20 نوفمبر 2024
عن سلاح التشهير
مرة أخرى عاد "سلاح التشهير" إلى فرض نفسه على الساحة الإعلامية المغربية، من خلال استهداف الحياة الشخصية لشخصيات عمومية. وجديد ضحايا هذا السلاح برلمانية تنتمي إلى الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة، تميزت أخيرا باصطفافها إلى جانب الأمين العام السابق لحزبها ورئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، المغضوب عليه من السلطة في المغرب، فقد نشرت صحف ومواقع مقربة من السلطة في المغرب صورا يعتقد أنها للنائب البرلمانية الإسلامية، لأنه لم يتم التأكد من صحتها، تظهرها ترقص أمام أشهر ملهى ليلي في باريس بسروال دجين وتي شرت وبدون حجاب، وهي التي تعودت أن تضعه دائما فوق رأسها. وفي صورة أخرى، تظهر بفستان بدون أكمام وبالكاد يغطي ركبتيها العاريتين.
وقد أثارت هذه الصور جدلا واسعا على المواقع الاجتماعية في المغرب بين من شكّك أصلا في صحتها، واتهم جهاتٍ تستهدف الإسلاميين بفبركتها، للإساءة إليهم وتشويه صورتهم، ومن دافع عن النائب معتبرا أن الصور، حتى لو كانت حقيقية، فهي تدخل في إطار ممارستها
حريتها الشخصية التي لا يحق لأيٍّ كان أن يتدخل فيها. وبين من اتخذها حجةً على نفاق بعض الإسلاميين، وازدواجية خطابهم، واتهم البرلمانية باستغلال منصبها النيابي، وتعويضاتها التي تتقاضاها من المال العام للسفر والسياحة.
وأدى هذا الجدل إلى إحداث عدة اصطفافات داخل الفضاء الافتراضي بين المدافع عن "طهرانية" الإسلاميين ومن رجمهم بالنفاق، وبين مدافع عن الحرية الشخصية ومن يطالب بمحاسبة الشخصيات العمومية على كل تصرفاتهم حتى الشخصية منها. وانتقل هذا الاصطفاف، ليشق صفوف اليساريين والعلمانيين بين من وقفوا مع تقديس الحياة الخاصة، بما في ذلك الخاصة بالإسلاميين الذين يعادي جزءٌ منهم الحريات الخاصة، ومن انساقوا وراء انتمائهم أو عمائهم الإيديولوجي، لتصفية حساباتهم السياسية مع الإسلاميين.
وبعيدا عن كل اصطفاف من أي نوعٍ كان، يجب أن تبقى الحياة الشخصية خطاً أحمر، لا يسمح لأيٍّ كان أن يتجاوزه، لأن على من يقبل اليوم بأن ينال من الحياة الخاصة للآخرين أن ينتظر دوره لتطاوله الألسن، هو الآخر، في حياته الشخصية، فالأيام دول. وعلى من يؤاخذ على الإسلاميين نفاقهم أن لا يركز كثيراً على طريقة لباسهم أو تعدّد زيجاتهم، وإنما مناقشة أفكارهم وبرامجهم السياسية، لأنها هي التي تمس الناس وتؤثر في حياتهم.
وحتى الآن، يبدو أن الجهة الوحيدة التي ربحت من هذا الجدل هي التي كانت وراء نشر تلك الصور، حقيقية كانت أو مفبركة، بما أن النقاش انصرف إلى التداعيات، ولم يقف عند الخلفيات. والواقع أن خلفية النشر كانت واضحةً منذ البداية، وهي التشهير بالنائب البرلمانية وبحزبها الإسلامي. ومرّة أخرى، تنتصر الوسيلة على الرسالة، وينصرف الناس إلى مناقشة الرسالة، ويتناسون دور الوسيلة، فيما أن الواقع كما يقول مارشال ماكلوهان هو أن "الوسيلة هي الرسالة". ومعنى ذلك، في نظرية التواصل التي أتى بها ماكلوهان، أن الوسيلة نفسها، وليس المحتوى الذي تقدمه، هي التي يجب أن تكون محور الاهتمام، لأنها تؤثر في الرأي العام، ليس فقط بواسطة المحتوى الذي تقدّمه، ولكن بخصائصها لذاتها هي نفسها. والوسيلة في حالة النائب البرلمانية الإسلامية هي التشهير الذي تحول إلى "أداة" للتواصل السلبي، أو "سلاح" لمواجهة الخصوم، وتحطيمهم معنويا وأخلاقيا.
ليس هذا السلاح جديدا، وهو محرّم قانونا، بما أن قوانين كثيرة تجرّمه، ولكن يبقى أكثر الأسلحة تدميرا للمعنويات وللشخصيات. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت أنظمةٌ كثيرة، خصوصا في المنطقة العربية، تلجأ إليه لإخراس معارضيها، وتشويه صورتهم داخل مجتمعاتهم. في الماضي، استعمل ضد اليساريين للتشكيك في معتقداتهم الدينية، وتشويه صورتهم داخل مجتمعاتهم المحافظة، واليوم يستخدم ضد الإسلاميين باستهداف إحدى أهم القيم التي يقوم عليها خطابهم، وهي الأخلاق، كما يستخدم ضد كل المعارضين والحقوقيين والإعلاميين للمسّ بمصداقيتهم ونزاهتهم واستقلاليتهم.
عندما يصبح التشهير ممنهجا، يتحول إلى سلاح مؤذٍ وضار، وهو مع الأسف سلاحٌ لا أخلاقي. قد يبدو غير مكلٍّف لأصحابه، لكنه سلاح ذو حدين، لأنه لا يصيب ضحاياه فقط، وإنما يسيء إلى مستعمليه، فهو في الحقيقة سلاح الضعفاء والجبناء الذين لا يستطيعون مواجهة خصومهم ومقارعة الأفكار بالأفكار، فيلجأون إلى الطعن من الخلف، ومن تحت الحزام، وكيفما اتفق. وهو في النهاية لا يمكن أن يكون دليل قوةٍ عند من يمتلكونه، وإنما حجّة على ضعفهم وقلة حيلتهم، عندما يلجأون إلى سلاحٍ منحط، لإيذاء خصومهم. ويعلمنا التاريخ أن نهايات كل الأنظمة التي تفننت في استعمال هذا السلاح القذر كانت مأساوية، كما حصل لأنظمةٍ شيوعية كثيرة حاربت خصومها ومعارضيها باستعمال هذا السلاح المحظور أخلاقيا. والنموذج الحي في منطقتنا العربية هو نظام زين العابدين بن علي في تونس، اشتهر بإتقانه استعمال هذا السلاح. والنتيجة أن خصومه اليوم في السلطة، وهو هارب مطلوبٌ للعدالة في البلاد التي ظل يحكمها بالحديد والنار والتشهير عقدين إلى أن انقلب السحر على الساحر.
وأدى هذا الجدل إلى إحداث عدة اصطفافات داخل الفضاء الافتراضي بين المدافع عن "طهرانية" الإسلاميين ومن رجمهم بالنفاق، وبين مدافع عن الحرية الشخصية ومن يطالب بمحاسبة الشخصيات العمومية على كل تصرفاتهم حتى الشخصية منها. وانتقل هذا الاصطفاف، ليشق صفوف اليساريين والعلمانيين بين من وقفوا مع تقديس الحياة الخاصة، بما في ذلك الخاصة بالإسلاميين الذين يعادي جزءٌ منهم الحريات الخاصة، ومن انساقوا وراء انتمائهم أو عمائهم الإيديولوجي، لتصفية حساباتهم السياسية مع الإسلاميين.
وبعيدا عن كل اصطفاف من أي نوعٍ كان، يجب أن تبقى الحياة الشخصية خطاً أحمر، لا يسمح لأيٍّ كان أن يتجاوزه، لأن على من يقبل اليوم بأن ينال من الحياة الخاصة للآخرين أن ينتظر دوره لتطاوله الألسن، هو الآخر، في حياته الشخصية، فالأيام دول. وعلى من يؤاخذ على الإسلاميين نفاقهم أن لا يركز كثيراً على طريقة لباسهم أو تعدّد زيجاتهم، وإنما مناقشة أفكارهم وبرامجهم السياسية، لأنها هي التي تمس الناس وتؤثر في حياتهم.
وحتى الآن، يبدو أن الجهة الوحيدة التي ربحت من هذا الجدل هي التي كانت وراء نشر تلك الصور، حقيقية كانت أو مفبركة، بما أن النقاش انصرف إلى التداعيات، ولم يقف عند الخلفيات. والواقع أن خلفية النشر كانت واضحةً منذ البداية، وهي التشهير بالنائب البرلمانية وبحزبها الإسلامي. ومرّة أخرى، تنتصر الوسيلة على الرسالة، وينصرف الناس إلى مناقشة الرسالة، ويتناسون دور الوسيلة، فيما أن الواقع كما يقول مارشال ماكلوهان هو أن "الوسيلة هي الرسالة". ومعنى ذلك، في نظرية التواصل التي أتى بها ماكلوهان، أن الوسيلة نفسها، وليس المحتوى الذي تقدمه، هي التي يجب أن تكون محور الاهتمام، لأنها تؤثر في الرأي العام، ليس فقط بواسطة المحتوى الذي تقدّمه، ولكن بخصائصها لذاتها هي نفسها. والوسيلة في حالة النائب البرلمانية الإسلامية هي التشهير الذي تحول إلى "أداة" للتواصل السلبي، أو "سلاح" لمواجهة الخصوم، وتحطيمهم معنويا وأخلاقيا.
ليس هذا السلاح جديدا، وهو محرّم قانونا، بما أن قوانين كثيرة تجرّمه، ولكن يبقى أكثر الأسلحة تدميرا للمعنويات وللشخصيات. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت أنظمةٌ كثيرة، خصوصا في المنطقة العربية، تلجأ إليه لإخراس معارضيها، وتشويه صورتهم داخل مجتمعاتهم. في الماضي، استعمل ضد اليساريين للتشكيك في معتقداتهم الدينية، وتشويه صورتهم داخل مجتمعاتهم المحافظة، واليوم يستخدم ضد الإسلاميين باستهداف إحدى أهم القيم التي يقوم عليها خطابهم، وهي الأخلاق، كما يستخدم ضد كل المعارضين والحقوقيين والإعلاميين للمسّ بمصداقيتهم ونزاهتهم واستقلاليتهم.
عندما يصبح التشهير ممنهجا، يتحول إلى سلاح مؤذٍ وضار، وهو مع الأسف سلاحٌ لا أخلاقي. قد يبدو غير مكلٍّف لأصحابه، لكنه سلاح ذو حدين، لأنه لا يصيب ضحاياه فقط، وإنما يسيء إلى مستعمليه، فهو في الحقيقة سلاح الضعفاء والجبناء الذين لا يستطيعون مواجهة خصومهم ومقارعة الأفكار بالأفكار، فيلجأون إلى الطعن من الخلف، ومن تحت الحزام، وكيفما اتفق. وهو في النهاية لا يمكن أن يكون دليل قوةٍ عند من يمتلكونه، وإنما حجّة على ضعفهم وقلة حيلتهم، عندما يلجأون إلى سلاحٍ منحط، لإيذاء خصومهم. ويعلمنا التاريخ أن نهايات كل الأنظمة التي تفننت في استعمال هذا السلاح القذر كانت مأساوية، كما حصل لأنظمةٍ شيوعية كثيرة حاربت خصومها ومعارضيها باستعمال هذا السلاح المحظور أخلاقيا. والنموذج الحي في منطقتنا العربية هو نظام زين العابدين بن علي في تونس، اشتهر بإتقانه استعمال هذا السلاح. والنتيجة أن خصومه اليوم في السلطة، وهو هارب مطلوبٌ للعدالة في البلاد التي ظل يحكمها بالحديد والنار والتشهير عقدين إلى أن انقلب السحر على الساحر.