كارثة هو أقلّ ما يُقال عمّا شهدته منطقة البحر الميّت في الأردن أول من أمس، بعدما تسببت سيول في مقتل 21 شخصاً، جلّهم من الأطفال
أجواء من الحزن والصدمة خيّمت على الأردن منذ يوم أول من أمس، وقد ارتفعت حصيلة ضحايا السيول العارمة التي ضربت منطقة البحر الميت غرب الأردن إلى 21 قتيلاً و35 مصاباً، جلّهم من الأطفال الذين كانوا في رحلة مدرسية في منطقة زرقاء ماعين القريبة من البحر الميت، وما زالت عمليات البحث والإنقاذ مستمرة.
ولفت الدفاع المدني الأردني إلى انهيار جسر في منطقة البحر الميت وإغلاق الطريق من الجانبين، في وقت أعلن فيه الديوان الملكي الأردني الحداد ثلاثة أيام على أرواح التلاميذ والمواطنين الذين قضوا في "الحادث الأليم في منطقة البحر الميت". وضربت مناطق في المملكة أول من أمس سيول عارمة نجمت عن سقوط أمطار بغزارة، ما أدى إلى تدفق المياه في وديان عدة بشكل مفاجئ.
وحاولت "العربي الجديد" التحدث إلى أهالي الضحايا الذين كانوا أمام المركز الوطني للطب الشرعي، إلا أن كثيرين رفضوا الكلام بسبب حالة الصدمة والذهول والحزن. وحمّلت إيناس الصالح، والدة التلميذة الفقيدة تالا إبراهيم رمضان الصالح، وهي في الصف السادس أساسي، وعمرها 12 عاماً، المدرسة مسؤولية ما حصل. لم تكن الأم قادرة على حبس دموعها. تقول: "كتبت لهم على ورقة إنّنا لا نريد استرجاع مالنا (بدل الرحلة)، لكن لا ترسلوا الأطفال في رحلة في مثل هذه الأجواء". تضيف لـ "العربي الجديد": "نعم نحتسب تالا عند الله تعالى، لكن المدرسة ووزارة التربية والتعليم مسؤولتان. سنلاحق المدرسة قانونياً وقد فقدنا فلذة كبدنا".
بدوره، يقول شقيق تالا ويدعى ليث الصالح: "صدمنا. إنه لأمر مؤلم جداً حين تفقد عزيزاً بشكل مفاجئ"، مضيفاً: "لا نستطيع التعبير عما أصابنا".
في هذا السياق، يقول عم أحد الأطفال الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن العائلة فقدت أول حفيد لها، وهو في الحادية عشرة من عمره، ما أصابها بفاجعة. يضيف، هو الذي يشعر بالحزن والغضب: "المدرسة تتحمّل المسؤولية. في حال لم تعمد الحكومة إلى إغلاقها، سنتصرّف. حتى السائق يتحمّل المسؤولية بمجرد أنه أكمل السير في مثل هذه الأجواء".
وفي المكان نفسه، كان رجل سبعيني يبحث عن أبنائه، وقد بكى غير آبه بهيبته ووقاره. توفي له ثلاثة أبناء وفقد الرابع في هذه الفاجعة. ويقول أحد أبناء عمّ الرجل، ويدعى مراد أكرم: "فقد الرجل أبناءه بسبب السيول"، وقد كانوا في نزهة في المنطقة. حاولوا إنقاذ الأطفال، فوقعت الكارثة، ما أدى إلى وفاة ثلاثة منهم. أما الرابع، فكان قد ذهب إلى السيارة لجلب بعض الحاجيات. يضيف: "عثر على ثلاث جثث هم أبناء الرجل، وما زال الرابع مفقوداً". يتابع: "نقطن في منطقة القويسمة، أحد أحياء عمّان الشرقية، ونذهب أسبوعياً إلى هذه المنطقة للتنزه، بواسطة 9 إلى 12 سيارة. لكن أول من أمس، ذهبت ثلاث سيارات بسبب توقعات الأرصاد الجوية، وكتب القدر هذه النهاية".
إلى ذلك، يقول رئيس لجنة التربية النيابية إبراهيم البدور لـ "العربي الجديد" إن اللجنة ستعقد اجتماعاً غداً الأحد لمساءلة الحكومة حول حادثة زرقاء ماعين – البحر الميت، مشيراً إلى أن ما حدث كارثة على مستوى الوطن. يضيف: "اللجنة ستعقد اجتماعها بحضور وزير التربية والتعليم وزير التعليم العالي عزمي محافظة"، موضحاً أن "مسؤوليتنا ترتبط بالوزير. والمطلوب منه جمع الأدلة والوثائق حول الحادثة. وفي حال كان هناك تقصير، سنطلب محاسبته".
ويشدد البدور على أن مجلس النواب سيؤدي دوره الرقابي من خلال لجنة التربية للتحقيق في الحادثة، مشيراً إلى أنهم "لن يستبقوا الأحداث من خلال توزيع الاتهامات. من المهم أن يأخذ القانون مجراه". ويوضح أنه سيتاح للوزير تقديم التفاصيل المتعلقة بما جرى. "وإذا لم يستطع إقناع النواب وشرح أسباب هذه المأساة، وفي حال ثبت أنه المسؤول عما جرى، سنطالبه بالاستقالة". وذكر مجلس النواب في بيان أن "ما جرى أصاب الوطن بحزن كبير، ولن تهدأ معه قلوب الأردنيين إلا بمحاسبة المقصرين".
ومن أمام مركز الطب الشرعي، أكد مواطنون على ضرورة وجود تحقيق متكامل لتحديد أوجه التقصير والإهمال والمسؤولية المشتركة، وليس الاكتفاء بوضع المسؤولية على طرف واحد. وأشاروا إلى أن مثل هذه الكارثة قد تتكرر في حال عدم التعامل مع المسببات الرئيسية.
من جهة أخرى، يقول مدير التنبؤات الجوية في دائرة الأرصاد الجوية الأردنية رائد رافد لـ "العربي الجديد": "الدائرة حذرت من السيول منذ يوم الإثنين الماضي"، مشيراً إلى أن هذا الخبر تناقلته وسائل الإعلام المحلية بمعظمها. ويوضح أن هذه السيول لم تكن مفاجئة لنا، فقد تم التحذير منها قبل وقت، مطالباً الجميع بالتعامل مع تحذيرات الدائرة بكل جدية. يضيف أنّ "الأمطار في هذا الوقت طبيعية. نحن في فصل الخريف، بالتالي سقوط الأمطار أمر متوقع. وتساقط مطر غزير في وقت قصير، ما أدى إلى حدوث سيول". يضيف: "التغير المناخي حالة عامة ولم يعد مفاجئاً. كميات الأمطار لم تكن كبيرة، لكن هذه المنطقة منخفضة. لهذا السبب، وجهت الدائرة تحذيرات بشكل خاص إلى سكان المناطق المنخفضة ومجاري السيول".
إلى ذلك، أكد رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز أن المجلس سيبحث تداعيات الحادثة المفجعة مع الجهات المعنية، خصوصاً وزارة التربية والتعليم، للوقوف على كافة التفاصيل المتعلقة بالحادثة الأليمة وتعليمات شروط الرحلات المدرسية المتبعة ومدى الالتزام بها وتطبيقها.
وقالت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والناطقة الرسمية باسم الحكومة جمانة غنيمات إنه سيتم فتح تحقيق رسمي في كارثة البحر الميت.
بدوره، حمّل نقيب أصحاب المدارس الخاصة، منذر الصوراني، مسؤولية الحادث للمدرسة، بسبب تسييرها الرحلة، بالإضافة إلى وزارة التربية والتعليم. وأشار إلى أن المدرسة خالفت التعليمات من خلال تغيير مسار الرحلة من الأزرق إلى البحر الميت، ولم تختر مكاناً آمناً تتوفر فيه شروط السلامة العامة للتلاميذ. وقال إن على وزارة التربية أن تتحمل المسؤولية أيضاً لعدم إلغاء كل الرحلات المدرسية في مثل هذا اليوم، وخصوصاً أن هناك تحذيرات بحدوث منخفض جوي. ولم تصدر مدرسة فكتوريا أي بيان حول ما حدث.
وألغى الملك الأردني عبد الله الثاني زيارة كانت مقررة إلى البحرين أمس، "لمتابعة تداعيات سيول البحر الميت". وقدّم التعازي لذوي الضحايا، قائلاً: "حزني وألمي شديد وكبير، ولا يوازيه إلا غضبي على كل من قصر في اتخاذ الإجراءات التي كان من الممكن أن تمنع وقوع هذه الحادثة الأليمة. أعزي نفسي وأعزي الأردن بفقدان أفراد من أهلي وأسرتي الكبيرة، فمصاب كل أب وأم وأسرة هو مصابي".
من جهته، كتب رئيس الوزراء عمر الرزاز على صفحته في "تويتر": "التحقيق سيأخذ مجراه وستتم محاسبة كلّ مقصِّر"، مضيفاً: "الدّرس الأساس هو وجوب التزام الجميع بالأنظمة والتعليمات".
وكتبت الملكة رانيا العبدالله عبر صفحتها في "تويتر": "قلوبنا انفطرت من هول الفاجعة. ندعو بالرحمة على من فقدنا، واللهم صبر أهلهم وأعنهم على مصابهم وخفف على كل مصاب واكتب النجاة للمفقودين". وأصدرت جماعة الإخوان المسلمين بياناً عزت فيه الشعب الأردني بهذه الفاجعة الكبيرة والمصاب الأليم، داعية الحكومة إلى فتح تحقيق عاجل وسريع. كما قدم حزب جبهة العمل الإسلامي التعزية والمواساة للشعب الأردني عموماً، ولذوي الضحايا خصوصاً.
وأعربت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، في بيانين منفصلين، عن تعازيهما للأردن بضحايا السيول. وأول من أمس، أعربت كل من الإمارات ومصر والأزهر الشريف والسعودية عن تعازيها للأردن.