07 ابريل 2022
عن إخضاع السلطة الفلسطينية للقضاء الإسرائيلي
يتعمّق النقاش العام في المنطقة عن احتمال ضم إسرائيل مناطق في الضفة الغربية إليها، وفي الأثناء، أصدر قاضي المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس المحتلة قراراً بتغريم السلطة الفلسطينية 128 مليون دولار، بعد رفع إسرائيليين قضايا ضدها، بسبب مقتل أو إصابة أقارب لهم في عمليات فدائية فلسطينية قبل عشرين سنة. ويضاف هذا القرار إلى عدة قرارات سابقة أصدرتها محاكم إسرائيلية على السلطة، كما على بعض الفلسطينيين، في السياق نفسه، حيث تنشط في إسرائيل، في الآونة الأخيرة، عدة مؤسسات لمتابعة رفع القضايا على السلطة، وخصوصاً منظمة شورات هدين، وهنالك أكثر من مائة قضية أخرى مرفوعة أمام المحاكم الإسرائيلية ضد السلطة، لتعوض عائلات إسرائيلية على قتل أو إصابة أحد أفرادها في عمليات فلسطينية، بغض النظر عن الجهة التي نفذت العمليات، حتى وإن كانت حركتا حماس والجهاد الإسلامي.
لا يمكن قبول المحاكم الإسرائيلية قضايا ضد السلطة الفلسطينية، على اختلاف مستوياتها، من دون قرار واضح من أعلى المستويات، القضائية والسياسية الإسرائيلية، خصوصاً وأن القرار الجديد صدر عن قاضٍ في المحكمة المركزية في القدس المحتلة، وهي من المحاكم المتوسطة وليست ذات الاختصاصات الكبرى. وقد استلمت هذه المحكمة القضية وناقشتها وأنهت مداولاتها بالحكم، وكأن السلطة الفلسطينية مثل أي مؤسسة أو جمعية صغيرة تعمل في إسرائيل، وحسب القانون الإسرائيلي الذي يلغي الصفة القانونية للسلطة الفلسطينية كياناً مستقلاً يعمل في مناطق خارج ولاية القانون والقضاء الإسرائيليين، الأمر الذي يعني الضم القانوني والقضائي الفعلي للضفة الغربية، جغرافياً وسكاناً وسلطة، حيث تلاحق المحاكم الإسرائيلية مواطنين فلسطينيين وتحاكمهم على قضايا حدثت في مناطق السلطة.
كان التعامل الفلسطيني الرسمي مع الواقعة في مستوى أقل من المطلوب، وذهبت الأوساط
الرسمية، وكذا المتحدّثون باسم السلطة الفلسطينية، إلى وصف ما حدث بالبلطجة أو القرصنة، فيما ارتأى آخرون الحديث عن تداعياته على الاقتصاد الفلسطيني، وعلى قدرة السلطة من مواصلة التزاماتها، سواء تجاه موظفيها أو القيام بوظائفها الأخرى، الاجتماعية والتشغيلية، فيما لوح من لوح باللجوء إلى المؤسسات والمحاكم الدولية. وغابت عن نقاش قرار المحكمة الإسرائيلية الأبعاد الأكثر خطورة له، والمتمثلة بفرض الضم القضائي والقانوني الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية، بوصف هذه السلطة كياناً يفترض أن تكون له صفة قانونية خاصة به، وذلك انسجاماً مع قانون القومية اليهودية الذي تم تمريره في الكنيست الإسرائيلي، والذي يفرض السيادة السياسية والقانونية والقضائية على جغرافية ما تسمى أرض إسرائيل، الواقعة ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط. وفي خلفيات قرار المحكمة التحكّم في الدور الوظيفي للسلطة، ومنع كل ما لا يصب في مصلحة إسرائيل، انسجاماً مع الشعار الإسرائيلي أن سلطة فلسطينية ذات فوائد كثيرة لإسرائيل وقليلة للفلسطينيين تجعل الفلسطيني يحن لأيام الحكم العسكري الإسرائيلي المباشر، تعبيراً عن كي الوعي الفلسطيني.
على الرغم من التداعيات الاقتصادية والسياسية الكبيرة لقرارات المحاكم الإسرائيلية بتغريم السلطة بمئات الملايين من الدولارات لأسباب مختلفة، إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعدّاه كثيراً، باقتراح من مؤسسات وأفراد إسرائيليين، في الآونة الأخيرة، للتوجه إلى المحاكم الإسرائيلية، لمطالبتها بإلزام الحكومة الإسرائيلية بإيقاف تحويل عائدات السلطة الضريبية، تارة بحجة أن القيادة الفلسطينية مضى على انتخابها أكثر من 15 عاماً، ولم تعد شرعية إلى حين إجراء انتخابات جديدة، وتارة بالادعاء بفساد السلطة وعدم وصول الأموال إلى مستحقيها، وتارة بالادعاء أن السلطة لا تحترم حقوق الإنسان في مناطقها. وسواء قبلت المحاكم الإسرائيلية تلك القضايا أم لم تفعل، فذلك يشير إلى مزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية والقضائية على السلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة التي تتزامن مع مرحلة ضم الضفة الغربية، أو أجزاء منها، كما تنص على ذلك صفقة ترامب نتنياهو، الشهيرة باسم "صفقة القرن"، والرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية. وترمي الضغوط نفسها إلى ابتزاز السلطة الوطنية لثنيها عن محاولات مواجهة الصفقة، والقبول بدورها الوظيفي الأمني والاقتصادي كما تحدّده إسرائيل، أو التلويح بحلها أو استبدال قيادات أخرى أو دفعها إلى الإفلاس والانهيار لإعادة صياغة سلطات فلسطينية جديدة، منسجمة مع معالم المرحلة السياسية المقبلة.
واضح أن السلطة الفلسطينية في وضعٍ لا تحسد عليه، فهي غير قادرة على رفض تنفيذ قرارات
محاكم الاحتلال، لأن وزارة المالية الإسرائيلية ستخصم المبالغ المحدّدة في قرار المحكمة قبل تسليم مخصصات السلطة لها. ومن جهة ثانية، لا تستطيع السلطة الذهاب إلى المحكمة الإسرائيلية التي أصدرت القرار للاعتراض عليه، فذلك يعني إقراراً فلسطينياً رسمياً بولاية القضاء الإسرائيلي عليها، كما على الشعب الفلسطيني، وفي ذلك انتكاسة وتراجع سياسي وطني كبير. وبالتالي، ستنفذ إسرائيل قرارات محاكمها، الأمر الذي سيؤدي إلى إضعاف السلطة الفلسطينية من الاستمرار في تقديم خدماتها الوظيفية، ما يضعها في موقف صعب جداً، سواء أمام الشعب الفلسطيني أو أمام إسرائيل التي ستعمل على توظيف تراجع وضعف السلطة للابتزاز السياسي.
إسرائيل مستمرة في سياسات الضم والتهويد التي ستزداد في المرحلة المقبلة، وقد تطاول قرارات المحاكم الإسرائيلية مستقبلاً مؤسسات تابعة للسلطة، إما بمصادرة أموالها أو بإغلاقها ومنعها من العمل، وقد تطاول المحاكم الإسرائيلية أيضاً مسؤولين وموظفين فلسطينيين، سيترددون مستقبلاً في ممارسة أعمالهم ووظائفهم خشية ملاحقة القضاء الإسرائيلي لهم، وذلك ما لم تتمرّد السلطة على اتفاقيات أوسلو، وعلى اتفاقية باريس الاقتصادية التي تمكن حكومة إسرائيل من خصم الأموال الفلسطينية، وما لم تقلب القيادة الفلسطينية الطاولة التي لم تعد إسرائيل تأبه من تهديداتها اللفظية، كما عبر عن ذلك قبل أيام رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مائير بن شبات، حين أوصى المستشار القانوني الإسرائيلي بالمصادقة على قرار مصادرة المنطقة المحيطة بالحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل لإقامة مرافق للمستوطنين، مبرراً ذلك أن الفلسطينيين لن يقوموا بأي فعل، لأنهم لن يضحوا بمصالحهم، وذلك كله بعد مضي أكثر من أربع سنوات على قرارات المجلسين، المركزي والوطني، الفلسطينيين، بخصوص العلاقة مع إسرائيل واتفاقيات أوسلو.
في كل الأحوال، استمرار سياسة اللا فعل الفلسطيني، والاكتفاء بتكرار الشعارات والجمل السابقة نفسها، سواء إدانة الإجراءات الإسرائيلية، وكأن السلطة أصبحت طرفاً خارجياً بالصراع، أو بالتهديدات اللفظية ومناشدة المجتمع الدولي أو غيره من الوسائل غير المجدية، سيؤدي إلى إنجاح الاستراتيجية الإسرائيلية التي تسير باتجاه تحويل السلطة إلى سلطات معازل وكانتونات وظيفية، من دون أية مضامين وطنية أو سياسية، بعد إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية، ونقل كثير من صلاحياتها وأدوارها إلى السلطة، ما شكل ضربة قاسية للحركة الوطنية الفلسطينية ومشروعها التحرّري. بالتالي، بات لزاماً على القيادة الفلسطينية والكل الفلسطيني، بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، تبنّي استراتيجية وطنية شاملة، لإفشال الاستراتيجية والمشروع الصهيوني الذي لن يتم إلا عبر إحياء منظمة التحرير وتفعيلها، وضم كل مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية لها، وتغيير الدور الوظيفي الحالي للسلطة، وجعل أضرارها على إسرائيل أكثر من فوائدها، لكي تصبح السلطة جزءاً من الاستراتيجية الكفاحية الوطنية، وليس سلطات وظيفية أمنية وإدارية كما يريدها الاحتلال.
كان التعامل الفلسطيني الرسمي مع الواقعة في مستوى أقل من المطلوب، وذهبت الأوساط
على الرغم من التداعيات الاقتصادية والسياسية الكبيرة لقرارات المحاكم الإسرائيلية بتغريم السلطة بمئات الملايين من الدولارات لأسباب مختلفة، إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعدّاه كثيراً، باقتراح من مؤسسات وأفراد إسرائيليين، في الآونة الأخيرة، للتوجه إلى المحاكم الإسرائيلية، لمطالبتها بإلزام الحكومة الإسرائيلية بإيقاف تحويل عائدات السلطة الضريبية، تارة بحجة أن القيادة الفلسطينية مضى على انتخابها أكثر من 15 عاماً، ولم تعد شرعية إلى حين إجراء انتخابات جديدة، وتارة بالادعاء بفساد السلطة وعدم وصول الأموال إلى مستحقيها، وتارة بالادعاء أن السلطة لا تحترم حقوق الإنسان في مناطقها. وسواء قبلت المحاكم الإسرائيلية تلك القضايا أم لم تفعل، فذلك يشير إلى مزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية والقضائية على السلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة التي تتزامن مع مرحلة ضم الضفة الغربية، أو أجزاء منها، كما تنص على ذلك صفقة ترامب نتنياهو، الشهيرة باسم "صفقة القرن"، والرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية. وترمي الضغوط نفسها إلى ابتزاز السلطة الوطنية لثنيها عن محاولات مواجهة الصفقة، والقبول بدورها الوظيفي الأمني والاقتصادي كما تحدّده إسرائيل، أو التلويح بحلها أو استبدال قيادات أخرى أو دفعها إلى الإفلاس والانهيار لإعادة صياغة سلطات فلسطينية جديدة، منسجمة مع معالم المرحلة السياسية المقبلة.
واضح أن السلطة الفلسطينية في وضعٍ لا تحسد عليه، فهي غير قادرة على رفض تنفيذ قرارات
إسرائيل مستمرة في سياسات الضم والتهويد التي ستزداد في المرحلة المقبلة، وقد تطاول قرارات المحاكم الإسرائيلية مستقبلاً مؤسسات تابعة للسلطة، إما بمصادرة أموالها أو بإغلاقها ومنعها من العمل، وقد تطاول المحاكم الإسرائيلية أيضاً مسؤولين وموظفين فلسطينيين، سيترددون مستقبلاً في ممارسة أعمالهم ووظائفهم خشية ملاحقة القضاء الإسرائيلي لهم، وذلك ما لم تتمرّد السلطة على اتفاقيات أوسلو، وعلى اتفاقية باريس الاقتصادية التي تمكن حكومة إسرائيل من خصم الأموال الفلسطينية، وما لم تقلب القيادة الفلسطينية الطاولة التي لم تعد إسرائيل تأبه من تهديداتها اللفظية، كما عبر عن ذلك قبل أيام رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مائير بن شبات، حين أوصى المستشار القانوني الإسرائيلي بالمصادقة على قرار مصادرة المنطقة المحيطة بالحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل لإقامة مرافق للمستوطنين، مبرراً ذلك أن الفلسطينيين لن يقوموا بأي فعل، لأنهم لن يضحوا بمصالحهم، وذلك كله بعد مضي أكثر من أربع سنوات على قرارات المجلسين، المركزي والوطني، الفلسطينيين، بخصوص العلاقة مع إسرائيل واتفاقيات أوسلو.
في كل الأحوال، استمرار سياسة اللا فعل الفلسطيني، والاكتفاء بتكرار الشعارات والجمل السابقة نفسها، سواء إدانة الإجراءات الإسرائيلية، وكأن السلطة أصبحت طرفاً خارجياً بالصراع، أو بالتهديدات اللفظية ومناشدة المجتمع الدولي أو غيره من الوسائل غير المجدية، سيؤدي إلى إنجاح الاستراتيجية الإسرائيلية التي تسير باتجاه تحويل السلطة إلى سلطات معازل وكانتونات وظيفية، من دون أية مضامين وطنية أو سياسية، بعد إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية، ونقل كثير من صلاحياتها وأدوارها إلى السلطة، ما شكل ضربة قاسية للحركة الوطنية الفلسطينية ومشروعها التحرّري. بالتالي، بات لزاماً على القيادة الفلسطينية والكل الفلسطيني، بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، تبنّي استراتيجية وطنية شاملة، لإفشال الاستراتيجية والمشروع الصهيوني الذي لن يتم إلا عبر إحياء منظمة التحرير وتفعيلها، وضم كل مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية لها، وتغيير الدور الوظيفي الحالي للسلطة، وجعل أضرارها على إسرائيل أكثر من فوائدها، لكي تصبح السلطة جزءاً من الاستراتيجية الكفاحية الوطنية، وليس سلطات وظيفية أمنية وإدارية كما يريدها الاحتلال.