عن جرائم ما بعد الانقلاب
انطلاقاً من عدم الفصل بين الأعمال التحضيرية للانقلاب العسكري في مصر، والتي نضجت على مسرح السلطة المتمردة على الإرادة الشعبية، في الثلاثين من يونيو/ حزيران من العام الماضي، وبين الإعلان عن خارطة طريق الانقلابيين في الثالث من يوليو/ تموز نفسه، على اعتبار أن تلك الأعمال التحضيرية تُعد جزءاً من جريمة الانقلاب، الذي ما كان له أن يتم بدونها.
وبهذا، تتهاوى، من حيث المبدأ، حجج الانقلابيين المرتدّين، الذين يحاولون، الآن، التنصل من مسؤوليتهم الأخلاقية والإنسانية على الأقل، عن الجرائم الإنسانية التي تلت جريمة الانقلاب العسكري الذي شاركوا فيه، ونظّروا له، ووفروا الغطاء اللازم لوقوعه، تأسيساً على أنهم شاركوا فقط في الانقلاب، وباركوه من دون الموافقة على ما تلا ذلك من جرائم دموية، أبرزها مجزرتا فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة.
وبما أن الانقلاب جريمة قانونية ودستورية، ينطبق عليها ما ينطبق على الجرائم الأخرى ذات الأوصاف الجنائية المشددة، كالاغتصاب، أو السرقة بالإكراه، أو السرقة من منزل ليلاً، فإن لهذا الزعم ما يدحضه في نظرية القصد الاحتمالي للمجرم، في وقت وقوع الجريمة.
وعلى هذا النحو، تكون كل الجرائم الإنسانية التي ارتكبها الانقلابيون، بعد تنفيذ جريمة الانقلاب، واقعة على مسؤولية جميع من شارك في جريمة الانقلاب، ومسؤوليتهم لو لم تكن قانونية، فهي إنسانية وأخلاقية، ولو كان منهم من ارتد عنه بعد ذلك، أو قفز من سفينته المتهالكة، خصوصاً إذا كانت ظروف الحال، في ذلك الوقت، تدل على وقوع مثل تلك الجرائم التي افتتح معرضها الانقلابيون في مجزرتي الحرس والمنصة، مروراً برابعة والنهضة، وحتى الجرائم الأسبوعية التي ترتكب كل يوم جمعة، صموداً ورفضاً للانقلاباً.
لذلك، لا مكان للقول بغير ذلك، خصوصاً مع إدراك الجميع بالانقسام الشعبي الذي كان ولايزال حول القبول بالانقلاب أو رفضه، ما يعنى أن من ظن منهم أن الانقلاب، بغض النظر عن كونه جريمة في حد ذاته، سيمر من دون إراقة دماء، يكون قد غلبه الوهم أو الادعاء.