غرور

17 نوفمبر 2016
(مِيّاس، تصوير: ماديرو كوبيرو)
+ الخط -

يهاتفني شخص من شركة خاصة بتجهيز ودفن الموتى، إنه أحد المعجبين، يقول إنه يريد أن يضع اسمي على أحد مرافق تجهيز الموتى: "مرفق خوان خوسيه مِيّاس لتجهيز الموتى"، ينطق الرجل الاسم بتفخيم. أسأله هل الأمر دعابة فيسارع إلى النفي. أنا من الجانب الآخر للسماعة أصمت وأمعن في التفكير.

بعد مرور بضع هنيهات قال الرجل بصوت مهذّب وبشكل قاطع إنني لم أكن لأقول الشيء ذاته لو اقترح عليّ أن يوضع اسم خوان خوسيه مِيّاس على أحد الشوارع. "لكن الأمر ليس مشابهاً"، أدافع عن نفسي. طبعاً ليس مشابهاً، يحتجّ؛ أيّ شخص يمكن أن يوضع اسمه على شارع وأنا على استعداد لأبرهن لك ذلك، لكن أنت ستكون أول شخص يشرّف باسمه مرفقاً لتجهيز الموتى. ما العيب في الأمر؟

لا أعرف، أقول، محاولا تأجيل الإجابة بينما أفكّر كيف كانت ستبدو الفكرة لأبويّ إن كانا لا يزالان على قيد الحياة. فكّرت أنهما كانا سيقولان بسخرية إنني أخيراً حقّقت إنجازاً في حياتي، وكانا سيطلقان ضحكة خبيثة بعض الشيء. أتضحك؟ سأل الرجل وقد شعر بالإهانة. لا، لا، كنت أتنحنح فقط، أنا مصاب ببعض الزكام.

في نهاية المكالمة، أُخبره أنّني سأفكّر في الأمر. أضع سمّاعة الهاتف وأحاول مواصلة العمل لكن بلا جدوى. زرع موظف شركة تجهيز ودفن الموتى في رأسي سمّاً ينمو ويكبر باتجاه المخ. من جهة، هناك غرور رؤية اسمي مكتوباً بأحرف كبيرة يتصدّر مبنى لا يتوقّف الناس على ارتياده.

ومن جهة أخرى، أفكّر في دعابات أصدقائي والتعليقات الساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي. لكنّني أفكّر أيضا أن بعض هؤلاء الأصدقاء، من حسن الحظ، ستسهر عائلاتهم مع جثثهم في مرفق تجهيز الموتى الذي يحمل اسمي. أنا بنفسي سأذهب لتقديم التعازي لعائلاتهم وكأنّني صاحب المحل.

أخيراً، أقرّر أن أترك الأشياء للصدفة. لو عادوا للاتصال بي، سأقبل العرض. وإذا لم يتصلوا بي من جديد سأنسى الموضوع تماماً. ولكنني لا أنسى ولا هم اتصلوا.


* Juan José Millas كاتب وصحافي إسباني ولد سنة 1946 في مدينة بلنسية. من أبرز أعماله "الحديقة الخالية" (1981) والرواية التاريخية "العالم" (2007).

** ترجمة عن الإسبانية إبراهيم اليعيشي

دلالات
المساهمون