عودة الحريري: ملايين لانتشال الجمهور من التطرّف

12 اغسطس 2014
الحريري في زيارته الأولى للسرايا (أنور عمرو/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
بدأ زخم عودة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، سعد الحريري، إلى لبنان يضعف. نجح خصوم تيار المستقبل في فريق 8 آذار في كسر هذه الهالة. لم ينجرّ هؤلاء إلى "ضخامة" هذا الحدث كما سوّقه المستقبليون. لم يعلّق الخصوم على الموضوع ولم يثيروا جدلاً حوله، ولو أنه يمكن تقديم سيل من الانتقادات والملاحظات على شكل خطوة الحريري ومضمونها، انطلاقاً من زوال الخطر الأمني على وجود الحريري في بيروت، وصولاً إلى بقاء نظام بشار الأسد في سورية، مروراً بالأداء العسكري والأمني المستمرّ لحزب الله في لبنان وعلى "أرض الجهاد" السورية.

خسِر المستقبل معركة إعلامية وإعلانية، باعتبار أنّ زعيماً بهذا الحجم كان لا بد أن يكون موجوداً بين أهله وناسه في زمن توتر وحرب. يقول أحد نواب كتلة المستقبل إنّ "تفاعل الطرف الآخر غير كافٍ مع عودة الحريري".

التقى الحريري فقط رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، وتلقّى اتصالاً وحيداً من رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون. كان ينتظر المستقبليون أن تنهال عليهم اتصالات نواب ووزراء 8 آذار، وأن يشهد صالون منزل الحريري في وادي أبو جميل في وسط بيروت زحمة ممانعين وحلفاء نظام الأسد. إلا أنهم فوجئوا بحال عدم اكتراث، أو على الأقل تجاهل خصومهم لهذا "الحدث".

أجواء المقربين من الحريري تراجع تفاؤلها بعد ساعات على وصوله إلى مطار بيروت. كانوا يحسبون أنّ سلّة التفاهم باتت شبه جاهزة، بحسب ما عمّموا في مجالسهم قبل أيام من عودة رئيس الوزراء الأسبق. انتظروا سماع التفاصيل منه، وعلى هامشها مهمّة الهبة السعودية للجيش اللبناني بقيمة مليار دولار. فاجتمع المستقبليون بزعيمهم الذي قال حرفياً "كنت أتمنى لو أنّ العودة مرتبطة بالملف الرئاسي". اكتفى بالقول إنّ التنسيق "مستمرّ مع (زعيم الحزب التقدمي الإشتراكي) وليد جنبلاط، ولن يكون هناك اتصال مباشر مع حزب الله".

تركت هذه العبارة الحاضرين في جو من الضياع، ليزيدها الحريري صعوبة لدى تكراره أكثر من مرة "إننا على أبواب مرحلة جديدة". وأي مرحلة جديدة هي تلك؟ على ما يبدو هو زمن العودة إلى التعايش مع النظام السوري وحلفائه في لبنان، والاصطفاف معهم لمكافحة الإرهاب والقضاء على التشدّد. أما الشعارات "الثورية"، كـ"حرية الشعب السوري" أو "السلاح غير الشرعي في الداخل"، فلم تلغَ بل تمّ تأجيلها، كما درجت العادة في مواقف المستقبل وحلفائه في 14 آذار.

يعود الحريري في هذه المهمة، ومن ضمنها إعادة تحصين واقع شعبية تياره ومنع بيئته من الانجرار وراء المتشددين. فالرئيس العائد يُريد "مراجعة أوضاع المناطق التي تعرّضت للاعتداء والتنكيل والهجوم في السنوات الثلاث الماضية"، أي طرابلس وصيدا وعرسال.

يُمكن تفسير هذه العبارة من خلال الدعم المالي الذي سيفرزه الحريري خلال أيام لمساعدة أهالي هذه المناطق. حدّد الحريري مبلغ 15 مليون دولار لعرسال وإعادة الترميم والتعويض على أهلها بعد الحرب الأخيرة فيها بين الجيش والمجموعات المسلحة. أما واقع طرابلس ومدينته صيدا فلم يُعالج بعد، وينتظر السياق اللازم لبدء صرف الأموال فيهما، في حين يؤكد مسؤولو تيار المستقبل أنّ الحركة المالية عادت إلى قطاعاته قبل أشهر، من خلال تنظيم اجتماعات ومناسبات اجتماعية وسياسية عدة في بيروت والمناطق.

لم يحمل الحريري معه لا مبادرة سياسية ولا حلاً إنقاذياً، فأتت الهبة السعودية للجيش لتكون مدخلاً وأداة لعودته الضرورية لاحتضان الطائفة السنية وانتشالها من أي انزلاق مبرمج باتجاه التفكير والإرهاب. أما باقي الملفات السياسية الأخرى، فمؤجلة لحين إنضاجها.

يُحاول نواب المستقبل إيجاد الزوايا الإيجابية لعودة رئيسهم. يقولون إنّ "الدعم السعودي يجب أن يعني للناس أنهم غير متروكين وحدهم وأنّ المملكة تدعمنا". ويؤكد آخرون أنّ من شأن وجود الحريري في بيروت "تحريك النقاشات والمفاوضات"، إلا أنّ أداء خصوم تيار المستقبل كان واضحاً في هذا المجال.

يحاول المستقبليون كشف تفاصيل "المرحلة الجديدة" التي تحدث عنها الحريري، لكن لا سيناريوهات أمامهم سوى تركيبات فشل حكومات الوحدة الوطنية وقمع خصومتهم لحزب الله وسائر حلفاء سورية في لبنان.