30 مايو 2019
الطاعم الكاسي
علي خيري (مصر)
كان الحطيئة شاعر هجاء خبيث اللسان، لم يترك شخصاً تعامل معه إلا وهجاه، هجا زوجته ووالده ووالدته وخاله وعمه، ولا أظن أنك ستتعجب كثيرا بعد ذلك لو قلت لك أنه هجا نفسه.
كان الحطيئة يتعيّش من قول الشعر، فكانت الناس تعطيه اتقاءً لشره، ولتتجنّب بذاءة هجائه وقدحه، فكان ينزل على الأمير أو سيد القوم، فيمدحه بقصيدة من شعره الذي اشتهر أيضا بجودته، فيعطيه هذا الأمير أو السيد أجر هذا المدح، فإن لم يعطه ما توّقعه انصرف عنه وهجاه.
وكان الحطيئة قد نزل على سيد قوم، يدعى الزبرقان بن بدر، واستضافه هذا الرجل وأكرمه، إلى أن ظهر للحطيئة منه ما كره، فتركه ونزل على خصوم للزبرقان، وهجاه بقصيدةٍ منها بيت يقول: دع الـمكارم لا تـرحل لبغيتها/ وأقـعد فـأنت الطاعم الكاسي، فلما سمع الزبرقان هذا البيت، غضب غضباً شديداً، وشعر أنّ شرفه أهين، فذهب من فوره يشكو الحطيئة عند أمير المؤمنين.
أتدرون من أمير المؤمنين الذي حدثت هذة القصة في عهده؟ إنّه عمر الفاروق، سمع أمير المومنين الأبيات، بعدما سمع شكاية الزبرقان التي قال فيها إنّ الحطيئة قد هجاني وشهّر بي، وسأله: ماذا في الأبيات؟ لقد وصفك بالطاعم الكاسي، ولا أرى في الأبيات إلا عتابا! فردّ عليه الزبرقان: لا والله، يا أمير المؤمنين، لقد هجاني، أو ما تبلغ من مروءتي إلا أن أكل وألبس.
وإزاء هذا التصميم من الزبرقان، انتدب أمير المؤمنين عمر خبيرين للفصل في هذة المسألة الفنية، ولم يكونا إلا الصحابيين الشاعرين حسان بن ثابت ولبيد بن ربيعة، اللذين أكدا أنّ الأبيات هجاءً صريحاً، فقال الأول: الحطيئة لم يهجه، ولكنه سلح عليه. وقال الثاني: ما يسرّني أنّه لحقني من هذا الشعر ما لحقه، وأنّ لي حمر النعم، فأمر عمر بحبس الحطيئة في قصة طويلة.
وأكثر ما لفت نظري في هذه القصة الطريفة، هو استنكار الزبرقان صفات لو قيلت لأيّ شخص من أهل زماننا لطار بها فرحاً، فيكفي أن تقول عن شخص: إنّ فلاناً هذا في حاله، ولا همّ له إلا إعالة أهله، وكافي خيره شره، لكن هذا الرجل العربي الشهم استنكف أن يكون هذا هو فقط همه في الحياة، فأين هو من هموم أمته، والأخطار المحيطه بها من كل جانب، من يدفعها إنّ صار كلّ همه في الحياة هو توفير الطعام والكساء. لذلك، لا أعجب كثيراً من أنّ هذا الجيل هو الذي فتح العالم.
لا أقلّل أبداً من اهتمامك بإعالة نفسك وأهلك، فهذا فرض عليك، واجتهادك في السعي عليه شيء رائع، ولكنّي أربأ بك أن يكون هذا هو مبلغ عزمك ونهاية همتك. علينا، ونحن في دوّامة التكّسب من أجل أكل العيش، ألا نغفل عن هموم أمتنا ولو لحظة، فلو لم تكن تستطيع التغيير، فما عليك إلا بلاغ الحق لمن تعرف، وإحسان التربية لمن تعول.
وإياك، وأنت تعيل أهلك، أن تضيّعهم بعدم التوعية والتربية على حمل هموم الأمة، فكفا بالمرء إثماً أن يضيّع من يعول، ولا تسمح لأيّ أحد أن يقعدك عن المكارم، ولا أريدك بأن تفاخر فقط بأنّك الطاعم الكاسي.
كان الحطيئة يتعيّش من قول الشعر، فكانت الناس تعطيه اتقاءً لشره، ولتتجنّب بذاءة هجائه وقدحه، فكان ينزل على الأمير أو سيد القوم، فيمدحه بقصيدة من شعره الذي اشتهر أيضا بجودته، فيعطيه هذا الأمير أو السيد أجر هذا المدح، فإن لم يعطه ما توّقعه انصرف عنه وهجاه.
وكان الحطيئة قد نزل على سيد قوم، يدعى الزبرقان بن بدر، واستضافه هذا الرجل وأكرمه، إلى أن ظهر للحطيئة منه ما كره، فتركه ونزل على خصوم للزبرقان، وهجاه بقصيدةٍ منها بيت يقول: دع الـمكارم لا تـرحل لبغيتها/ وأقـعد فـأنت الطاعم الكاسي، فلما سمع الزبرقان هذا البيت، غضب غضباً شديداً، وشعر أنّ شرفه أهين، فذهب من فوره يشكو الحطيئة عند أمير المؤمنين.
أتدرون من أمير المؤمنين الذي حدثت هذة القصة في عهده؟ إنّه عمر الفاروق، سمع أمير المومنين الأبيات، بعدما سمع شكاية الزبرقان التي قال فيها إنّ الحطيئة قد هجاني وشهّر بي، وسأله: ماذا في الأبيات؟ لقد وصفك بالطاعم الكاسي، ولا أرى في الأبيات إلا عتابا! فردّ عليه الزبرقان: لا والله، يا أمير المؤمنين، لقد هجاني، أو ما تبلغ من مروءتي إلا أن أكل وألبس.
وإزاء هذا التصميم من الزبرقان، انتدب أمير المؤمنين عمر خبيرين للفصل في هذة المسألة الفنية، ولم يكونا إلا الصحابيين الشاعرين حسان بن ثابت ولبيد بن ربيعة، اللذين أكدا أنّ الأبيات هجاءً صريحاً، فقال الأول: الحطيئة لم يهجه، ولكنه سلح عليه. وقال الثاني: ما يسرّني أنّه لحقني من هذا الشعر ما لحقه، وأنّ لي حمر النعم، فأمر عمر بحبس الحطيئة في قصة طويلة.
وأكثر ما لفت نظري في هذه القصة الطريفة، هو استنكار الزبرقان صفات لو قيلت لأيّ شخص من أهل زماننا لطار بها فرحاً، فيكفي أن تقول عن شخص: إنّ فلاناً هذا في حاله، ولا همّ له إلا إعالة أهله، وكافي خيره شره، لكن هذا الرجل العربي الشهم استنكف أن يكون هذا هو فقط همه في الحياة، فأين هو من هموم أمته، والأخطار المحيطه بها من كل جانب، من يدفعها إنّ صار كلّ همه في الحياة هو توفير الطعام والكساء. لذلك، لا أعجب كثيراً من أنّ هذا الجيل هو الذي فتح العالم.
لا أقلّل أبداً من اهتمامك بإعالة نفسك وأهلك، فهذا فرض عليك، واجتهادك في السعي عليه شيء رائع، ولكنّي أربأ بك أن يكون هذا هو مبلغ عزمك ونهاية همتك. علينا، ونحن في دوّامة التكّسب من أجل أكل العيش، ألا نغفل عن هموم أمتنا ولو لحظة، فلو لم تكن تستطيع التغيير، فما عليك إلا بلاغ الحق لمن تعرف، وإحسان التربية لمن تعول.
وإياك، وأنت تعيل أهلك، أن تضيّعهم بعدم التوعية والتربية على حمل هموم الأمة، فكفا بالمرء إثماً أن يضيّع من يعول، ولا تسمح لأيّ أحد أن يقعدك عن المكارم، ولا أريدك بأن تفاخر فقط بأنّك الطاعم الكاسي.
مقالات أخرى
21 ديسمبر 2016
10 نوفمبر 2016
23 سبتمبر 2016