فابتسمت لي بعينيها

10 ديسمبر 2015
إنما يريد الناس بعضاً من روحك (الفيسبوك)
+ الخط -

من عينك أدينك... شعار صباح اليوم، الذي رفعته وأنا أنظر في مرآة إلى عيون أرهقها السهر، ضيقة صباحاً.. جادة ظهراً... متسعة ليلاً.. تغفل وتغفل لتقفل على صور خزنتها في عقلك قد تستعرضها ثانية، قبل النوم، تعترض يومنا الكثير من العيون دون أن ننتبه.. زارتني قبل قليل ابتسامة جميلة بعيون لئيمة، هل أصدق العين أم الابتسامة؟!


عيون مترددة تعرف أنك تراها مؤقتاً تنظر إليك من شباك سيارة مجاورة بانتظار اخضرار الإشارة فتنطلق هرباً من عيونك بالمزيد من حرق البنزين ليبتعد، تعقبها عيون الأمن المرحبة على عجل والشرطة ترقب تصريحك قبل ابتسامتك.

صباحكم خير ويومكم مركز بالعيون المستنفرة إن تمعنا رأينا عجباً، أغلب العيون هنا قد تغطت بنظارات شمسية عاكسة أو سوداء تهرب من الشمس بالهيبة، قررت، صباح اليوم، أن أمعن في الأرواح من شباك العيون، واليوم كشفت كل مستور وأعدت تقييم كل من حولي، فتلك عيون زميل نكد تطرف هرباً منك كي لا تسلم عليك مثلاً وأخرى تدور في دوائر خجل لتستقر على إضاءة سقف صناعي، أحس بعينين تركزان على رقبتي من الخلف، وأنا أمشي في ممر طويل باتجاه مكتبي.. أنظر فجأة خلفي لأباغت عينيه، اللتين اتجهتا توا إلى الأرض، أمر من أمام مكتبها رأيتها تطرف بنظرة لا مبالاة في لمحة تكفي لقراءة خارطتها النفسية المعقدة... تعود عيونها بجدية إلى شاشة العمل، أؤشر لها بالسلام ولا ترد، فعينها تعكس ما في شاشتها من حروف وروحها في مكان لا يعلمه إلا الله، ويفتح باب مكتبي بقوة لتدخل عين تائهة عن ورقة.. ترصد في خط مستقيم شعاراً خيط على صدر قميصي أثناء المصافحة وتلك نظرة مادية أمقتها.

في الماكينة التي تهرسنا كل يوم باسم العمل يتعلم المذيع أن ينظر بجدية تتشابه وما يقوله من أخبار الدم الى عين الكاميرا التي أمامه، وما هي إلا خدعة تخفي وراءها أربعين إلى ثمانين مليون عين عربية أصيلة محدقة ترقبه، ولا عزاء لمذيع قد يخطئ بنظرة تفضحه أمام مليون ذكي على الأقل ينتظرون شروده أو فرحه أو حزنه ومن عينه يدان المرء.. اللهم حوالينا ولا علينا.

نعود لجولة أخرى من العيون، فقد عاهدت نفسي صباحاً أن أكتشف، ولكن!! هي البلاهة تقفز من عيونها قفزاً وكأنك تنظر في عيني لعبة.. سحقا!! آخذ أوراقي منها لأكمل عملي، تربت على كتفي يد مكهربة من احتكاك حذاء جديد بسجاد نظيف انتقل الى يد تربت على كتفي وتكهربني.. أدير وجهي الى عينيه مباشرة لأجدها جافة من كل خير، تكلمك في عينيك مباشرة ثم تهتز يمنة ويسرة هرباً من نظراتك إليه مباشرة، ها هي عيناه تكف عن الاهتزاز لتعود لتجلدني بجفافها، فالعين تتمنى قتلك واللسان يقطر عسلاً وشكراً على كهربائك!

دخلت مكتبي من دون أن أنظر خلفي، فالعمل كثير واكتفيت من جلد العيون.. نعم تفضلي .. نظرت فيها عالماً من الفرح... أي روح تلك التي تسكن هذه العيون، لم أر إلّا عينيها وكفى! بالتأكيد لا تنتمي لهذا المكان.

إنما يريد الناس بعضاً من روحك.. تكلم من صميم روحك.. سترى كلامك في عين سامعك فلطالما اعتقدت أن الإنسان هو الروح بغلاف سخيف يسمى جسداً، فكم أنت كريم لتكلمني بروحك لا بعقلك أو قلبك، فما أنت إلا روح تنثرها عبر المئات لتصير أنت في كل مكان بأفكارك وروحك، فبين عرق أحمر مطرف وسط بياض وبؤبؤ عين يضيق مركزا.. يتلخص يومي.. بل تتلخص كل الثورة.

(فلسطين)

دلالات