استمراراً للسياسات العنصرية التي رافقت إسرائيل منذ نشأتها وحتى اللحظة، فقد صادق الكنيست الاسرائيلي خلال السنوات الخمس الماضية، على سلسلة من القوانين العنصرية. نذكر منها، قانون مكافحة الإرهاب الذي ينطبق على الناشطين في مجال مقاومة التمييز العنصري والعاملين في منظمات حقوق الإنسان. وقانون التخطيط والبناء الذي يسرع في هدم البيوت غير المرخصة (يشير المحامي قيس ناصر في تقرير " مدار" الاستراتيجي 2020، إلى أن قانون «كيمينتس»، الذي سن خصيصا للتصدي لما تصفه السلطات الإسرائيلية بظاهرة البناء غير المرخص فــي المجتمع العربي يطاول 60 ألف بيت غير مرخص، دون احتساب القرى غير المعترف بها في النقب، ودون أخذ حاجة المجتمع الفلسطيني الذي يتشكل 45% منه من الجيل الشاب، إلى ستة آلاف شقة سكنية سنوياً بعين الاعتبار. وأن المواطن قد يحتاج حوالي 25 عاماً للحصول على رخصة بناء على أرضه الخاصة). وقانون تسوية الاستيطان في يهودا والسامرة لنهب الأراضي في الضفة الغربية، وقانون منح المستوطنات ميزانيات تفضيلية أسوة بالبلديات. وقانون حقوق الطالب، الذي يمنح نقاطاً في التعليم الاكاديمي لجنود الاحتياط. وقانون المواطنة الذي شرع سحب المواطنة من المقيمين في الخارج دون المثول أمام المحكمة.
لكن أخطر هذه القوانين، واشدها عنصرية، تمثل في "قانون القومية" الذي أقره الكنيست الاسرائيلي بتاريخ 19 يوليو 2018، بأغلبية 62 ومعارضة 55 وامتناع نائبين عن التصويت. يؤكد هذا القانون على أن أرض إسرائيل التوراتية هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وأن دولته القومية هي دولة إسرائيل التي يمارس فيها حقوقه الطبيعية والثقافية والدينية، بما فيها حق تقرير المصير وحق العودة ولم الشمل التي هي حقوق حصرية لليهود. فإذا ما قرر أحد يهود إسرائيل اعتناق ديانة أخرى، كالمسيحية أو الاسلام أو غيرهما، فإنه يكف عن التمتع بميزات المواطن الاسرائيلي؟ وبينما تمنح العديد من دول العالم المتقدم (أوروبا ، أميركا، ...) حق المواطنة والجنسية للمهاجرين إليها، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، واصولهم القومية، وذلك بعد سنوات من تواجدهم على أراضيها، وبالتالي يتمتعون بحقوق متساوية مع جميع المواطنين، تتعامل إسرائيل مع الفلسطينيين الذين لم يغادروا مدنهم وقراهم بعد قيام الدولة الصهيونية، أي منذ 72 عاماً، كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، ويعانون من العنصرية والتمييز واللامساواة والتهميش، على رغم أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية.
يؤكد القانون على أن الاستيطان "قيمة قومية"، وبالتالي فإنه لا يعطي الشرعية القانونية للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وإقامة المستوطنات فقط، بل إنه يشجع الاسرائيليين على ذلك. كما ينص القانون على أن اللغة العبرية هي لغة الدولة الرسمية. أما اللغة العربية فهي لغة هامشية. إن مقارنة قوانين إسرائيل وسياساتها تجاه اللغات، مع القوانين والسياسات المعمول بها في العديد من الدول الديمقراطية ذات التعددية القومية، تكشف مدى عنصرية الدولة الصهيونية، و زيف ادعاءاتها حول نظامها الديمقراطي. ففي سويسرا، تعتبر اللغة الإيطالية التي يتحدث بها حوالي 8% من السكان ، لغة وطنية ورسمية، وفي كندا تعتبر الفرنسية التي يتحدث بها حوالي 13% من السكان أيضاً لغة رسمية، بينما تعتبر اللغة العربية في إسرائيل لغة ثانوية رغم أن المتحدثين بها من الفلسطينيين تتجاوز نسبتهم 20% من السكان
في هذا السياق، من المهم التأكيد على أن تعلم الاسرائيليين للغة العربية له أبعاده الأمنية، وليس لكون العربية هي اللغة الثانية في إسرائيل بعد العبرية، من حيث نسبة الناطقين بها، وبالتالي يجب تعلمها.
تجدر الإشارة إلى أن الذين صوتوا ضد القانون، لم يكن اعتراضهم على مسألة يهودية الدولة، ولا على كون القانون يستهدف الفلسطينيين وحقوقهم، بل على غياب كلمة الديمقراطية من تعريف إسرائيل. التي يرون أنها ضرورية، ليست من أجل الفلسطينيين وحقوقهم، بل من أجل الحفاظ على سمعة إسرائيل الدولية، وكبح جماح اليمين الديني المتطرف الذي تزداد قوته، يوماً بعد يوم، على حساب التيارات العلمانية.
يحيلنا قانون القومية ، وغيره من القوانين العنصرية الاسرائلية، إلى " قوانين نورنبرغ" النازية ضد اليهود! وهي سلسلة من القوانين العنصرية التي صدرت في ألمانيا عام 1935، بهدف الفصل القانوني والاجتماعي بين اليهود والألمان. وكان أبرزها، "قانون مواطنة الرايخ" و"قانون حماية الدم الألماني والشرف الألماني" اللذان ألغيا مواطنة اليهود، ومنعا قيام علاقات جنسية بين اليهود وغير اليهود أو تشغيل الخادمات الألمانيات في المنازل اليهودية. وشملت تلك القوانين التمييز ضد اليهود في مجالات العمل ومنعهم من العمل في عدد من المهن ( الطب، القانون، وظائف الدولة... إلخ). كذلك تفعل القوانين الاسرائيلية والسياسات العنصرية فعلها تجاه العرب الفلسطينيين، بتكريسها التمييز واللامساواة في العمل، ولاسيما على صعيد الأجور ونوعية الأعمال. الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر لديهم ( بحسب احصائيات إسرائيلية للعام 2018 فإن أجر العامل الفلسطيني داخل إسرائيل يبلغ 65.6 % من أجر العامل الاسرائيلي، ونسبة الفقر العامة في إسرائيل بلغت حوالي 20.4%، بينما كانت لدى الفلسطينيين 44.2%). وهناك أعمال، ممنوعة على الفلسطينيين، بسبب عدم انطباق بعض شروط القبول عليهم، والتي منها على سبيل المثال، شرط الخدمة في الجيش الاسرائيلي.
وتتجلى سياسات التمييز العنصري، أيضا، في مجال التعليم، حيث ميزانيات التعليم للمدارس الاسرائيلية أعلى بكثير من ميزانيات المدارس العربية، وتشير بعض المصادر إلى أن الميزانية المخصصة لطلاب المدارس الثانوية الدينية هي أعلى بـ 22% من الميزانية المخصصة لطلاب المدارس الرسمية الاسرائيلية، لكنها أعلى بـ 67% من الميزانية المخصصة لطلاب المدارس الثانوية العربية؟!. ناهيك عن الميزات التفضيلية التي تعطى للاسرائيليين، ويحرم منها العرب، في مجال التعليم العالي.
وكما يدعو قانون القومية وغيره من القوانيين العنصرية إلى تكريس يهودية الدولة وبنائها على أساس الانتماء إلى الدين اليهودي، كذلك عملت النازية على بناء المجتمع الألماني على أساس نقاوة العرق الآري. وكما مارست النازية عمليات ابادة جماعية بحق اليهود، ودفعتهم إلى الهجرة من ألمانيا، فقد مارست العصابات الصهيونية سياسات التطهير العرقي تجاه الفلسطينيين، وهجرتهم من أرضهم. ولم تتوقف أعمال القتل والتدمير والإبادة الجماعية بحقهم، منذ قيام إسرائيل حتى الآن. إذن، فالممارسات الصهيونية هي استنساخ للممارسات النازية، مع اختلاف في هوية الضحايا. كذلك يمكن القول، إن العنصرية، وكذلك "السلفية" ، إن جاز التعبير، هما من القواسم المشتركة، بين قانون القومية الاسرائيلي وقوانين نورنبرغ النازية.
لقد نجح قادة الحركة الصهيونية وإسرائيل، في استغلال ما مورس بحق اليهود من اضطهاد، لتعبئتهم، وغسل أدمغتهم، وإقناعهم، بأن فلسطين هي أرضهم التاريخية، وأن الفلسطينيين هم طارئون على هذه الأرض، وأن ما قامت/ تقوم به العصابات الصهيونية وإسرائيل من مجازر، هو من أجل حماية اليهود ومنع اضطهادهم مرة أخرى؟! وبذلك تكون الحركة الصهيونية قد حولت ضحايا النازية إلى جلادين. وصار الفلسطينيون على حد تعبير ادوارد سعيد هم /ضحايا الضحايا/. لكن ما لم يدركه الاسرائيليون حتى الآن، هو أن الأمان الحقيقي، والاستقرار الدائم، والسلام الشامل، لا يمكن أن يتحقق، ما لم يتم الخلاص من الاحتلال الاستيطاني لفلسطين، ويتحرر الاسرائيليون أنفسهم من الفكر الصهيوني والعنصري، ويحصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة وفي مقدمتها حقهم في العودة وتقرير المصير.