إنشاء لواء للأمهات يجوب أحياء الضواحي للتوعية بقضايا أبنائهن والمطالبة بالعدالة الاجتماعية. تضيف: "سرعان ما التفّت حولنا أمهات من مختلف أحياء الضواحي سعياً منهن وأملاً في تحريك المجتمع في هذه الطريق".

يضم "لواء الأمهات" اليوم كجمعية ألف عضو نشيط من الجنسين، ويحظى بمساندة ممثلين من المجتمع المدني وأعضاء مجالس محلية. مع ذلك، لا تتلقى الجمعية مساندة من طرف السلطات المحلية، كما تؤكد رمادنة: "للأسف، فإنّ بلدية سيفران التي أسكن فيها وحيث أعمل عاملة اجتماعية، لم تمنحنا حتى اليوم المقر الذي نطالب به منذ ثلاث سنوات. نجتمع في كلّ مرة لدى أحد أعضاء الجمعية الذي خصص لنا مستودع بيته. هذا لا يمنعنا طبعاً من تكثيف نشاطاتنا في المدارس وفي الساحات العامة في كلّ أحياء الضواحي، حيث توسع عملنا ليشمل كلّ محافظات البلاد".

وعن سبب تأخر بلدية سيفران في تقديم مقر للجمعية يجيب جان لوي دوفي، ممثل أقلية "جبهة اليسار" في البلدية: "الأغلبية المنتخبة ترفض الخوض في هذا الموضوع. فإعطاء مقر لهذه الجمعية، معناه الاعتراف رسمياً بكل المشاكل التي يطرحها لواء الأمهات".

أما عن تأثير "لواء الأمهات" في التغيير على المستوى المحلي، تقول رمادنة: "في البداية، كان علينا أن نغير نظرتنا إلى الأشياء من الداخل. فمن خلال ورشات التوعية، عملنا على إعادة الثقة إلى الأمهات والتأكيد لهن أنّ ما يحدث لأبنائهن ليس مقدّراً أو مكتوباً لا حول لهن ولا قوة في ردّه وتغييره. بل لهن القدرة في تغيير ذلك من خلال تبديل نظرتهن إلى الأشياء والسهر على تأدية واجباتهن في مساعدة أبنائهن والدفاع عن حقوقهم في مستقبل أفضل. كذلك، وسط تقصير الدولة، يحاول لواء الأمهات التأثير محلياً في تحريك العقلية وإيصال صدى معاناة أهل الضواحي إلى السلطات".

توسّع نشاط الجمعية إلى كلّ ضواحي باريس ليلتف حولها في كلّ مرة أعضاء مجالس محلية. ففي مدينة باينوليه، التقت "العربي الجديد" بعضوة المجلس المحلي من الأغلبية الاشتراكية، ماريلور بروسيي، التي ترى أنّ نجاح "لواء الأمهات"، يعود إلى صدق القضية التي تعتمد في تحقيقها على حشد وتعبئة نساء الأحياء.

كذلك، تساند العضوة المحلية للأغلبية الاشتراكية ماريلور بروسي "لواء الأمهات". توضح أنّ "لواء الأمهات يبيّن لنا أنّه عندما يجتمع المواطنون حول قضية بواسطة جمعيات فاعلة محلياً، يتعزز حضور المواطن في الشأن العام ويجعله جزءاً أساسياً من مجتمعه، وبالتالي جزءاً فاعلاً في المؤسسة السياسية. هذا النوع من الجمعيات مكسب لنا جميعاً".

إلى ذلك، يعمل "لواء الأمهات" على تكثيف النشاطات الثقافية، كتنظيم رحلات للأهل والأطفال لزيارة المتاحف والمعالم الثقافية. كذلك، نظمت ورشات للأمسيات الشعرية والأغاني الشعبية. وعن مدى فاعلية هذه النشاطات، تقول رمادنة: "الورشات ينشط فيها أطباء نفسيون وشعراء من أصول عربية يتقنون العربية والفرنسية، وأيضاً الأمازيغية، يلتف حولها الأطفال والأهل على حد سواء. تُلقى على مسامعهم، نصوص متنوعة بترجمة من الأدب العربي المشبع بالقيم العالية حتى يستوعبوا البعد الجمالي لهذه اللغة. يدركون عندها أنّ الثقافة العربية التي ينحدرون منها ليست منبعاً للتخلف والجهل، والعربية ليست لغة الإرهاب والتفجير والقتل".

كذلك، تعيد الجمعية دمج نحو 25 مراهقاً في المدارس سنوياً في ضاحية سين سان دوني، وذلك بعد إقصائهم نهائياً من المنظومة التربوية. فهي تتولى الوساطة بين التلميذ والمدرسة والأهل.

المساهمون