لم يعد القلبُ يرقصُ لكلِّ شيء،
لكنّكِ حين تقفين هكذا
وتفرُّ من كلِّ ورقةٍ في أشجارك أُغنية
وتصعدين كلّما هبط الآخرون
وتتألّقين بلا جهدٍ
نوراً ودفئاً في الميادين
كالشعر في قسماتِ وجوه العشّاق،
تتفتّحُ في أطرافي آثارُ ربيعٍ قديم
أرتدي ألوان أزهاركِ
وأتماهى مع الهواء الخفيف
رحيقاً وحريقاً للكلامِ
للكلام الذي نامَ
ونام
وصحا ليحلمَ
لغةً من زهرِ ماءِ الأحلام…
يشقّني التاريخ
حاضرٌ ضياع
وماضٍ أمانة
هائمٌ أمشي بك
تنتفضُ بصيرتي عليَّ
(الرنينُ شقاء
والتفكّيرُ شلّل)
غرناطة
أعودُ لأرضٍ حبلى بسماء زرقاء
هواءٌ يصلُ الأرواحَ بالأرواح
وتصدحُ من حناجرِ طيورها
غناءٌ كأنه حقاً غناء:
أيتها الأرضُ تمدَّدي وتمادي
وتكاثري
ذكريات وشذى
التاريخ هنا درّةٌ خالدة
كلُّ حجرٍ يشهدُ
والحياة ما طابَ من البناء!
مفاتيح الماضي لم تصدأ بعدُ
الناسُ حنينٌ
الشرفات آفاقٌ وشمس
الحجارةُ وعد
الأبوابُ أصالةٌ
الطرقاتٌ تجلٍّ
القمرُ شابٌ
الماءُ عطاءٌ من ذاكرة
والبرتقالُ فرحٌ يُفضي إلى غناء
وهنالكَ ما لا أعرفهُ
ويكادُ يعرفني
أكادُ أطيرُ ولعاً بما أنتِ!
وأتابعُ إيقاع الفتنة في جسدي
(كلما حطَّ قلبٌ بقلبي
أُصبتُ بالفناء!)
تلمسني في ثناياك ما يلمسُ العشب من ندى صباحاً
وما يملأ الأفق من شفقٍ ولذةٍ مساءً.
أسافرُ في ميتافيزقيا معانيكِ:
التاريخُ جوقة خاسرين
لكنكِ تحفةُ التحف
الدموع فيك أصيلة
والقلبُ حديقة زاهرة
جارٌ
لمن كانوا هنا
ومن هم هنا
ومن سيمرّون على هنا...
ما دُمْتِ هنا
فلن يجف الندى على أوراق الذاكرة...
تتسلَّلُ نظراتُ أبي عبد الله الصغير
إلى آخر جبهاتِ القلبِ
تحمرُّ أوردةُ التلالِ حسرةً عليهِ
على مُلكٍ لم يعد يملكهُ
تبكي على وديعةٍ في يدِ آخرين
غرناطة
تضيقُ بنا الدروبُ فلا نرى
وتتّسعُ الليالي قمراً.
كم تعلمتُ من صمتكِ رقّة الجمال
وعبثَ الكراهية
كم زارني من نوركِ أملٌ
ومن تاريخكِ معنى
تقفين
كأنكِ لم تنكسري أبداً
وتخيبين ظن اليائسِ من اليأسِ...
يطلُّ القصرُ على مرامٍ لامتناهية
ترقصُ الطبيعةُ الخضراء حولهُ
والماءُ
يجري في عروقِ القافية...
ويجري النهرُ والمدى
ويصبُّ في كلّ عينٍ تَرَى بقايا حكمته
غرناطة
الحياةُ كما تُعَلِّمين
أراكِ
وأرى ابنكِ الحرّ
لوركا
جالساً في باحةِ القصر
بين الورد والحجارةِ
يتأملُ ربيعَ الأرض وسوادَ التاريخ
أرى في عينيهِ
ما يملأ الليل نهاراً
وفي وجهه
كرامة الماء والأشجار
أراهُ يُرِيِنِي الشِّعر
ولا يُعَلِمُنِي إياه...
وأرى نفسي تحاولُ التوفيق بين أضدادها
تتعثرُ في صرخاتِ الأطفال
وأحزان العرب
وتتعثرُ بالسؤال:
كيفَ يُبْنَى
ما يُكْمِلُ هذا البهاءَ الغرناطي العزيز؟
* شاعر فلسطيني مقيم في لندن