23 أكتوبر 2024
عن الهجمة على المركز العربي
يتعرّض المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات منذ مدة، وبصورة مستمرة تقريبا، لهجمات تتناول دوره، وشخص مديره المفكر العربي البارز عزمي بشارة. أخذت هذه الهجمات منحى شديدًا في ذروة المعركة على التغيير الديمقراطي في العالم العربي، وتجدّدت في الأزمة الخليجية التي تعد امتدادا لتلك المعركة، وما زالت مستمرة.
ليس مستغربا أن يكون المركز العربي في قلب الصراع الجاري اليوم على روح المنطقة العربية ومستقبلها بين تيارين فكريين متعارضين: الأول، ديمقراطي مدني، يؤدّي المركز العربي فيه دوراً رائداً، سواء على صعيد إنتاجه الفكري، أو تحديد الأجندة البحثية العربية، أو إثارة أسئلة النهضة المزمنة. يرى هذا التيار أن الاستبداد هو آفة كل الأمراض العربية، وأن التغيير الديمقراطي هو السبيل الوحيد لنهوض الأمة، واستعادة كرامتها، وتفجير طاقاتها، البشرية الشابة تحديدًا، واستثمارها في عملية البناء والدفاع والتنمية، وأن فلسطين كانت، وما زالت، وستبقى قضية الشعوب العربية الأولى، والوجه الآخر لنضالها من أجل الحرية والكرامة واستعادة الحقوق، ذلك أن الاستبداد والاحتلال وجهان لعملة واحدة.
التيار الآخر، هو تيار "أخوية الاستبداد" (brotherhood of tyranny)، ويمثله النظام الرسمي العربي، ونخبه الأوتوقراطية الحاكمة، ودوائر من المثقفين تنظر إلى شعوبها بفوقية، وترى أنها لا تحكم بغير القوة. وهو تيارٌ معادٍ للديمقراطية في المبدأ، يرفض أي تغيير سياسي، تفزعه الثورات، ويخيفه مشهد الجماهير المحتشدة، يدّعي أنه ليبرالي، لكن طروحاته خالية من أي "دسم" ليبرالي في المجال السياسي، فهو يتبنّى أشكالا متطرّفة من الليبرالية الاجتماعية، ويعتمد نظام السوق الحر، إنما يعادي أي ليبرالية سياسية، ويدعم إقامة نظام إقليمي سلطوي محافظ. لذلك عندما قامت ثورات الربيع العربي، وجد هذا المعسكر نفسه في معركةٍ فاصلةٍ مع الشعوب، يقاتل من أجل البقاء والحفاظ على ما بيديه من سلطاتٍ وامتيازاتٍ وثروات.
وباعتبارهما نقيضين، كان طبيعيا أن يدخل هذان التياران في مواجهة شرسة بشأن مستقبل المنطقة العربية ونموذجها التنموي والسياسي، وهويتها الثقافية والحضارية. وإن بلغ الإفلاس بـ"أخوية الاستبداد" وحرّاس هيكلها حد استخدام القدح والذم والتجريح الشخصي فيها. ولكن، حتى هذه السلوكيات، وإن بدت مستهجنة، إلا أنها ليست مستغربةً من معسكر يقاتل من أجل البقاء. المستغرب فعلا والمثير للدهشة حقًا أن تتخذ مؤسسات إعلامية غربية عريقة، مثل وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب)، وهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، الموقف نفسه، وأن تهاجم المركز العربي ومشروعه الفكري، وتحاول طمس وتشويه دوره التنويري والتغييري في العالم العربي. إذ يفترض بهذه الوسائل الإعلامية التي تعد قائدة في مجال الدفاع عن حرية الرأي والفكر والتعبير والتعدّدية السياسية ونشر الديمقراطية، (والتي هي صلب رسالتها ومنطق وجودها) أن تجد نفسها في صف المركز العربي، لا ضده.
لتفسير هذا الموقف الغريب، يجد المرء نفسه أمام احتمالين. الأول أن هذه المؤسسات الغربية العريقة اخترقتها "أخوية الاستبداد" عن طريق صحافيين هامشيين يحملون أجنداتها، ويعبرون عن مواقفها. الاحتمال الآخر أن هذه المؤسسات باتت تتبنّى أفكارا ورؤى قريبة من هذا المعسكر وتشاركه، من ثم، الرأي بأن الشعوب العربية قاصرة، ولا تستحق الديمقراطية، "لخصوصيةٍ" فيها، نابعةٍ من أسباب ثقافية أو حضارية أو فكرية، وأن الأنظمة الاستبدادية القائمة تعد ضرورة لضبطها ومنعها من سلوك مسلك الفوضى. وإذ وجد هذا الموقف، الذي غدا معجبا بالاستبداد، ممجدا للطغاة، في بعض المؤسسات الإعلامية الغربية، فهو يعدّ تراجعًا كبيرًا باتجاه تبنّي مواقف ونظريات كانت سائدةً في عهود السيطرة الاستعمارية.
نحسن الظن، ونقول إن الاحتمال الأول هو الأرجح. وفي هذه الحالة، على هذه المؤسسات، بما لها من تاريخ عريق في الدفاع عن الحريات والديمقراطية، التحرّك لإنقاذ سمعتها وتصحيح خطئها، لأن الاحتمال الثاني، إذا تبينت صحته، فهو بدون شك كارثي، لأنه لا ينم فقط عن انبعاث مواقف عنصرية، كنا نعتقد أنها اندثرت تجاه المنطقة العربية، بل ينم أيضا عن تراجعٍ كبير في القيم والأفكار الليبرالية (libertarian values) في قلب النموذج الديمقراطي الغربي، يرافقه تنامي الإعجاب بنوعٍ مما غدا يسمى في الأدبيات السياسية الغربية الاستبداد الحداثوي (authoritarian modernity) أو الاستبداد الليبرالي!
ليس مستغربا أن يكون المركز العربي في قلب الصراع الجاري اليوم على روح المنطقة العربية ومستقبلها بين تيارين فكريين متعارضين: الأول، ديمقراطي مدني، يؤدّي المركز العربي فيه دوراً رائداً، سواء على صعيد إنتاجه الفكري، أو تحديد الأجندة البحثية العربية، أو إثارة أسئلة النهضة المزمنة. يرى هذا التيار أن الاستبداد هو آفة كل الأمراض العربية، وأن التغيير الديمقراطي هو السبيل الوحيد لنهوض الأمة، واستعادة كرامتها، وتفجير طاقاتها، البشرية الشابة تحديدًا، واستثمارها في عملية البناء والدفاع والتنمية، وأن فلسطين كانت، وما زالت، وستبقى قضية الشعوب العربية الأولى، والوجه الآخر لنضالها من أجل الحرية والكرامة واستعادة الحقوق، ذلك أن الاستبداد والاحتلال وجهان لعملة واحدة.
التيار الآخر، هو تيار "أخوية الاستبداد" (brotherhood of tyranny)، ويمثله النظام الرسمي العربي، ونخبه الأوتوقراطية الحاكمة، ودوائر من المثقفين تنظر إلى شعوبها بفوقية، وترى أنها لا تحكم بغير القوة. وهو تيارٌ معادٍ للديمقراطية في المبدأ، يرفض أي تغيير سياسي، تفزعه الثورات، ويخيفه مشهد الجماهير المحتشدة، يدّعي أنه ليبرالي، لكن طروحاته خالية من أي "دسم" ليبرالي في المجال السياسي، فهو يتبنّى أشكالا متطرّفة من الليبرالية الاجتماعية، ويعتمد نظام السوق الحر، إنما يعادي أي ليبرالية سياسية، ويدعم إقامة نظام إقليمي سلطوي محافظ. لذلك عندما قامت ثورات الربيع العربي، وجد هذا المعسكر نفسه في معركةٍ فاصلةٍ مع الشعوب، يقاتل من أجل البقاء والحفاظ على ما بيديه من سلطاتٍ وامتيازاتٍ وثروات.
وباعتبارهما نقيضين، كان طبيعيا أن يدخل هذان التياران في مواجهة شرسة بشأن مستقبل المنطقة العربية ونموذجها التنموي والسياسي، وهويتها الثقافية والحضارية. وإن بلغ الإفلاس بـ"أخوية الاستبداد" وحرّاس هيكلها حد استخدام القدح والذم والتجريح الشخصي فيها. ولكن، حتى هذه السلوكيات، وإن بدت مستهجنة، إلا أنها ليست مستغربةً من معسكر يقاتل من أجل البقاء. المستغرب فعلا والمثير للدهشة حقًا أن تتخذ مؤسسات إعلامية غربية عريقة، مثل وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب)، وهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، الموقف نفسه، وأن تهاجم المركز العربي ومشروعه الفكري، وتحاول طمس وتشويه دوره التنويري والتغييري في العالم العربي. إذ يفترض بهذه الوسائل الإعلامية التي تعد قائدة في مجال الدفاع عن حرية الرأي والفكر والتعبير والتعدّدية السياسية ونشر الديمقراطية، (والتي هي صلب رسالتها ومنطق وجودها) أن تجد نفسها في صف المركز العربي، لا ضده.
لتفسير هذا الموقف الغريب، يجد المرء نفسه أمام احتمالين. الأول أن هذه المؤسسات الغربية العريقة اخترقتها "أخوية الاستبداد" عن طريق صحافيين هامشيين يحملون أجنداتها، ويعبرون عن مواقفها. الاحتمال الآخر أن هذه المؤسسات باتت تتبنّى أفكارا ورؤى قريبة من هذا المعسكر وتشاركه، من ثم، الرأي بأن الشعوب العربية قاصرة، ولا تستحق الديمقراطية، "لخصوصيةٍ" فيها، نابعةٍ من أسباب ثقافية أو حضارية أو فكرية، وأن الأنظمة الاستبدادية القائمة تعد ضرورة لضبطها ومنعها من سلوك مسلك الفوضى. وإذ وجد هذا الموقف، الذي غدا معجبا بالاستبداد، ممجدا للطغاة، في بعض المؤسسات الإعلامية الغربية، فهو يعدّ تراجعًا كبيرًا باتجاه تبنّي مواقف ونظريات كانت سائدةً في عهود السيطرة الاستعمارية.
نحسن الظن، ونقول إن الاحتمال الأول هو الأرجح. وفي هذه الحالة، على هذه المؤسسات، بما لها من تاريخ عريق في الدفاع عن الحريات والديمقراطية، التحرّك لإنقاذ سمعتها وتصحيح خطئها، لأن الاحتمال الثاني، إذا تبينت صحته، فهو بدون شك كارثي، لأنه لا ينم فقط عن انبعاث مواقف عنصرية، كنا نعتقد أنها اندثرت تجاه المنطقة العربية، بل ينم أيضا عن تراجعٍ كبير في القيم والأفكار الليبرالية (libertarian values) في قلب النموذج الديمقراطي الغربي، يرافقه تنامي الإعجاب بنوعٍ مما غدا يسمى في الأدبيات السياسية الغربية الاستبداد الحداثوي (authoritarian modernity) أو الاستبداد الليبرالي!