ما برح الفلسطينيون يعدّون أيام شهر رمضان يوماً بيوم، مع الأمل في أن يكون الفرج من حجر كورونا، متزامناً مع عيد الفطر، لكنّ قرار الحكومة الفلسطينية جاء مخالفاً للتوقعات والآمال، فعيد هذا العام سيمضيه الفلسطينيون في كلّ محافظات الضفة الغربية في منازلهم، وتشهد الضفة إغلاقًا شاملاً بدأ مساء الجمعة ويستمر حتى الاثنين، بينما تتدارس الحكومة آلية عودة الحياة إلى طبيعتها.
تعتبر ميادة حامد، أنّ إسعاد الأطفال أهم ما في العيد، في ظل استمرار الحجر وبظروف مشددة. وتقول لـ"العربي الجديد": "يجب أن نُسعد الأطفال ولو قليلاً، ففترة الحجر لمدة شهرين لم تكن سهلة بالطبع عليهم، وسنحاول إعطاءهم مجالاً للاحتفال بالعيد، لكن في ساحات المنازل، التزاماً بالحجر".
بدورها، فكرت فادية طه، ولديها أربعة أطفال، بحلٍّ مرضٍ نسبياً لها ولأولادها في العيد، للتخلص من فكرة الحجر المنزلي، وفي الوقت نفسه عدم خرقه، وتقول لـ"العربي الجديد: "بالنسبة لي سأتوجه أنا وأولادي إلى منزل عائلتي لقضاء العيد معهم، حتى نشعر بالعيد قليلاً، وأنّ حولنا من يُهنئنا بحلوله".
أما نداء عبد اللطيف من مدينة جنين، شمالي الضفة الغربية، فقد أصرت على إدخال الفرحة إلى قلوب أطفالها، فاشترت لهم ملابس العيد، بل صنعت المعمول بالتمر والجوز أيضاً. تقول نداء لـ"العربي الجديد": "هذا عيد الله، والفرحة بانتهاء شهر الصيام، لذلك علينا أن نفرح مهما كانت الظروف، لقد مرت علينا أوضاع قد تكون أصعب، تحديداً خلال فترة اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي لمدن الضفة الغربية في الأعوام من 2002 حتى 2005، حين كانت الدبابات الإسرائيلية تتحرك بين بيوتنا، والطائرات الحربية لا تغادر السماء، مع هذا فقد كنا نحتفل بالأعياد نكاية بالاحتلال، واليوم سنفرح نكاية بهذا الفيروس الذي سننتصر عليه لا محالة". مع ذلك، تقرّ بأنّ الأجواء العامة غير مهيَّأة لذلك، وتقول: "لن نخرج من بيوتنا، ولن نستقبل المعايدين من الأهل والأصدقاء، ولن نتمكن من الذهاب إلى مدينة الألعاب حتى يلعب الصغار ويفرحوا، وهنا التحدي الذي نواجهه كآباء وأمهات، إذ كيف يمكن لنا أن نتجاوز كلّ هذا ونصنع فرحة بالعيد؟ نحن قادرون على ذلك بمشيئة الله".
يبحث الشاب سمير فاروق، من سكان مدينة قلقيلية، شمالي الضفة الغربية، عن وسيلة يستطيع بها أن يعايد والدته المسنة وشقيقته الوحيدة اللتين تعيشان في بيت وحدهما في قرية الفندق، شرقي قلقيلية، في أول أيام عيد الفطر السعيد، كما اعتاد على ذلك طوال السنوات الماضية. يقول لـ"العربي الجديد": "لا أهتم بكلّ تفاصيل العيد، بقدر كيفية أن أكون إلى جانب والدتي وشقيقتي في أول أيام العيد. ألا يكفي أنّهما بعيدتان عني، حتى يحرمونا فرحة التجمع معاً بمناسبة تتكرر مرتين في العام؟ لقد اعتدت منذ تزوجت وسكنت في مدينة قلقيلية قبل أكثر من عشر سنوات على الذهاب فور أداء صلاة العيد إلى بيت العائلة في القرية، حيث تكون الوالدة قد صنعت طعام الإفطار، ونبدأ بعدها باستقبال الأقارب، الذين لا يدخلون إلى البيت قبل التأكد من وجودي فيه، فهكذا هي العادات والتقاليد في قريتنا". فكر فاروق بالتوجه قبل إعلان منع الحركة الذي قررته الحكومة الفلسطينية تزامناً مع العيد، للمبيت في قرية الفندق، نظراً لصرامة الإجراءات التي يُمنع بمقتضاها التحرك بالسيارات إلاّ للضرورة القصوى وإغلاق المدن ومنع التنقل منها وإليها نحو القرى والبلدات المجاورة، ويقول: "ليست في اليد حيلة؛ زوجتي وأطفالي سيقدرون هذا، فهم يعلمون مقدار تعلقي بالجدة، وقد شجعوني على ذلك".
"أنا مستاءة جداً" بهذا تختصر الشابة نور جمّال شعورها إزاء الحجر المنزلي الذي يستمر في عيد الفطر، وتقول لـ"العربي الجديد": "لا أجواء في العيد، ولا أجواء في رمضان، وبالنسبة لنا في العائلة، لا خطط لكيفية الاحتفال بالعيد".
أما الصديقان المراهقان براء خفش وشادي كراكرة، فيمضيان وقتهما بالدردشة واللعب قبيل الإفطار، حين تتحدث "العربي الجديد" إليهما. يقول براء: "كورونا جعلنا نعيش مع أهلنا أوقاتاً أطول وهذا ما سيحصل في العيد. ما المانع أن نبقى في المنازل، ففي كلّ عيد نخرج؟". ويقول شادي: "سيكون العيد هذا صعباً علينا، فلن نزور أحداً، أنا وعائلتي، ولن يزورنا أحد".
هذا العام غيرت الإجراءات التي فرضتها الحكومة من عادات الفلسطينيين في العيد، وبالنسبة للشاب عارف فقيه، من مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، فإنّه مستاء من قرار منع خروج المواطنين من بيوتهم صباح يوم العيد، ويقول: "لا طعم ومعنى للعيد من دون أداء الصلاة جماعة، إما في المساجد أو الساحات العامة، وتبادل التهاني. كذلك، نحن في نابلس نحافظ منذ عشرات السنين على عادة نقوم بها في صبيحة أول أيام العيد وهي زيارة المقابر وقراءة الفاتحة عن أرواح من فقدنا". يتابع عارف لـ"العربي الجديد": "فقدت والدتي قبل نحو سبعة أشهر، وقد اتفقت مع أشقائي على تنظيف محيط القبر، ووضع سعف النخيل عليه، ليكون نظيفاً في أول أيام العيد، إذ يأتي الأخوال وبعض الأقارب للمقبرة لمواساتنا". وبعد ذلك يقوم الأشقاء بالتجمع في بيت الأخ الأكبر واستقبال المعزين بوالدتهم، وهي أيضاً عادة معروفة في نابلس، وهي تقبل العزاء بمناسبة مرور أول عيد على رحيل المتوفى، ويمكثون حتى الظهيرة لاستقبال المعزين. لكن، لن يتمكن الأشقاء من ذلك، بسبب قرار الحكومة بمنع الحركة، ودعوة تجمع عائلات نابلس مؤخراً إلى عدم فتح بيوت العزاء، تحسباً من الاكتظاظ ونقل عدوى كورونا.
بإرهاق واضح تتبضع المُسنة جواهر حامد، حاجيات العيد، وتمسح العرق عن وجهها، وتصف لـ"العربي الجديد" حال مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، قُبيل العيد، فتقول: "لا عيد هذه السنة، انظروا إلى رام الله وسوقها الخالي من الناس، لا سيولة مع أحد، فكثيرون بلا عمل... كان الله بعون الجميع". وبأسفٍ شديد وخيبة أمل واضحة، يتحدث مؤيد مطور، وهو صاحب محل ملابس في رام الله، لـ"العربي الجديد" قائلاً: "إقبال الناس على الشراء ضعيف، فالأيام العادية أفضل من أيام العيد هذه بسبب كورونا، كما أنّ أسعار الملابس التي نشتريها من تجار الجملة ارتفعت إلى الضعفين. لن أنسى هذه الأيام الصعبة".
أما حسن فرج، وهو أحد العاملين في محل ألعاب للأطفال، فيقول إنّ أعياد السنوات السابقة كانت أفضل بكثير من وضع عيد الفطر هذه السنة. يقول لـ"العربي الجديد": "بينما تنشط الحركة في يوم، تتوقف في يوم آخر". يتابع: "في العادة، كان فتح المحال والأسواق في فترة الليل وما بعد الإفطار، مُحركاً للناس نحو الشراء، لكنّ الحجر المنزلي ُيطبق عند الإفطار، حالياً، فلا مجال للبيع إلاّ خلال الساعات المسموح بها نهاراً... ومع الأسف، تزامن النهار في هذه الأيام قبيل العيد، مع موجة حرّ شديدة أضعفت الحركة أكثر".