غزيات لا يخجلن من البالة

10 فبراير 2020
تبحث عمّا يناسبها (محمد الحجار)
+ الخط -

باتت النساء في قطاع غزة أكثر إقبالاً على شراء الثياب وحتى الأثواب للمناسبات من أسواق البالة، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة

ربّما يكون اختيار فستان لارتدائه في المناسبات مثل حفلات الزفاف أو الخطوبة أو غيرها مُربكاً لبعض الفتيات والنساء. لكن في قطاع غزة، تضيق الخيارات، وتبحث غالبية الفتيات والنساء عن الثوب الأرخص ثمناً أو المستعمل، حتى لو كانت قد استخدمته إحدى صديقاتها.

في مدينة غزة، يمكن رؤية فتيات متّجهات نحو سوق البالة شرق مدينة غزة، أو غيرها من المحال التي بدأت بالانتشار في عدد من شوارع غزة المخصّصة لبيع ملابس البالة. ويشهد السوق وتلك المحلات حركة غير عادية بالمقارنة مع فترات سابقة. وإضافة إلى الثياب اليومية، ترغب الفتيات والنساء في شراء فساتين للمناسبات السعيدة وحفلات الزفاف.

هدية شابة تبلغ من العمر 27 عاماً. قبل عام، كانت تستعدّ لحفل زفاف شقيقها سامر (29 عاماً). في ذلك الوقت، واجهت الأسرة ضغوطاً مالية بسبب حفل الزفاف، وقد اضطرت إلى استدانة المال. وجدت أسعار الفساتين التي ترغب في شرائها مرتفعة الثمن، حتى أنّ بدل إيجارها كان مرتفعاً.



في الكثير من الأحيان، تعمد النساء إلى استعارة الفساتين من صديقات أو قريبات لهن ليوم واحد فقط. الظروف الاقتصادية الصعبة تُجبر كثيرات على اعتماد هذا الحل أو شراء ما يحتجن إليه من البالة، بعدما كانت كثيرات يعتبرن الأمر مخجلاً. توجهت هديّة إلى سوق البالة الواقع في سوق فراس، أحد أقدم أسواق قطاع غزة، واختارت فستاناً أحمر اللون واشترته بأقل من 80 في المائة من أسعار الفساتين في المحلات، واستطاعت أن تشارك شقيقها فرحته. ولا تخجل من القول إنها اشترته من البالة. وشجعت الكثير من صديقاتها على التوجه إلى سوق البالة "لأن الظروف الاقتصادية صعبة بالنسبة إلى أسرهن".




تقول هدية لـ "العربي الجديد": "لا ذنب لأي شابة أو امرأة في غزة في ظل الظروف المحيطة بها، حتى تحرم نفسها من الفرحة. قبل سنوات، كانت الظروف أفضل من الآن. وكنا نحرص خلال المناسبات على توفير المال للملابس في الأفراح مهما كان ثمنها. المهم أن تكون مميزة، ونكون قادرات على التنافس في ما بيننا. أما اليوم، المهم أن نفرح تحت أي ظرف".
وقبل خمس سنوات، انتشرت محلات البالة بشكل ملحوظ في غزة، خصوصاً بعد اقتطاع نسبة من رواتب موظفي غزة التابعين للسلطة الفلسطينية، والتي تشكل الحلقة الأساسية في تحريك الاقتصاد الغزي.



إلى ذلك، يشهد محل سمير فلفل في سوق البالة حركة غير عادية منذ سبعة أشهر، خصوصاً بالنسبة للفساتين وملابس الأطفال. وأنشأ صفحة على "فيسبوك" لتسويق الملابس التي يستوردها. وتشهد الصفحة تفاعلاً من الزبائن، خصوصاً النساء، اللواتي يسألن عن الأسعار أو يطلبن منه حجز بعض الثياب.

يقول فلفل لـ "العربي الجديد: "لا تعد ملابس البالة للفقراء فقط في غزة اليوم. الجميع يشترون الملابس من أسواق البالة، خصوصاً أن هناك علامات تجارية جيدة. وتقبل النساء على شراء الفساتين التي أصبح لها سوق جيد، ولا يتطلب من النساء سوى غسلها لمرة واحدة وكيها بطريقة جيدة، لتصبح جديدة". يضيف أن نساء كثيران يقصدن محلّه لشراء ما يحتجن إليه للمناسبات.




من جهتها، تعتبر آية ناهض (30 عاماً) أن "الشراء من أسواق البالة ومحلاتها لم يعد أمراً معيباً كما في السابق. الكثير من الفتيات والنساء يتوافدن إليها ويشترين ملابسهن وملابس أطفالهن اليومية وتلك الخاصة بالمناسبات، من دون اللجوء إلى دفع مبالغ كبيرة أو الاستدانة للحصول على ملابس جديدة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها". وتقول ناهض لـ "العربي الجديد": "أحياناً، يصل سعر الثوب إلى 400 دولار، كما أن السعر المقبول لا يقل عن مائة دولار. أما في البالة، فوجدت فساتين جيدة الحال تحتاج إلى بعض الخياطة أو الغسيل لمرة واحدة بـ 15 دولاراً فقط. سابقاً، كان الأمر مخجلاً بالنسبة للنساء، لكن اليوم، باتت المرأة تنصح صديقتها بالتوجه إلى البالة".



نرمين أبو حمد (34 عاماً) كانت تخجل في البداية من التوجه إلى البالة. لكن حين تفكر في ظروفها الاقتصادية وزوجها العاطل من العمل، تجد نفسها مجبرة على أن تشتري لأطفالها الاثنين من البالة أو حتى لنفسها. وقد اشترت فستاناً لعرس شقيقتها بـ 12 دولاراً، وأجبرت باقي شقيقاتها على الشراء من البالة بدلاً من التوجه إلى المحال الأخرى وعدم الاستدانة من أجل ارتداء فستان لمرة واحدة.




وتنتقد أبو حمد العادات والتقاليد في المجتمع الفلسطيني، والتكاليف الباهظة خلال الأعراس. وترى أن عائلتي العريس والعروس تحاولان إبراز ملابسهما باهظة الثمن أمام بعضهما البعض، حتى لو اضطرتا إلى الاستدانة من أجل إتمام الأعراس. وتقول: "سواء كان الفستان بألف دولار أو عشرة دولارات، المهم أن نشعر بالسعادة، وهذا ما توصلنا إليه في غزة لأن الحال ضاق بنا كثيراً والفقر شديد. ولا علاقة للفرح بسعر الثوب".
المساهمون