استمع إلى الملخص
- تضمن الملف تسعة أوراق بحثية تناولت مواضيع مثل علاقة السويداء بالدولة، تكوينها السياسي، دور الضباط الدروز، السياسات الاقتصادية، وأثر الهجرة والتنمية.
- شملت الأبحاث دراسة حقوق المرأة، الهوية الاجتماعية، دور رجال الدين الدروز، الشعر الشعبي، وأدب السجون في الرواية النسائية السورية بعد 2011.
في آب/ أغسطس الماضي، انطلق حراك السويداء الاحتجاجي ضدّ النظام السوري، في دعوة سِلمية حافظ المنتفضون والمنتفضات عليها رغم كلّ محاولات السلطة لاستجرارهم إلى العنف. وبالتزامن مع اقتراب ذكرى السنوية الأُولى للحراك الذي اتّخذ من "ساحة الكرامة"، وسط المدينة الواقعة جنوبي سورية، ميداناً لنشاطه، خصّصت مجلّة "قلمون" الفصليّة، والتي تصدر عن "مركز حرمون للدراسات المعاصرة" في إسطنبول، عددها الثامن والعشرين لقراءة وقائع الحركة الاحتجاجية، حيث عُنون ملفّ العدد بـ"السويداء: تشابُك الاجتماعي والسياسي والديني".
في افتتاحية العدد، يُحدّد رئيس تحرير المجلّة، الباحث رشيد الحاج صالح، الغاية من العدد، والتي تتمثّل في "البحث في منطقة غير مبحوثٍ فيها كما ينبغي، وهي التي تُحيل على الوضع الاجتماعي/ الديني، ومن ثمّ السياسي، في السويداء/ مضيفاً أنّ البحث في هذه المنطقة يتيح "تسليطَ الضوء على تاريخ السويداء السياسي، بنيتها الاجتماعية، تكوينها السياسي، أوضاع أهلها، الخصوصية الثقافية، هوياتها المركّبة وصولاً إلى فهم ديناميات الحراك الراهن ومآلاته".
مقاربة لحراك المدينة السورية المُعارض من زوايا تاريخية وسوسيولوجية واقتصادية
يضمّ الملف تسعة أوراق بحثية، واستُهِلّ بورشة عِلمية مكتوبة ناقش فيها مضر الدبس ومكرم رباح وسامر بكور، تحت عنوان "السويداء بين ذاكرة التاريخ ورهانات الثورة: مقاربة سوسيولوجية وسياسية لحراك 2023"، ثلاثة محاور؛ بنية الحراك وتوصيفه، وآفاق الحراك وممكنات الفعل السياسي، يُضاف إلى ذلك توصيات تجعل من الحراك مؤثّراً في المشهد السياسي السوري محلّياً وإقليمياً.
وعُني البحث الأوّل لرامي نصر الله بـ"مسار العلاقة بين أهالي السويداء والدولة منذ الاستقلال"، أي علاقة السويداء بالدولة السورية منذ نشوئها، وعمق تلك العلاقة، ومحدّداتها، بينما قرأ شوكت غرز الدين في بحثه "تكوين السويداء السياسي 1516 - 1927، سياق تشكيل النزعتين؛ المحلّية الدرزية والقومية العربية"، تجربة ماضي السويداء الواقعية والمُتخيّلة، محاولاً استخلاص المعاني من علاقة الأحداث التاريخية بالفاعلين والسياق، بوساطة التأويل الثقافي، وذلك للبرهان على فرضية أنّ النزعتين المحلّية الدرزية والقومية العربية اللتين تشكّلتا في السويداء خلال قرنين تقريباً كانتا وراء الدور البارز لها في محطّات عدّة. وما يضفي الشرعية على دراسة هاتين النزعتين، هو ما يجعلهما تحوزان اليوم ما تحوزانه من شرعية وجدانية عميقة في نفوس سكان السويداء.
ورصد طارق عزيزة "دور الضبّاط الدروز في الحياة السياسية السورية من الاستقلال حتى عام 1967"، فعاين من خلال تتبّع سيرة بعض الفاعلين البارزين مشاركةَ بعضهم الفاعلة في الانقلابات العسكرية الأُولى في عقد الستينيات، ووصول حزب البعث إلى السلطة، ثم الصراعات في صفوف الحزب نفسه.
وكشف رفعت عامر في بحثه "السياسات الاقتصادية لنظام الحُكم في سورية وأثرها في السويداء 1970 - 2023" عن ماهية السياسات الاقتصادية التي طبّقها نظام الحُكم في سورية، وفلسفته، ورؤيته، وأولوياته، ونظرته إلى مفهومي الشعب والدولة، وموقفه من الحرية السياسية وحقوق الإنسان، وراجع نقدياً المحطات التاريخية التي مرّت بها سورية تحت حكم آل الأسد في سياقاتها الموضوعية والذاتية، الخارجية والداخلية، وقارب ذلك كلّه نظرياً وعملياً بما كان يُطرح من شعارات، وما كان يُطبّق على الواقع. وقد استطلع الباحث آراء عيّنة من أهالي السويداء، وخلُص إلى أنّ كلّ السياسات الاقتصادية للنظام كانت مصمّمة وموجّهة لبقاء الأسد، وتأبيد سلطته.
وبحث كلٌّ من عمرو نجار وروان خربوطلي في ورقتهما المشتركة، "الهجرة والتنمية: تجربة مغتربي السويداء"، تاريخ الهجرة في المدينة السورية وأسبابه، وأهم المراحل التي مرت بها، وسلّطا الضوء على تاريخ الدور الذي لعبته جاليات الجبل المنتشرة عبر العالم، ومراحل تطور دورها حتى وصل إلى شكله الحالي الداعم لاستقلال القرار السياسي في المحافظة.
يُضاف إلى ما سبق بحث في "حقوق المرأة في السويداء بين الواقع والقانون" لمزيد الكريدي، وقد ناقش فيه فرضية أن المرأة في السويداء تتمتّع بواقع حقوقي جيد قياساً ببعض المناطق، تعكسه المشاركة في الحراك الأخير، والحرية في بعض المسائل من مثل اللباس والعمل والزواج، واختبر مدى شموليتها، ورسوخها، وحلّل أسبابها وتأثيرها، وذلك انطلاقاً من فهم واقع حقوق المرأة في السويداء عبر دراسة النصوص القانونية التي تنظّمها، والخلفية الاجتماعية والثقافية والدينية لهذه النصوص، وتفاعلها معها. وقد ركّز البحث على تحليل مجتمع الدروز في السويداء، واستكشاف التقاطعات مع باقي المناطق السورية، والخصوصية في ما يتعلّق بحقوق النساء.
من جانبه، قارَبَ هيثم العطواني أنثربولوجياً وتاريخياً "الهويةَ الاجتماعية والخصوصية الثقافية النسبية للسويداء"، وبيّن هوية السويداء وخصوصيتها من خلال دراسة الشرائح المكونة لها تاريخياً، مثل: العشائرية والإقطاع والعامة، تلك الشرائح التي كان لها الدور المهمّ في نشوء الثقافة السائدة والمتمثّلة في العادات والتقاليد.
كما درس رواد بلان "دور رجال الدين الموحّدين الدروز في الشأن العام 2011 - 2023"، وسلّط الضوء على حقيقة العلاقة بين رجال الدين وبقية أبناء الطائفة، ووضّح نظام العلاقات المتبادلة بين رجال الدين والناشطين، وأثرها في مسار التغيير الديمقراطي السلمي الممكن والمأمول في سورية.
واختتم الملف بدراسة لأيمن مراد بعنوان "العقل الجمعي: السويداء كما تظهر في أشعار أبنائها"، وهي دراسة للشعر الشعبي بوصفه المعبّر الدقيق عن هذا العقل الجمعي، وقد خلص إلى أنه يستند إلى نزعتين متداخلتين؛ نزعة محلّية تظهر بمظاهر مختلفة طائفية وريفية وبدوية ومدنية، ونزعة وطنية تظهر بمظهرين قومي عروبي، ووطني سوري، وعند تصادم هاتين النزعتين، فإنّ العقل الجمعي ينحاز إلى النزعة المحلّية، وعند توافقهما، فإنه ينحاز إلى النزعة الوطنية القومية.
ضمّ هذا العدد في أبوابه الثابتة دراسة لنماذج مختارة من أدب السجون في الرواية النسائية السورية بعد 2011، لفاطمة عبود وحمدان العكلة، ومراجعات لكتب صدرت حديثاً ذات صلة بالشأن السوري.