غضبٌ في فتح ــ غزة: نتعرّض للتمييز من السلطة

04 سبتمبر 2019
يتوسع الغضب داخل "فتح" (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
تتوسع يوماً بعد يوم دائرة الغضب الداخلي في حركة "فتح"، خصوصاً في صفوف موظفيها العموميين في قطاع غزة، نتيجة التمييز في قيمة صرف رواتبهم مقارنة بنظرائهم في الضفة الغربية، على الرغم من الوعود الكثيرة التي تلقاها هؤلاء من قيادة الحركة والسلطة الفلسطينية والحكومة التي يديرها عضو اللجنة المركزية لـ"فتح" محمد اشتية. وترفع أزمة التمييز في الرواتب والتقاعد المالي والتقاعد الإجباري من حدّة الغضب داخل الحركة التي تُعتبر العمود الأساسي للسلطة الفلسطينية و"منظمة التحرير". وتضاف هذه الأزمة إلى أخرى قديمة، وهي عدم دفع المخصصات المالية بالشكل المطلوب للأقاليم في حركة "فتح"، ما يعطّل عمل الحركة، التي تعاني أيضاً التضييق من قبل "حماس" التي تدير زمام الأمور في القطاع.


وتفجّرت الأزمة الحالية بعد تأكيد رئيس الحكومة محمد اشتية قبل أيام أنّ رواتب موظفي قطاع غزة والضفة الغربية ستصبح متساوية، وسيتم دفع الجزء المتأخر من راتب فبراير/شباط 2019، مع راتب شهر أغسطس/آب الماضي، ليُفاجأ آلاف الموظفين في القطاع باستمرار اقتطاع أجزاء من رواتبهم من دون معرفة مصيرها، ومن دون توضيح آلية الخصومات التي يتعرضون لها. ومع ارتفاع الانتقادات للحكومة، عاد اشتية للتأكيد أمس الثلاثاء أن "الحكومة ملتزمة بتوحيد معيار صرف رواتب الموظفين الرسميين بين قطاع غزة والضفة الغربية".

وخلال الساعات الماضية، أصدرت أقاليم "فتح" في القطاع بيانات عدة لمساندة الموظفين ورفض إجراءات حكومة اشتية التي تستهدف أبناء السلطة والحركة على وجه الخصوص، في ظل وضع اقتصادي صعب يعاني منه الموظفون والمواطنون عموماً، وقدّم عضوان في هذه الأقاليم هما أحمد علوان وإياد صافي استقالتهما نتيجة التمييز بين الموظفين واستمرار معاقبة موظفي غزة.

وقال مصدر في حركة "فتح" لـ"العربي الجديد"، إن الإطار التنظيمي للحركة في كل مناطق قطاع غزة سيعقد في وقت قريب لقاءً موسعاً لاتخاذ موقف جماعي من هذه الأوضاع، خصوصاً أنّ المنشقين عن الحركة هم المستفيد الأكبر منها، في إشارة إلى المسؤول الأمني المطرود من الحركة، محمد دحلان وتياره.

ورفض مفوض الإعلام في "فتح" إياد نصر ومسؤولون آخرون التعليق على حالة الغضب الداخلي في الحركة، وقالوا لـ"العربي الجديد" إنّ المواقف ستصدر قريباً وتعمم على وسائل الإعلام، بناء على قرار تنظيمي. وقالت المكاتب الحركية في "النقابات" إنه تمّ إقرار سلسلة من الخطوات التي سوف تنفذها المكاتب الحركية لإلغاء التقاعد المالي والتمييز بين موظفي المحافظات الشمالية (الضفة) والجنوبية (غزة).

ومن ضمن الملفات العالقة التي تحتاج تدخلاً رئاسياً وحكومياً ملف موظفي ما بات يعرف بـ"تفريغات 2005" الذين عيّنوا في العام الأخير قبل إنهاء وجود السلطة في القطاع من قبل "حماس"، وهم يتلقون أنصاف رواتب منذ أكثر من عامين ونصف، نتيجة عدم اعتمادهم رسمياً من قبل السلطة الفلسطينية في كادرها الوظيفي، على الرغم من أنهم من أبناء "فتح" وحصلوا على أرقام مالية لوظائفهم.

ودعت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" السلطة الفلسطينية والحكومة لضرورة التخلي عن سياساتها "الظالمة" بحق القطاع، الذي يرزح تحت الحصار وظروف إنسانية ومعيشية هي الأصعب منذ سنوات، موضحة أنّ "هناك إصراراً من الحكومة على الاستمرار في سياسات التمييز وعدم المساواة بين موظفي القطاع والضفة، واستمرار تجاهلها معاناة موظفي تفريغات 2005، والإصرار على إقرار سياسات ظالمة، من بينها سياسة التقاعد المالي غير القانونية التي تطبقها وزارة المالية بحق موظفين من القطاع، والتي تتعارض مع القانون الأساسي، بالإضافة إلى عدم قانونية فرض خصومات على مخصصات المتقاعدين".

وحذّر مسؤولون في "فتح" من أنّ إجراءات السلطة تجاه الموظفين وغياب المواقف الداخلية القوية تجاه هذه السياسة ستصب في صالح خصوم الحركة، وستزيد من الانقسام الداخلي الذي يعتريها، وستصعب مهمة أي هيئة قيادية حالية أو مستقبلية.

ويتفق في ذلك الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، الذي أوضح أن "فتح" في قطاع غزة تتجه لمزيد من التفتت والانقسام لصالح تيارات وفصائل أخرى نتيجة سياسة اللامساواة المتبعة في ملف رواتب الموظفين العموميين. وأشار عوكل في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن هذا الملف سيساهم في زيادة التأثير السلبي على واقع الحركة في غزة التي أضحى عناصرها وكوادرها الشريحة الأكثر تضرراً من سياسات الحكومة، خصوصاً أن معظم الموظفين محسوبون على "فتح".

ووفقاً لعوكل، فإن البيانات والاستقالات التي شهدتها الحركة خلال الساعات الماضية ستكون عرضة للزيادة، في ضوء عدم وفاء الحكومة بتعهداتها وعدم صرف الرواتب بالنسب ذاتها التي يجري من خلالها صرف رواتب الموظفين في الضفة الغربية. وخصوم الحركة هم المستفيد الأوحد مما يجري، نتيجة للسياسات المتبعة حالياً وعدم إنهاء هذا الملف بشكل نهائي على الرغم من الوعود التي أطلقها رئيس الوزراء اشتية بتحقيق المساواة بين الموظفين في الضفة وغزة، بحسب المحلل السياسي الفلسطيني.

ونبّه عوكل إلى أن "فتح" في غزة أضحت بلا برنامج عمل وتفتقد للمتابعة، وهو ما تجهله القيادة المركزية للحركة، إلى جانب انعكاسات ملف الرواتب السلبي على واقعها وشعبيتها خلال العامين الماضيين، وتحديداً منذ إبريل/نيسان 2017. وأشار إلى أن بنية الحركة هي التي أضحت تتضرر يومياً جرّاء سياسة الحكومة، في ضوء غياب الحلول الرسمية لملف الرواتب واستمرار التقاعد المالي بحق آلاف الموظفين في السلطة، والذي يعتبر أبناء حركة "فتح" الشريحة الأغلب بينهم.