فتحي عبد السميع: لمن لا يرون الوجود شعراً

07 اغسطس 2016
"تحديق" لـ هدى لطفي، 2015
+ الخط -

"في الشهادة، قد يظهر حديث عن الشاعر الذي كتبها، بينما هو في الحقيقة حديث عن حُلم الشاعر. وحلم الشاعر بالقصيدة التي يرغب في كتابتها جدير في حد ذاته بأن نصغي إليه؛ لأنه في الحقيقة حلم قارئ الشعر، حُلمنا جميعاً، فما يزال الشعر لغزاً، وما يزال بيته سحرياً. وما يزال الإنسان حيواناً شِعرياً رغم كل التحديات العصرية التي تطارد الشعر، وتضيّق الخناق على الشعراء".

بهذا المقطع، يُنهي الشاعر والباحث فتحي عبد السميع كتابه "الشاعر والطفل والحجر"، الذي صدر حديثاً عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، وهو مقطع يمثّل بدرجةٍ ما طموح الكتاب وصاحبه معاً، وتصوّره عن معنى الشهادة الشعرية ومعنى الشعر.

في الندوة التي أقامها مؤخراً "مركز دال للأبحاث" في القاهرة لمناقشة كتاب عبد السميع، انطلق الناقد شاكر عبد الحميد في طرحه ممّا يشير إليه المقطع السالف؛ حيث هذه العلاقة المبتغاة بين الأحلام والشعر. قال عبد الحميد "إن كل شاعر يتمنى أن يكتب قصائده كالأحلام"، وأضاف معلّلاً "في الأحلام بعدٌ عن المحدود والنمطي والجاهز والمنطقي".

في فعل الأحلام الليلي، إذن، يعيد الشاعر هدم العالم وبنائه من جديد، فماذا عن أحلام اليقظة الواعية؟ هنا يستعين عبد الحميد بما وصفه غاستون باشلار بـ"شاعرية أحلام اليقظة"، حيث "العلاقة الدينامية بين فعل الكتابة الواعي ومترسّباته من اللاوعي"، كأن الشعر هو نتاج التفاعل بين أحلام الغريزة وأحلام اليقظة.

وفي كتابه، يبني صاحب "خازنة الماء" نظرته الشعرية على الأحلام باعتبارها الأب الشرعي للشعر، ويقول في حديثٍ إلى "العربي الجديد": "الحلم هو القصيدة التي يكتبها الجسد الإنساني يومياً، بفعل الغريزة أو الفطرة". لذلك، "يبقى طموح كل شاعر أن يستعير بنية الحلم وفضاءه".

من هنا، يعيد صاحب "الخيط في يدي" بنية الأحلام في كتابه لجذور الطفولة، قبل أن يتمّ غزو الأحلام الأولى والأوّلية بأطروحات الثقافة والحياة المعقّدة. وهو ما نبّه إليه أيضاً عبد الحميد "باعتبار الطفولة مرحلة للّعب مع العالم، والاستفسار عن كليّته للإحاطة به في آن"، ما يذكّر بما قاله بودلير يوماً من أن "العبقرية هي الطفولة مستعادة بفعل الإرادة".

لكن عبد السميع لا يترك العنان كاملاً لخيال الطفولة ولعبها، فيقول في كتابه "الشاعر مهما صغر سنّه لا بد أن يكون شيخاً، ومهما كبر سنّه لا بد أن يكون طفلاً ومراهقاً وكهلاً"، ويفسّر في حديثه معنا، فيقول "الخيال وحده قد يكون مدمّراً، فنحن لا نتصالح مع رغبات طفل ولا أمنياته إلا بالقدر الذي لا يضّره، وإلا لما تعلّم طفل ولا نما وكبُر"، ثم يضيف: "هي علاقة تفاعلية بين خيال طفل وعقلانية متسامحة لشيخ".

ما يطرحه صاحب "تمثال رملي" في كتابه هو سيرة الشعر وليس سيرة الشاعر، لذلك كان مستغرباً أن يصدر الكتاب في سلسلة السيرة الذاتية للهيئة العامة للكتاب، إذ يخلو في بنائه ومضمونه من مقوّمات السيرة الذاتية والحديث عن رحلة صاحبه إلا في ما يخص علاقته بإنتاجه الشعري. وفي ما عدا ذلك، يدور الكتاب حول سيرة الكتابة ودينامياتها وتحيّزاتها، وهو الرأي الذي لم يتبرّم منه صاحب "الموتى يقفزون من النافذة"، بل يضيف بالقول "للكتاب طموح أهم من كاتبه، هو فعل الشعر في حياة الناس".

تبقى الإشارة إلى أن بعض فقرات الكتاب شابها التكرار، وفي الفصل ذاته أحياناً، وخصوصاً أن بعض فصوله كُتبت على فترات متباعدة، ونُشرت أجزاء منه في الصحف أو أُلقيت كشهادات في مؤتمرات إبداعية، وهو ما سبّب تكراراً لبعض الأفكار والجمل، فبدت كأنها مستنسخة من بعضها البعض، لكن عبد السميع يحاجج بأن كتابه موجّه بالأساس لغير الشعراء ولغير المتماسين مع جماليات الشعر "هؤلاء الذين لا يرون الوجود نفسه شعراً".


دلالات
المساهمون