فرنسا تعترف بضحايا الخطيئة النووية في الجزائر

08 ديسمبر 2014
اتفاق على لقاء لبحث آليات تعوض الضحايا (فرانس برس)
+ الخط -

بعد مرور أكثر من خمسين عاماً على التفجيرات النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية في فبراير/شباط من العام 1960، اعترفت السلطات الفرنسية بحقوق ضحايا تلك التفجيرات، إذ توصلت إلى اتفاق مع نظيرتها الجزائرية للتعويض على هؤلاء الضحايا.

واتفق رئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال ونظيره الفرنسي مانويل فالس، خلال لقاء بينهما عُقد الخميس الماضي في باريس، على عقد اجتماع في الجزائر مطلع عام 2015، لبحث شروط وآليات تعويض ضحايا التجارب النووية في الصحراء الجزائرية.

قصة التجارب النووية في الصحراء الجزائرية بدأت في العام 1956 وامتدت حتى 1967، حين قامت فرنسا بسلسلة من التفجيرات النووية في محاولة للحاق بالدول النووية، وكان أكبر هذه التفجيرات في 16 فبراير/شباط من العام 1960، واستمرت في تنفيذ تجاربها حتى إخلائها للقواعد العسكرية في العام 1967 وفقاً لاتفاقيات ايفيان بين البلدين.

وبعد عقود من النضال والمطالبات السياسية والحقوقية، أنهت الحكومة الفرنسية تعنّتها بشأن الاعتراف بمسؤوليتها في تعويض ضحايا التفجيرات النووية، التي خلّفت الآلاف من الضحايا، خصوصاً بالنسبة لضحايا آثار الإشعاعات النووية التي ما زالت تدمّر مناطق حمودية ورقان وزعينا ينكر في ولاية أدرار جنوبي الجزائر.

واشترطت السلطات الفرنسية على الضحايا أو عائلاتهم، تقديم الإثباتات التي تؤكد أن تعرّضهم لأضرار صحية، هو نتيجة مباشرة للتفجيرات النووية أو بسبب آثارها التي ما زالت تحيط بالمنطقة أكثر من 60 عاماً من التفجيرات.

وتتضارب الأرقام الرسمية حول عدد ضحايا هذه التفجيرات وآثارها الإشعاعية. فمن الأرقام الأولى التي نشرها مسؤول فرنسي يُدعى رينو باريلو كان شاهداً على التفجيرات، أن عدد الضحايا بلغ 42 ألفاً من الجزائريين، بعضهم استُخدموا كفئران تجارب.

لكن وزارة الدفاع الفرنسية كشفت عن رقم رسمي يُقدّر بـ27 ألف ضحية تشمل جميع قوات وموظفي الطاقة النووية الفرنسية وسكان المناطق المنكوبة في رقان وتمنراست جنوبي الجزائر.

غير أن الباحث في الفيزياء النووية كاظم العبودي، وهو أحد أبرز المهتمين بالملف، يعتبر أن التقديرات المبنية على وقائع وإحصاءات يجب أن تشمل الضحايا ممن كانوا في المناطق الصحراوية الممتدة حتى الحدود الجزائرية الليبية والحدود الجنوبية، وتتضمن الضحايا من الأبناء والأحفاد الذين ظهرت عليهم الكثير من الأمراض ذات الصلة بتأثير الإشعاع وإصابات كامنة سرطانية منها ووراثية.

ويرى العبودي أن الأخطر في الملف هو أن السلطات الفرنسية رفضت تقديم خرائط ومسوحات إشعاعية إلى الدولة الجزائرية أو إلى وحدات الهندسة العسكرية التي استلمت القواعد النووية، وهو ما زاد من عمق المعضلة النووية في قلب الصحراء الجزائرية.

ويوضح أن "هذه الخرائط كان يمكن أن تساعد على حصر المناطق الإشعاعية، ففي حال حدد الفرنسيون المواقع بدقة وبصراحة صار ممكنا القيام بمسح إشعاعي شامل، والبدء بكشف مواقع النفايات النووية في المنطقة في رقان وعين اينكر في ولاية أدرار جنوبي الجزائر في قلب الصحراء، إضافة إلى المواد المشعة والنفايات المشعة السامة"، لافتاً إلى "استحالة إزالة التلوث بشكل كامل، بحسب تجربة الدول العظمى مع مواقع دفن النفايات النووية العادية، إضافة إلى صعوبة التخلّص من مخلّفات المفاعلات النووية، وهو عمل يحتاج إلى فترة زمنية طويلة وإمكانات مالية ضخمة، وفرق متخصصة عالية المستوى في كافة المجالات الجيولوجية والكيميائية والفيزيائية والبيولوجية والطبية والبيئية"، متسائلاً "من سيتحمّل كل هذه التكاليف الباهظة؟".

ويؤكد العبودي أنه "من الصعب إعادة الحياة إلى منطقة حمودية في رقان ومحيطها، لأنها منطقة صحراوية مفتوحة ظلت فيها المواد المشعة تنتقل إلى مناطق واسعة من دون رقيب ومتابعة، وهي ستبقى مناطق محظورة على الحياة، إذ إن مكوّناتها الحيوية ظلت عرضة للتغيرات الوراثية وحتى الطفرات الوراثية".

كما يشير إلى أن المناطق التي شملتها التفجيرات "واسعة مما يجعل تحديدها صعباً من دون تعاون دولي وخبرات وطنية، خصوصاً بعد أن تُركت المنطقة منسية لنصف قرن، ولا توجد أي مرجعية علمية ووثائق للمقارنة حول تغيّر مستويات الإشعاع خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة".

هذا الوضع تسبّب في ارتفاع حدة عدة أنواع من الأمراض، وخصوصاً السرطان الذي أصاب أكثر من جيل من أبناء وأحفاد الضحايا أيضاً، إضافة إلى الأمراض ذات الصلة بالتشوّهات الوراثية وبضعف الجهاز المناعي والتشوّهات الخلقية وانخفاض الخصوبة وحالات الإجهاض والولادات المبكرة والمشوهة.

ولم تقتصر الأضرار على الإنسان، بل شملت آلاف الحيوانات وخصوصاً الإبل، والثروة البيولوجية وخصوبة الأراضي والتنوع النباتي والمحاصيل وغابات النخيل، ما شكّل دماراً شاملاً للتنوع الحيوي برمته.

دلالات
المساهمون