عن النصر في معركة بدر

30 مايو 2019
+ الخط -
فرحة نصر بدر لن تزول من النفوس المؤمنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وكيف لنا أن ننسى معركة نعيش آثار النصر فيها إلى يومنا هذا، لذلك دأب المسلمون على دراستها واستعراض أحداثها حتى يفرحوا بنصرها، ويتعلموا من أبطالها طريقة استجلاب النصر في أحلك الظروف وأكثرها استحالة وتعقيداً. ومن الأمورالتي توقفت أمامها طويلاً عند دراستي غزوة بدر؛ المهارة القتالية الفائقة التي ظهرت لدى الصحابة عند احتدام المعركة، وكان سبب حيرتي أن الصحابة الكرام، رضوان الله عليهم، كانوا حديثي عهد، فهم كانوا في الأمس القريب مضيقاً عليهم في مكة، مستضعفين فيها، تشهد طرقاتها ودروبها على الأذى الذي لحق بهم من كفار قريش.
ومع معرفتي أن صبرهم على هذا الأذى والاستضعاف كان امتثالاً منهم لأوامر الله، إلا أن طبائع الأمور تقضي بأن هذه الفترة الطويلة من الاستضعاف والإعراض عن الجاهلين لن تترك النفوس بدون أثر، فنحن هنا نتكلم عن ثلاثة عشر عاماً، كفيلة بأن تجعل من الدخول في مواجهة أمراً في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً. وقد جعلني هذا الأمر أبحث عن السبب أو الأسباب التي أدت إلى هذه النقلة القوية في نفسية الصحابة، الأمر الذي انعكس على أدائهم القتالي، وثباتهم الانفعالي في أرض بدر، ووجدت أننا هنا يجب أن نفرق بين المهاجرين والأنصار عند معالجة فكرة القدرة القتالية.
أولاً: بالنسبة للمهاجرين: يجب أن نضع في اعتبارنا أن غزوة بدر كانت في العام الثاني من الهجرة، وببعض البحث سنجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجلس في المدينة طوال هذه العام منتظراً ما ستتمخض عنه الأيام، أو أنه لم يكن منتظراً ليرى موقف قريش من المدينة وسكانها بعد أن آوت المهاجرين، ولكنه خرج بنفسه الشريفة وبعث سراياه في كل المناطق المحيطة بالمدينة، بل إنه وصل في سرية نخلة، المهمة جداً، إلى قرب حدود مكة، ومن أهم الملاحظات على هذه السرايا والغزوات والتي بلغت أربع غزوات وأربع سرايا، والناس تغفل عنها لضخامة النتائج المترتبة على غزوة بدر، أنها قامت في الأساس على المهاجرين.
وبطبيعة الحال، أسهمت هذه الغزوات في رفع الكفاءة القتالية والقوة النفسية عند المهاجرين، والذين تحولوا فيها من مجرد الصبر على الاستضعاف - على عظم القوة النفسية التي يتطلبها - إلى الهجوم على معاقل الكفار، وقطع طرق تجارتهم في معظم أرجاء الجزيرة العربية، ولم ترفع هذه الغزوات والسرايا فقط من القوة القتالية عند الصحابة؛ بل إنها وصلت بقدرتهم على الحصول على معلومات من أرض العدو لدرجة عالية جدا من الكفاءة والاحترافية. وقد كانت هذه الغزوات والسرايا تدريباً حصد المسلمون ثمار تعبه عند لقائهم بمشركي قريش على أرض بدر.
ثانياً: بالنسبة للأنصار: لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد درب المهاجرين على القتال والكر والفر وجمع الاستخبارات عن تحركات العدو وخطوط تجارته، فكيف أظهر الأنصار تلك الشجاعة والقوة في أرض المعركة؟ وهذا سؤال مهم هو الآخر نستطيع الإجابة عليه بالآتي: لو أننا نظرنا إلى وضع المدينة قبل أن يشرفها الله بهجرة رسوله صلى الله عليه وسلم إليها، وقد كانت في هذا الوقت ما زالت تسمى يثرب، لوجدنا أنها كانت أرضاً تعج بالفتن والمشاكل الداخلية، فيثرب كانت مسكونة بقبيلتي الأوس والخزرج شديدتي العداء لبعضهما البعض، بالإضافة لليهود الذين حرصوا على إذكاء نار الفتنة بين الأوس والخزرج بصورة مستمرة لكي لا يتحدوا ويصبحوا قوة واحدة تهدد وجودهم في المدينة.
وهذا الوضع القلق جعل أهل يثرب في استعداد مستمر للقتال، فتجدهم مثلاً يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم أثناء بيعة العقبة الثانية، التي سميت ببيعة النصرة، أو الحرب: " فَنَحْنُ وَاللَّهِ أَهْلُ الْحَلْقَةِ وَالْحَرْبِ، وَرِثْنَاهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ"، والحلقة السلاح، فالأنصار كانوا قوماً حديثي عهد بحرب أهلية كانت آخر مشاهدها حرب بعاث التي جرت بين الأوس والخزرج قبل الهجرة بقليل.
هذا كله إلى جانب خضوع الصحابة لقيادة أشجع الخلق، صلى الله عليه وسلم، الذي كان أشجع الصحابة يحتمون به عند اشتداد الخطر وسيطرة الخوف على النفوس، فكلنا نعرف شجاعة سيدنا علي بن أبي طالب وفروسيته، التي اعتبرها العقاد مفتاح شخصيته عندما أراد البحث عن مفتاح لشخصية علي بن أبي طالب، هذا الفارس الشجاع يقول: "كنا إذا حمي الوطيس واشتد القتال احتمينا برسول الله، فلم يكن أحد أقرب إلى العدو من رسول الله".
015049DB-96A2-4A1C-B7A9-AAAE061DD525
015049DB-96A2-4A1C-B7A9-AAAE061DD525
علي خيري (مصر)
علي خيري (مصر)