عن حزب الكنبة بوصفه العاقل الوحيد

09 يوليو 2015
واقع الحال أن "الكنباوية" لم يكتفوا طوال الوقت بالفرجة(Getty)
+ الخط -
تمر الأيام، ويأتي الوقت الذي يبدو فيه "الكنباوية" أهل العقل وسط غابة من الجنون، حزب الكنبة لقارىء غير مصري، هم المتفرجون، لا إلى الثورة، ولا إلى العسكر، ولا إلى الإخوان، الكنباوية مع الشاشة، يتابعون، في صمت، حتى انحيازاتهم، خافتة، لا تجد من اليقين ما يدفعها إلى الشوارع أو حتى إلى مواقع التواصل الاجتماعي..

في أيام الثورة الأولى، ظهر مصطلح حزب الكنبة تعبيراً عن أصحاب الموقف السلبي، الذين لا يريدون المشاركة. وجرى التواطؤ بين كافة الأطراف على ترويج المصطلح، نكاية، واستفزازاً، كل معسكر يريد أن يجرهم إليه، ويحظى بتأييدهم، فهم حزب الأغلبية، الصامتون!!


واقع الحال أن "الكنباوية"لم يكتفوا طوال الوقت بالفرجة، حين صدقوا شاركوا. الكثير منهم شارك في ثورة يناير، ولكن بعد موقعة الجمل. وقفت على ذلك بنفسي، صدقونا بعد أن رأوا الجمال، تحركوا لحرمة الدم، هذا المشهد البربري الهمجي دفع ببعضهم إلى الميدان، تاركا آلة الدولة الإعلامية في هذيانها، حول المؤامرة الكونية، ترك حجر الشيشة مشتعلا ولم يدفع حساب قهوته قبل أن يجري إلى التحرير – كما أخبرني أحدهم – العيال تموت، لم يعد شيء يستحق، ولماذا لم تنزل من قبل؟ الإجابة: كنت حائراً!!

"الكنباوية" شاركوا في ستة استحقاقات انتخابية، تعديل دستور، انتخابات برلمان، وشورى، ورئاسة، وإعادة، ودستور جديد. صدقوا، ملأوا الشوارع، طوابير أمام اللجان، نزلوا، أدوا ما عليهم، ووصل الفصيل الوحيد الذي رأوه جاهزا للحكم.

غير صحيح أنهم ناخبو الزيت والسكر كما وصفهم إعلام مبارك، أو أنه جرى ابتزازهم بشعارات دينية، وإن كان بعضهم قد تورط في ذلك، "الكنباوية" انتخبوا من صدقوه، ولم يشعروا حياله بالحيرة، تلك التي حرمتهم مرارا من المشاركة. الجاهز نجح، الدليل هو نجاح الكثيرين من غير الإخوان حال جاهزيتهم، وبأصوات حزب الكنبة. مصطفى النجار في مدينة نصر، عمرو حمزاوي في مصر الجديدة، البدري فرغلي في بور سعيد، عصام سلطان في دمياط، حتى من خسر، "صفوان محمد" أوشك على النجاح في الإسكندرية، وفاز أحد منافسيه في الإعاده بأصواته، أغلبها أصوات كنباوية، نموذج "صفوان" تكرر مع كثير من نصف الخاسرين، الأحصنة السوداء، التي كادت أن تدرك السباق، دلالة على فاعلية الناس في حال صدقوا..

الناس بذلوا ما استطاعوا، ولم يجدوا شيئا، لا قيمة هنا للتفاصيل، أنى لهم أن يدركوها وقد أغرقهم كل فصيل بما لديه، في تضارب للمعلومات، والتحليلات، والشائعات، واليقينيات التي تضرب في يقينيات، والفتاوى التي تتضارب مع فتاوى، الإيمان والإيمان المضاد، والكفر والكفر المضاد، هوس، أنى لهم أن يميزوا؟!

أما من يدعي فهما، فهو فهم الفرقة، الأيديولوجي، لا يجاوزه إلى غيره، وأما الناس، فهم يسمعون الجميع، فهل لمن يسمع الجميع في مصر الآن نصيب إلا الجنون؟ مجرد احتفاظهم بعقولهم، وإعلانهم عدم تصديق أحد، ومجرد اكتفائهم بـ "الفرجة"، دليل على أنهم أكثرنا عقلاً.

"حزب الكنبة" شاركوا في تفويض السيسي، حقيقة لا فكاك منها، صدقوه، أنباء الفض، والقتل، والسحل، لم تصلهم كما وصلتنا. إعلام الدولة، وأجهزتها السيارة بين الناس، كانوا أسبق منا، صدقوهم، صدقوا "محن" الرجل، إن جاز وصفه بالرجولة، تحركت مشاعرهم مع وعوده بالحنو، وتجاوز بؤس الحال، لم يجدوا طوال تاريخهم من يحنو عليهم، هذه حقيقة، السخرية من ضعف الناس دليل على ضعف صاحبه، وبؤسه النفسي والعقلي، لم يخطىء الناس فيما فعلوا، انتخبوا مرسي وفوضوا السيسي، ساروا وراء الصوت الواضح، وحين اختلطت عليهم الأصوات، سكتوا، ما المطلوب أكثر من ذلك؟

في تصوري، أن الناس في مصر الآن لا يريدون الجنرال، حقيقة لا ينكرها سوى مؤيديه، وسوى مناضلي كوستا وستاربكس، من يمشي في شوارع القاهرة الآن يدرك ذلك بوضوح، شعبية السيسي تراجعت، الناس تعبت من الغلاء، والدم، والكذب، لكنهم لا يجدون من يستحق التصديق، المشكلة فينا، نحن غائبون، وستظل "الكنبة" ما بقى الغياب.

(مصر)
المساهمون