فرنسا: كشف قاتل أكاديمي غيني يبرئ المشجعين الجزائريين من اتهامات اليمين

23 يوليو 2019
الأكاديمي الغيني مامادو باري (تويتر)
+ الخط -


كان بودّ اليمين الفرنسي، سواء حزب "التجمع الوطني"، أو العناصر المتشددة والمُحافِظة في حزب "الجمهوريون"، أن يُلصقوا بالمشجعين الجزائريين لمنتخبهم الوطني كل المصائب التي عرفتها فرنسا خلال مباريات كأس أفريقيا.

ولم يكن مفاجئاً حين انتشر خبر مقتل الأكاديمي الغيني مامودو باري (31 عاماً)، في مدينة روان الفرنسية، ليل الجمعة - السبت الماضي، أي في عز احتفال الجزائريين والعرب بفوز محاربي الصحراء بكأس أفريقيا لكرة القدم، أن يُسارع القيادي في حزب "الجمهوريون"، إيريك سيوتي، إلى اتهام الجزائريين بأنهم وراء مقتله. وقال: "الدكتور مامودو باري، ضحية لجريمة عنصرية من طرف مشجعين جزائريين، لقد قُتل أمام عيني زوجته في مدينة روان. أنا مصدوم من هذه الجريمة البربرية ومن هذا الصمت الإعلامي غير المفهوم".

وبالنبرة المتشفية نفسها كتب القيادي في حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، نيكولا باي، مقالا طويلا في "فيسبوك" نقرأ فيه: "مقتل مامودو باري على يد متفرج جزائري، صمتٌ لا يُحتَمل حول جريمة عنصرية". وفيه أيضا: "موت مامودو باري يندرج ضمن مظاهر العنف التي جرت في فرنسا بمناسبة كلّ مباريات الجزائر في كأس الأمم لكرة القدم".

وإيغالاً في الكراهية ضد الجزائريين، أضاف: "إن هذا القتل هو النتيجة المرعبة والفظيعة. العنف المجاني والحقد العنصري هو صدى لكثير من الخطابات ضد (السود) وضد فرنسا والفرنسيين، التي سُمِعَت في فيديوهات أو شُوهدت في شبكات التواصل الاجتماعية من طرف مشجعي الجزائر".

وأوضح أن إيريك سيوتي لم يفرق بين جنسية المغدور الغينية وبين السنغاليين الذين كان فريقهم يواجه نظيره الجزائري. كما أن نيكولا باي، وقع في فخّ نصبه لنفسه.

واستنكر السياسيان، كما فعل كثير من ممثلي اليمين المتطرف، بُطء ردود فعل وسائل الإعلام الفرنسية، التي كانت تريد التحقق من الأمر، متّهمين إياها بأنها تحابي الجزائريين وترفض إغضابهم. وبل واعتبر نيكولا باي أن "هذا الصمت من طرف وسائل الإعلام سبَّب حرَجاً للمعلقين السياسيين والصحافيين والسياسيين".

والحقيقة أن ماكينة اليمين الفرنسي، التي هاجمت مظاهرات المشجعين الجزائريين وطالبت بإغلاق الشانزيليزيه أمام احتفالاتهم، كانت، من البداية، متأهبةً لتشويه سمعة الجزائريين، فلم تنتظر مقتل الأكاديمي الغيني الشاب مامودو باري، بل استغلت حادث مرور تسبب فيه شابّ مغربي يوم 12 يوليو/تموز الجاري، اعترف بأنه لا علاقة له بكرة القدَم، وأدى إلى مقتل فرنسية في الثانية والأربعين من عمرها، وألقت باللوم على مشجعين جزائريين يحتفلون بفوز فريقهم في إحدى المقابلات. وانتشر الخبر في معظم وسائل الإعلام الفرنسية والأجنبية، محملاً المشجعين الجزائريين المسؤولية، قبل أن يتم تصحيحه ويبرئهم من الحادث.

وأثار مقتل هذا الباحث الغيني في القانون، والذي حصل على الدكتوراه قبل أشهر قليلة، صدمة قوية في فرنسا في الوسط الأكاديمي والطبقة السياسية، إلى درجة أن وزير الداخلية الفرنسي، كريستوف كاستانير، وَعَد بفعل كل ما يلزم لكشف الحقيقة.

وبالفعل لم يتأخر الأمر طويلاً، إذ نجح المحققون بفضل كاميرات المراقبة وبعض شهادات من حضر جوانب من الجريمة، في إيقاف شخص في التاسعة والعشرين من عمره، وهو من أصول تركية، ويدعى داميان (يحمل قميص كرة قدم لفريق جالطة سراي التركي)، وهو شخص يعاني من حالة صحية سيئة ومن سوابق نفسية، ما دفع رجال الشرطة لإعادته إلى المستشفى من أجل فحوص طبية.

وفي قصة الحادثة، أن داميان اعتقل مرات عديدة في حوادث لها علاقة بتناول المخدرات، أطلق شتائم عنصرية ضد مامودو وهو في سيارته، من نوع "سود قذرون"، ما دفع الضحية للخروج من سيارته لمساءلته عن سبب هذه الشتائم. وحين عاد إلى السيارة إنهال عليه داميان، وهو من أب تركي وأم فرنسية، بقبضته وبزجاجة قبل أن يخر مامودو على الأرض، وتوفي، لاحقا، في المستشفى.

وفي انتظار اعترافات مفصلة من قبل المتهم، يحضُر الطابع العنصري في هذا الاعتداء، أي أن التهمة تتمثل في "العنف العمد الذي تسبب في الموت دون توفر نية القتل".



وأضفى إيقاف هذا المتهم الكثير من الارتياح، ليس فقط بين أفراد الجالية الجزائرية والعربية، بل وبين عموم الفرنسيين والمسؤولين الذين يريدون أن تكون كرة القدم وسيلة للفرح والصداقة لا للعنف. ولا شك أن مسؤولي اليمين الفرنسي في حرَج شديد، بسبب تسرعهم في التعليق وتوزيع الاتهامات، خصوصاً أن جوناس حداد، وهو محامي عائلة الراحل، صرح بأن "السيد مامودو باري مات بسبب لون بشرته. كل النظريات حول علاقة مع الجزائر ليست لائقة ولا تحترم اللياقة التي تفرض نفسَها بعد وفاة رجل".

صدق إيريك سيوتي، ونيكولا باي، حين تحدّثا عن "العنصرية" في الجريمة، ولكنهما وقَعا، أثناء تقطير سمومهما، في خطأ تحديد من هو العنصري. وهو بالتأكيد ليس المشجعين الجزائريين.
المساهمون