14 فبراير 2018
عن العلاقات العربية الأوروبية.. تعقيب على برهان غليون
مصطفى الدروبي
يستعرض برهان غليون، في بداية مقاله "العلاقات العربية الأوروبية بعد الثورات العربية"، في "العربي الجديد" في 3/12/ 2018، حال أوروبا في اللحظة الراهنة، بعد أن تخلّت عنها الولايات المتحدة، ومن ذلك أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رفع شعار "أميركا أولاً" والآخرون إلى الجحيم، وفق مبدأ مقيتٍ عانت منه البشرية طويلاً مع صعود النازية والفاشية في أوروبا إبان ثلاثينيات القرن المنصرم وما زالت تداعياته ماثلة في الذاكرة الجمعية للأوروبيين والعالم قاطبة. حيث يرى أن "افتتاح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بفرعه الفرنسي، جاء في الوقت المناسب لإعادة الحوار بين "قارّتين"، أو عالمين، كان كل شيء، الجغرافيا، والتكامل الاقتصادي، والتاريخ المشترك، والمصاهرة الثقافية والفكرية، يحثّهما على التقارب والتعاون، لتكوين منطقة مزدهرة حول المتوسط، أو إعادة مجد هذه المنطقة التقليدي، لكنهما عملا العكس، وتحولا أكثر فأكثر إلى عدوّين معلنين وخصمين، ليس لأي منهما ثقة بالآخر".
هنا لا ندري من أي مصدر تاريخي استقى غليون العلاقة الحميمة والمجد التقليدي بين الشرق والغرب! أو "إعادة مجد هذه المنطقة التقليدي"، ونحن نعلم أن العلاقة تاريخياً بين الطرفين كانت قائمة، وما زالت، على التنابذ والتباعد والتوجس منذ قرون، حيث أطماع الغرب بدأت مع سطوة الروم على المشرق العربي منذ الحملة الصليبية الأولى عام 1096، وما تلاها من حملات متعاقبة، تركت كثيرا من غياب للثقة بين الطرفين، حيث سالت دماء غزيرة على أرض اللبن والعسل. ولم تتوقف أطماع الغرب بالعالم العربي منذ ذلك العهد، فهي مستمرّةٌ وقائمة على نزعة الهيمنة والنفوذ. ولهذا خشيت أوروبا، والغرب عموماً، من انتصار ثورات الربيع العربي، كونها لو نجحت ستقطع شريان اللبن والعسل عن القارة العجوز، والتي منعت قيام مشروع حداثي في المنطقة العربية منذ الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، وكسر مشروع محمد علي باشا، والذي كان واعداً بالكثير، ومنعه من النجاح لاحقاً، فالغرب لا يريد تمكين الشعوب من النهضة والتنمية، حيث لا مصلحة له بذلك، ولذا يدعم على الدوام النظام الرسمي العربي، كونه يمثل الناطور لمصالح "البيك" الإمبريالي فيما وراء البحار.
يستعرض غليون الندوة التي عقدت في باريس (28/11/2018) من خلال محورين،
توقف عندهما طرفا الحوار، ممثلا ضفتي المتوسط، حيث سيظل الباحثون العرب يناقشون نظراءهم الغربيين، مذكّرين إياهم بالعهد الاستعماري، وما تركه من آثار مؤلمة في عالم عربي، كان ذات عصر مصدر حضارةٍ ومدنيةٍ، إلا أن الفوبيا التي يعيشها الباحثون الغربيون من الإرهاب، وإعطاء حكوماتهم الأولية للأجندات الأمنية، نجدها غير مبرّرة، لأنهم للأسف يتناسون أن دولهم، وعبر العهود المتعاقبة، دعمت الأنظمة غير الشرعية في بلداننا، وعملت على تكريس ثقافة الاستبداد، ببعديْها، السياسي والديني، ولم تنتصر لطلائع النخب الليبرالية واليسارية، والتي كانت تطمح على الدوام إلى إشاعة الاستنارة والعقلانية وقبول الآخر، ما جعل قوى الظلام تتصدّر المشهد، وتصدّر إرهابها اليوم إلى المدن والساحات الأوروبية.
عملت حكومات المراكز الإمبريالية على الدوام، وخصوصا خلال سطوتها الكولونيالية على العالم الثالث عموماً، والعالم العربي خصوصاً، على تكريس الفقر والتخلف بسبب آليات النهب لمقدرات هذه البلدان، والذي استندت تاريخاً على منع قيام أي نهضة فكرية جدية للعالم العربي، ودعمت الأنظمة الديكتاتورية والقروسطية، وكيلا لها بعد الاستقلال السياسي، معتمدة إياها أنظمة أمنيةً، مهمتها حراسة التبعية. وهذا ما أكده برهان غليون لاحقا، والعمل على إبقائها واعتبار الشعوب مجرد قطعان تساق بعصي الحاكم العربي، وأجهزته القمعية وبطانته الفاسدة، وغض النظر عن دوس هذه الأنظمة على أبسط الحقوق التي أكدتها شرعة حقوق الإنسان. وما زال المشهد السوري ماثلاً أمامنا بكل فظائعه التي تفوق الوصف، من دون أن يعاقب النظام الأسدي ويحاسب على أفعاله. وما تنامي قوى اليمين العنصري ونهوض التيار الشعبوي في أوروبا اليوم سوى نتيجة لهذه السياسات الأوروبية تجاه الجنوب، والذي أدى إلى تصاعد نمو هذا التيار، وردود أفعاله وانكماشه، لقاء تدفق الهجرة من الجنوب إلى الشمال، بشكلٍ فاق التوقعات.
يتوقع غليون أن العلاقات بين ضفتي المتوسط ستسوء أكثر، ويعزو ذلك إلى غياب سياسة موحدة من الاتحاد الأوروبي تجاه قضايا جنوب المتوسط. ونحن لا نرى ذلك، فجنوب المتوسط هو شريان حياة لاقتصاد أوروبا، كان وما زال، وكل المشكلة تكمن في الجانب الأوروبي الذي ارتأى أن يحمي الديكتاتوريات والأنظمة القروسطية ويعتاش على بقائها، فأدت هذه المراهنة إلى دخول شعوب المنطقة برمتها في حالة انسداد الآفاق، وعلى كل الصعد لتنتج عنفاً محلياً، عابراً للحدود لاحقاً، إضافة لإرهاب الدولة المتوحش الذي مارسته الأنظمة القمعية بمواجهة احتجاجات هذه الشعوب وثوراتها، حيث أوغلت بدمائها كثيراً بعد أن شجعها موقف الغرب المتفرج الذي باغته الربيع العربي، والذي لم ينتصر لثورات مدنية بهية، استقبلت سفراءه بالورود والرياحين في ميادين التظاهر، ليتنكر لها لاحقاً، مما أدى إلى حرف بوصلتها في ما بعد، ودخولها طور العسكرة وإحلال الرايات السوداء والصفراء بدل راياتها، مما أدخل عموم المنطقة بطور من التوحش الصادم والعبث المجنون.
ولهذا نستطيع القول: إن ثورات الربيع العربي التي اندلعت في بعض دول جنوب المتوسط،
وما آلت إليها أسقطت ورقة التوت عن دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان في غرب تشدّق بهما منذ عقود طويلة، حيث اكتشفت الشعوب المثخنة بالجراح، والتي تُرِكت تصارع الموت والجوع والحصار والقهر وحدها، أن لا رهان على غربٍ تحكمه المصالح قبل أي شيء آخر.
وبالتالي، نرى أن موجات الهجرة جاءت تعبيراً مكثّفاً عن سقوط أخلاقي مدوٍ لهذا الغرب، والذي لم يتوقف عن أنانيته وجشعه وطمعه بخيرات الشعوب المُفَقَرة والمُخَلَفَة، والتي أثقلت كواهلها الأزمات، فانداحت بطوفان هجراتها نحو غربٍ لم يمكّنها، أو على الأقل، لم يساعدها في وأد أنظمة عميلة وخائنة وفاسدة واستبدادية، حين دقّت ساعات ثوراتها.
يعود غليون لاحقاً ليقدم عذراً لتقاعس الحكومات الغربية تجاه الضفة الجنوبية من المتوسط، عازياً ذلك إلى تأثير حلف شمال الأطلسي (الناتو) وضغوطه على الإرادة الأوروبية، وكذلك ضغط اللوبيات اليهودية وتابو المسألة اليهودية الجديدة. وهذا لا يعفي، برأي كاتب هذه السطور أيضا، النظام العربي التابع، والذي يعاني من التشرذم والضعف وعدم التقدم نحو أوروبا بإرادة موحدة جامعة، دفاعاً عن المصالح العربية، وحيث دائماً تبنى العلاقات الدولية على أساس المصالح، على الرغم من انعقاد قمم عربية أوروبية عديدة، والتوقيع على اتفاقيات أورومتوسطية "للارتقاء للتعاون بين الطرفين".
يعود برهان غليون، في الجزء الثاني من مقاله، ليحمّل مسؤولية ما آل إليه الوضع العربي من تفجر أزمته الوجودية التي تعصف به الآن، من دون أن يحدّد الجهة المسؤولة عن هذا، فيما الغرب ومصالح طبقاته المتنفذة والمتحالفة مع الأنظمة الريعية في المنطقة العربية يتحملان المسؤولية كاملة بهذا الخصوص، لأن الشعوب التي لا حول لها ولا قوة، وهي المطاردة منذ عقود ما بعد الاستقلال، وما زالت من أنظمةٍ منعت مشاركتها في صناعة القرار السياسي، ولم تسمح لها، ولنخبها الليبرالية واليسارية، من الحضور في ساحات العمل السياسي، فالدول تُحَصّن بإرادة شعوبها، لا بمواقف حكامها، فالشعوب هي من تمنح الشرعية لهذا الحاكم أو ذاك، والذي يعبر في النهاية عن مصالحها، لا عن مصالحه وأسرته وكرسيه. وما النزاعات البينية بين الدول العربية والاحترابات الداخلية، والتي أخذت اليوم طابعاً دينياً طائفياً، إلا تعبير عن احتقان مديد وإفشال الغرب حتى لفكر نهضوي، تبرعم يوما ثم وئد، وكلنا يتذكر مآلات رواد النهضة العربية في بداية القرن التاسع عشر، والمصائر التي آلت إليها صيحاتهم وأحلامهم.
من جديد، يحمّل برهان غليون المسؤولية للشعوب، حيث يقول: "كلما تفاقمت القطيعة مع
أوروبا، والغرب عموما، تعمّق الحلف البنيوي بين حكوماتها والنظم الاستبدادية في المنطقة العربية". وهذا ظلم كبير يعيد تكراره غليون، لأن الشعوب التي انتفضت لتضع البوصلة في الاتجاه الصحيح، لاقت الرجم من الحاكم العربي، من دون أن يقدم لها الغرب أية مساعدة فعلية للخلاص من واقعها، وهذا يؤكد ما ذهبت إليه هذه المقالة بشأن الحلف المتين بين الغرب وأدواته الحاكمة في عالمنا العربي، وهذا ما شهدناه، وما زلنا نعيشه، فالغرب جزء من الثورة المضادة لثورات الشعوب الباحثة عن العدالة والحرية والكرامة، وهذه الشعوب التي قامت بانتفاضاتها من وحي ثورات الغرب التاريخية، ليست حاقدة عليه بسبب ثقافته وحضارته، بل بسبب انحياز حكوماته لأنظمة متخلفة وفاسدة ومستبدة، والحقيقة الجليّة أنّ أمن أوروبا من أمن الشعوب الأخرى، فالأمن واحد في هذا العالم، ولا يتجزأ، والشعوب كلها في مركبٍ واحد، وفي عالمٍ أضحى قرية كونية صغيرة، تتطلب ضرورات المرحلة المعاصرة تضافر جهود الجميع، من أجل غد أكثر أمناً وتنمية وسلاماً.
هنا لا ندري من أي مصدر تاريخي استقى غليون العلاقة الحميمة والمجد التقليدي بين الشرق والغرب! أو "إعادة مجد هذه المنطقة التقليدي"، ونحن نعلم أن العلاقة تاريخياً بين الطرفين كانت قائمة، وما زالت، على التنابذ والتباعد والتوجس منذ قرون، حيث أطماع الغرب بدأت مع سطوة الروم على المشرق العربي منذ الحملة الصليبية الأولى عام 1096، وما تلاها من حملات متعاقبة، تركت كثيرا من غياب للثقة بين الطرفين، حيث سالت دماء غزيرة على أرض اللبن والعسل. ولم تتوقف أطماع الغرب بالعالم العربي منذ ذلك العهد، فهي مستمرّةٌ وقائمة على نزعة الهيمنة والنفوذ. ولهذا خشيت أوروبا، والغرب عموماً، من انتصار ثورات الربيع العربي، كونها لو نجحت ستقطع شريان اللبن والعسل عن القارة العجوز، والتي منعت قيام مشروع حداثي في المنطقة العربية منذ الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، وكسر مشروع محمد علي باشا، والذي كان واعداً بالكثير، ومنعه من النجاح لاحقاً، فالغرب لا يريد تمكين الشعوب من النهضة والتنمية، حيث لا مصلحة له بذلك، ولذا يدعم على الدوام النظام الرسمي العربي، كونه يمثل الناطور لمصالح "البيك" الإمبريالي فيما وراء البحار.
يستعرض غليون الندوة التي عقدت في باريس (28/11/2018) من خلال محورين،
عملت حكومات المراكز الإمبريالية على الدوام، وخصوصا خلال سطوتها الكولونيالية على العالم الثالث عموماً، والعالم العربي خصوصاً، على تكريس الفقر والتخلف بسبب آليات النهب لمقدرات هذه البلدان، والذي استندت تاريخاً على منع قيام أي نهضة فكرية جدية للعالم العربي، ودعمت الأنظمة الديكتاتورية والقروسطية، وكيلا لها بعد الاستقلال السياسي، معتمدة إياها أنظمة أمنيةً، مهمتها حراسة التبعية. وهذا ما أكده برهان غليون لاحقا، والعمل على إبقائها واعتبار الشعوب مجرد قطعان تساق بعصي الحاكم العربي، وأجهزته القمعية وبطانته الفاسدة، وغض النظر عن دوس هذه الأنظمة على أبسط الحقوق التي أكدتها شرعة حقوق الإنسان. وما زال المشهد السوري ماثلاً أمامنا بكل فظائعه التي تفوق الوصف، من دون أن يعاقب النظام الأسدي ويحاسب على أفعاله. وما تنامي قوى اليمين العنصري ونهوض التيار الشعبوي في أوروبا اليوم سوى نتيجة لهذه السياسات الأوروبية تجاه الجنوب، والذي أدى إلى تصاعد نمو هذا التيار، وردود أفعاله وانكماشه، لقاء تدفق الهجرة من الجنوب إلى الشمال، بشكلٍ فاق التوقعات.
يتوقع غليون أن العلاقات بين ضفتي المتوسط ستسوء أكثر، ويعزو ذلك إلى غياب سياسة موحدة من الاتحاد الأوروبي تجاه قضايا جنوب المتوسط. ونحن لا نرى ذلك، فجنوب المتوسط هو شريان حياة لاقتصاد أوروبا، كان وما زال، وكل المشكلة تكمن في الجانب الأوروبي الذي ارتأى أن يحمي الديكتاتوريات والأنظمة القروسطية ويعتاش على بقائها، فأدت هذه المراهنة إلى دخول شعوب المنطقة برمتها في حالة انسداد الآفاق، وعلى كل الصعد لتنتج عنفاً محلياً، عابراً للحدود لاحقاً، إضافة لإرهاب الدولة المتوحش الذي مارسته الأنظمة القمعية بمواجهة احتجاجات هذه الشعوب وثوراتها، حيث أوغلت بدمائها كثيراً بعد أن شجعها موقف الغرب المتفرج الذي باغته الربيع العربي، والذي لم ينتصر لثورات مدنية بهية، استقبلت سفراءه بالورود والرياحين في ميادين التظاهر، ليتنكر لها لاحقاً، مما أدى إلى حرف بوصلتها في ما بعد، ودخولها طور العسكرة وإحلال الرايات السوداء والصفراء بدل راياتها، مما أدخل عموم المنطقة بطور من التوحش الصادم والعبث المجنون.
ولهذا نستطيع القول: إن ثورات الربيع العربي التي اندلعت في بعض دول جنوب المتوسط،
وبالتالي، نرى أن موجات الهجرة جاءت تعبيراً مكثّفاً عن سقوط أخلاقي مدوٍ لهذا الغرب، والذي لم يتوقف عن أنانيته وجشعه وطمعه بخيرات الشعوب المُفَقَرة والمُخَلَفَة، والتي أثقلت كواهلها الأزمات، فانداحت بطوفان هجراتها نحو غربٍ لم يمكّنها، أو على الأقل، لم يساعدها في وأد أنظمة عميلة وخائنة وفاسدة واستبدادية، حين دقّت ساعات ثوراتها.
يعود غليون لاحقاً ليقدم عذراً لتقاعس الحكومات الغربية تجاه الضفة الجنوبية من المتوسط، عازياً ذلك إلى تأثير حلف شمال الأطلسي (الناتو) وضغوطه على الإرادة الأوروبية، وكذلك ضغط اللوبيات اليهودية وتابو المسألة اليهودية الجديدة. وهذا لا يعفي، برأي كاتب هذه السطور أيضا، النظام العربي التابع، والذي يعاني من التشرذم والضعف وعدم التقدم نحو أوروبا بإرادة موحدة جامعة، دفاعاً عن المصالح العربية، وحيث دائماً تبنى العلاقات الدولية على أساس المصالح، على الرغم من انعقاد قمم عربية أوروبية عديدة، والتوقيع على اتفاقيات أورومتوسطية "للارتقاء للتعاون بين الطرفين".
يعود برهان غليون، في الجزء الثاني من مقاله، ليحمّل مسؤولية ما آل إليه الوضع العربي من تفجر أزمته الوجودية التي تعصف به الآن، من دون أن يحدّد الجهة المسؤولة عن هذا، فيما الغرب ومصالح طبقاته المتنفذة والمتحالفة مع الأنظمة الريعية في المنطقة العربية يتحملان المسؤولية كاملة بهذا الخصوص، لأن الشعوب التي لا حول لها ولا قوة، وهي المطاردة منذ عقود ما بعد الاستقلال، وما زالت من أنظمةٍ منعت مشاركتها في صناعة القرار السياسي، ولم تسمح لها، ولنخبها الليبرالية واليسارية، من الحضور في ساحات العمل السياسي، فالدول تُحَصّن بإرادة شعوبها، لا بمواقف حكامها، فالشعوب هي من تمنح الشرعية لهذا الحاكم أو ذاك، والذي يعبر في النهاية عن مصالحها، لا عن مصالحه وأسرته وكرسيه. وما النزاعات البينية بين الدول العربية والاحترابات الداخلية، والتي أخذت اليوم طابعاً دينياً طائفياً، إلا تعبير عن احتقان مديد وإفشال الغرب حتى لفكر نهضوي، تبرعم يوما ثم وئد، وكلنا يتذكر مآلات رواد النهضة العربية في بداية القرن التاسع عشر، والمصائر التي آلت إليها صيحاتهم وأحلامهم.
من جديد، يحمّل برهان غليون المسؤولية للشعوب، حيث يقول: "كلما تفاقمت القطيعة مع