في الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990) وسط كلّ الدمار والقتل والتهجير الطائفي، بادر مسلحون في منطقة ما إلى سرقة دار عبادة تتبع طائفة أخرى. هم لا يحتاجون أساساً إلى تبرير أفعالهم فالأدلجة في أوجها كانت مترافقة مع جعب ذخائر وقنابل وصواريخ، لكنّ نخوة الطائفة الموجهة إلى الداخل استفاقت فيهم، فجاءتهم فكرة تجريد دار العبادة تلك من كلّ شيء بالكامل وتحويله إلى دار عبادة أخرى تتبع طائفتهم. نقل المسلحون كلّ شيء ما عدا الحجارة. كلّ شيء فعلاً؛ من السجاد والمفروشات واللوحات إلى المصابيح والأدوات الكهربائية وصولاً إلى الأسلاك وتجهيزات الحمامات، وحتى البلاط نفسه. أما ما لا يتناسب مع خصوصية المعتقد من المقتنيات فتدبروا أمر بيعه أو توزيعه كغنيمة حرب.
غنيمة الحرب تلك مبررة في لبنان، وإذ يقترن اسمها بالحرب هنا، فالحرب مستمرة وتعيش في النفوس وتظهر من وقت إلى آخر على الأرض مهما رُوّج لسلام مزعوم. تبدلت أسس الحرب فحسب، من سيطرة على الزواريب ومعارك بالرصاص، إلى خنق لمفهوم الدولة، ومعارك مستمرة لمنع قيامها، تستعاد مدفعياتها وراجماتها ورشاشاتها بين فترة وأخرى.
في الحرب اشتركت الأحزاب اللبنانية في تقسيم الغنائم، فعلى المستوى الأعلى ارتفع حجم تلك الغنائم إلى مقام الوطن والسلطة، فشهدنا على الزعماء رجال "دولة" بعد انتهائها، ومنهم من انتظر حتى جاءته الفرصة لينال حصته وحظوته. الحصص موزعة طائفياً برعاية إقليمية ودولية، فكلّ طائفة لها راعيها الخارجي، وكلّ طائفة لها زعيمها الداخلي الذي يختصر كلّ الرعية في شخصه أكانوا مؤيدين له أم معارضين. أما على المستوى الأدنى فنزل حجم الغنائم إلى درك السلب الرخيص ولو كان سلباً لفقراء آخرين أو حتى لمستشفى أو دار عبادة لتجهيز دار عبادة أخرى. ولم يبق للصوص الحرب الصغار أولئك كثيراً كي يسرقوه في أوقات السلم، فقد تغيرت القواعد.
حافظ الزعماء على حصصهم، ونال أبناء الطوائف بركة التعيينات في المؤسسات الرسمية والشركات الخاصة المتعاقدة مع الحكومة على أساس المبايعة نفسها، ليتبع كثير منهم - إن لم نقل أكثرهم- نهج غنيمة الحرب نفسه.
لكلّ ذلك، لا داعي للاستغراب حيال صفقة نفايات مشبوهة، ولا داعي للضجيج حول منع أدوية عن مرضى ثم بيعها، أو عن تقاضي أموال لتسهيل دخول تلاميذ ضباط إلى المدرسة الحربية، ولا داعي للحديث عن مشاريع تجديد مبانٍ جامعية لم يمرّ وقت قصير على تجديدها، أو دورات تدريبية تنظمها جهة حكومية ما ولا تُعرَف جدواها.
البلاد ينخرها الفساد في مختلف قطاعاتها، وتعاطي من يتولون مسؤولية الأمور هو تعاطٍ مليشياوي يبرر لنفسه السرقة كغنيمة حرب إن لم يستحوذ عليها نالها غيره.
اقــرأ أيضاً
غنيمة الحرب تلك مبررة في لبنان، وإذ يقترن اسمها بالحرب هنا، فالحرب مستمرة وتعيش في النفوس وتظهر من وقت إلى آخر على الأرض مهما رُوّج لسلام مزعوم. تبدلت أسس الحرب فحسب، من سيطرة على الزواريب ومعارك بالرصاص، إلى خنق لمفهوم الدولة، ومعارك مستمرة لمنع قيامها، تستعاد مدفعياتها وراجماتها ورشاشاتها بين فترة وأخرى.
في الحرب اشتركت الأحزاب اللبنانية في تقسيم الغنائم، فعلى المستوى الأعلى ارتفع حجم تلك الغنائم إلى مقام الوطن والسلطة، فشهدنا على الزعماء رجال "دولة" بعد انتهائها، ومنهم من انتظر حتى جاءته الفرصة لينال حصته وحظوته. الحصص موزعة طائفياً برعاية إقليمية ودولية، فكلّ طائفة لها راعيها الخارجي، وكلّ طائفة لها زعيمها الداخلي الذي يختصر كلّ الرعية في شخصه أكانوا مؤيدين له أم معارضين. أما على المستوى الأدنى فنزل حجم الغنائم إلى درك السلب الرخيص ولو كان سلباً لفقراء آخرين أو حتى لمستشفى أو دار عبادة لتجهيز دار عبادة أخرى. ولم يبق للصوص الحرب الصغار أولئك كثيراً كي يسرقوه في أوقات السلم، فقد تغيرت القواعد.
حافظ الزعماء على حصصهم، ونال أبناء الطوائف بركة التعيينات في المؤسسات الرسمية والشركات الخاصة المتعاقدة مع الحكومة على أساس المبايعة نفسها، ليتبع كثير منهم - إن لم نقل أكثرهم- نهج غنيمة الحرب نفسه.
لكلّ ذلك، لا داعي للاستغراب حيال صفقة نفايات مشبوهة، ولا داعي للضجيج حول منع أدوية عن مرضى ثم بيعها، أو عن تقاضي أموال لتسهيل دخول تلاميذ ضباط إلى المدرسة الحربية، ولا داعي للحديث عن مشاريع تجديد مبانٍ جامعية لم يمرّ وقت قصير على تجديدها، أو دورات تدريبية تنظمها جهة حكومية ما ولا تُعرَف جدواها.
البلاد ينخرها الفساد في مختلف قطاعاتها، وتعاطي من يتولون مسؤولية الأمور هو تعاطٍ مليشياوي يبرر لنفسه السرقة كغنيمة حرب إن لم يستحوذ عليها نالها غيره.