09 ديسمبر 2018
في العلاقات السورية التركية
مصطفى الدروبي
منذ استقلال سورية عن فرنسا، مرّت العلاقات السورية التركية بحالة من العداء والتّأزم المستمرين، خصوصاً أنّ حدوداً طويلة مشتركة تجمع بين البلدين الجارين، وتمتد إلى أكثر من 900 كم طول، مزروعة بالألغام والحراسة المشدّدة (خصوصاً من الجانب التركي)، وكذلك وجود المجرى المشترك لنهر الفرات والتداخل الإثني والإرث الروحي الذي يجمع بين شعوب البلدين.
ازدادت العلاقات توّتراً حين هدّد الأتراك باجتياح الأراضي السورية عام 1998 بسبب إيواء النظام السوري (سابقاً) زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، والذي كان يرى فيه نظام دمشق أداة ضغط على تركيا... حينها اضطر حافظ الأسد للانحناء أمام العاصفة والإيعاز لأجهزته الأمنية بإخراج أوجلان، لتطارده أجهزة الأمن التركية إلى حين اعتقاله.
بعد ذلك، جاءت زيارة الرئيس التركي الأسبق، أحمد نجدت سيزر، دمشق عام 2000 لتدشّن مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، وحين فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية، وشُكّلت أول حكومة برئاسته عام 2002، حدثت استدارة واسعة في علاقات تركيا الخارجية مع دول الجوار، استنادا لرؤية أحمد داود أوغلو من خلال نظرية تصفير المشكلات وتجسير العلاقات مع الجميع، حيث رسم خارطة للسياسة الخارجية التركية، والتي عبّر عنها في كتابه العمق الاستراتيجي، والذي أراد القول فيه إنّ على تركيا أن تكون قريبة في علاقاتها مع الدول التي كانت تخضع لحكم السلطنة العثمانية في العهود السابقة، ويجب أن يكون لتركيا دور جديد في العالم.
من هنا، أخذت العلاقات التركية مع النظام السوري تتطوّر على عدّة صعد، حيث كانت تركيا عليمة بطبيعة هذا النظام، وآملة في كسر القشرة السميكة لبنيته الشمولية والدكتاتورية من خلال الرهان على الوريث الشاب الذي بدأ عهده بوعود الانفتاح والتحديث، وعقدت الآمال على أن تكون سورية بلداً منفتحاً بنظام سياسي يستوعب المتغيرات الدولية، وتكون سورية بوابة تركيا باتجاه العمق العربي.
دفع قادة حزب العدالة والتنمية العلاقات السورية التركية نحو مزيد من التفاهم والتعاون، فوُقّعت اتفاقيات عديدة، كاتفاقية إزالة الألغام من على جانبيّ الحدود، وفتح المعابر أمام السوريين والأتراك من دون سمة دخول، وإقامة منطقة حرّة ومشاريع صناعية وإنمائية وخدماتية متعددة.
في الجانب الثقافي، تشكّلت جمعياتٌ تهتم بهذا الشأن في كلا البلدين، وتمّ اعتماد تدريس اللغة التركية في جامعتي حلب ودمشق وكذلك تدريس العربية في جامعات أنقرة واسطنبول، وتصدّت الحكومة التركية للضغوط المتعدّدة من الغرب، ولم ترضخ لضغوط إدارة جورج بوش الابن التي عملت على عزل سورية وحصارها آنذاك، بل وأكثر من ذلك راح القادة الأتراك يجسّرون العلاقة بين النظام السوري ومختلف الدول الأوربية، وهذا ما ساعد النظام على عبور تلك المرحلة القاسية والصعبة.
لكن سنيّ العسل لم تطل، حيث تفجّر الربيع العربي كتسونامي، وامتدت موجاته نحو الشام، فسورية المتعطشة للحرية والعدالة والكرامة، لتدخل تركيا على خط الحدث السوري المزلزل، آملة أن لا تذهب سورية نحو المجهول. لذا، تقدّمت بالنصح لنظام لا يسمع ولا يمتثل للحكمة ولا للآراء الصائبة.
وحين تأكد الأتراك أنّ هذا النظام يفتقر الإحساس العالي بالمسؤولية، وأنّ من يقود سورية ليسوا رجال دولة، قرّرت الحكومة التركية سحب العاملين في سفارتها وإعلان موقفها الذي تمثّل بنصرة الشعب السوري، والوقوف إلى جانب ثورته.
سورية المستقرة والديمقراطية تمثل مصدر استقرار لتركيا ولأمنها أيضاً، في وضع جيوسياسي شديد الحساسية، وهذا ما أكدته مجريات الصراع وتعقيداته بعد خمس سنوات.
اليوم تركيا تدخلت عسكرياً في الشأن السوري، وهي آخر المتدخلين، حيث المخاطر الجديّة أضّحت تطرق أبوابها بقوّة، ولم يعد ثّمة وقت لمزيد من الانتظار، وما علينا سوى أن ننتظر لنعرف نتائج هذا التدخل واحتمالاته.
ازدادت العلاقات توّتراً حين هدّد الأتراك باجتياح الأراضي السورية عام 1998 بسبب إيواء النظام السوري (سابقاً) زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، والذي كان يرى فيه نظام دمشق أداة ضغط على تركيا... حينها اضطر حافظ الأسد للانحناء أمام العاصفة والإيعاز لأجهزته الأمنية بإخراج أوجلان، لتطارده أجهزة الأمن التركية إلى حين اعتقاله.
بعد ذلك، جاءت زيارة الرئيس التركي الأسبق، أحمد نجدت سيزر، دمشق عام 2000 لتدشّن مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، وحين فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية، وشُكّلت أول حكومة برئاسته عام 2002، حدثت استدارة واسعة في علاقات تركيا الخارجية مع دول الجوار، استنادا لرؤية أحمد داود أوغلو من خلال نظرية تصفير المشكلات وتجسير العلاقات مع الجميع، حيث رسم خارطة للسياسة الخارجية التركية، والتي عبّر عنها في كتابه العمق الاستراتيجي، والذي أراد القول فيه إنّ على تركيا أن تكون قريبة في علاقاتها مع الدول التي كانت تخضع لحكم السلطنة العثمانية في العهود السابقة، ويجب أن يكون لتركيا دور جديد في العالم.
من هنا، أخذت العلاقات التركية مع النظام السوري تتطوّر على عدّة صعد، حيث كانت تركيا عليمة بطبيعة هذا النظام، وآملة في كسر القشرة السميكة لبنيته الشمولية والدكتاتورية من خلال الرهان على الوريث الشاب الذي بدأ عهده بوعود الانفتاح والتحديث، وعقدت الآمال على أن تكون سورية بلداً منفتحاً بنظام سياسي يستوعب المتغيرات الدولية، وتكون سورية بوابة تركيا باتجاه العمق العربي.
دفع قادة حزب العدالة والتنمية العلاقات السورية التركية نحو مزيد من التفاهم والتعاون، فوُقّعت اتفاقيات عديدة، كاتفاقية إزالة الألغام من على جانبيّ الحدود، وفتح المعابر أمام السوريين والأتراك من دون سمة دخول، وإقامة منطقة حرّة ومشاريع صناعية وإنمائية وخدماتية متعددة.
في الجانب الثقافي، تشكّلت جمعياتٌ تهتم بهذا الشأن في كلا البلدين، وتمّ اعتماد تدريس اللغة التركية في جامعتي حلب ودمشق وكذلك تدريس العربية في جامعات أنقرة واسطنبول، وتصدّت الحكومة التركية للضغوط المتعدّدة من الغرب، ولم ترضخ لضغوط إدارة جورج بوش الابن التي عملت على عزل سورية وحصارها آنذاك، بل وأكثر من ذلك راح القادة الأتراك يجسّرون العلاقة بين النظام السوري ومختلف الدول الأوربية، وهذا ما ساعد النظام على عبور تلك المرحلة القاسية والصعبة.
لكن سنيّ العسل لم تطل، حيث تفجّر الربيع العربي كتسونامي، وامتدت موجاته نحو الشام، فسورية المتعطشة للحرية والعدالة والكرامة، لتدخل تركيا على خط الحدث السوري المزلزل، آملة أن لا تذهب سورية نحو المجهول. لذا، تقدّمت بالنصح لنظام لا يسمع ولا يمتثل للحكمة ولا للآراء الصائبة.
وحين تأكد الأتراك أنّ هذا النظام يفتقر الإحساس العالي بالمسؤولية، وأنّ من يقود سورية ليسوا رجال دولة، قرّرت الحكومة التركية سحب العاملين في سفارتها وإعلان موقفها الذي تمثّل بنصرة الشعب السوري، والوقوف إلى جانب ثورته.
سورية المستقرة والديمقراطية تمثل مصدر استقرار لتركيا ولأمنها أيضاً، في وضع جيوسياسي شديد الحساسية، وهذا ما أكدته مجريات الصراع وتعقيداته بعد خمس سنوات.
اليوم تركيا تدخلت عسكرياً في الشأن السوري، وهي آخر المتدخلين، حيث المخاطر الجديّة أضّحت تطرق أبوابها بقوّة، ولم يعد ثّمة وقت لمزيد من الانتظار، وما علينا سوى أن ننتظر لنعرف نتائج هذا التدخل واحتمالاته.