عمرو واكد.. ودراما وسياسة وإعلام

05 ابريل 2019

عمرو واكد.. حملة منحطة ضده

+ الخط -
بعد أن حضرا جلسة مع نواب في الكونغرس الأميركي، تعرض الفنانان خالد أبو النجا وعمرو واكد إلى حملة تخوين منحطّة من وسائل إعلام مصرية أصبحت تتفنن في مثل هذا النوع من السقوط. وبغض النظر عن الاتهامات المضحكة، وخوض بعض الصحف، ومنها "اليوم السابع" في الأعراض، فإن جزءا من اتهامات اللجان الإلكترونية التابعة للنظام ضد عمرو واكد مصممة على أنه فلسطيني الجنسية (كأنها تهمة) وتطالبه بعدم الحديث عن المشهد في مصر، لأنه غير مصري! وذلك نظرا لأن واكد ظهر في فيلم "أصحاب ولا بيزنس" في شخصية فدائي فلسطيني، قام بتفجير نفسه في جنود الاحتلال الإسرائيلي، وهي كذبة طالما ردّدها هؤلاء ضد واكد طوال السنوات الماضية، على الرغم من النفي المتكرّر لها، من دون أن ينتبه هؤلاء إلى أن ما شاهدوه فيلم سينمائي. وهاجم أحد المواقع الإخبارية المؤيدة للنظام عمرو واكد، واتهمه بالخيانة، مؤكدا أن هذا الموقف ليس غريبا على الأخير، لأنه سبق أن خان صديقه في فيلم "إبراهيم الأبيض"! ووصف مذيعو برامج على الفضائيات المصرية واكد بأنه "بلطجي"، اعتمادا على أن واكد ظهر في الفيلم نفسه في دور بلطجي. في حين نقل الفنان خالد أبو النجا عن مصري في كندا قوله إنه شاهد مذيعا مصريا مؤيدا للنظام، يؤكد أن واكد "خائن" بدليل أنه باع صديقه أحمد السقا في الفيلم.
لم يذكر أبو النجا، في تغريدته، اسم المذيع الذي قال ذلك، أو القناة التي يعمل فيها، وهو ما 
يجعلنا غير قادرين على التأكد من صحة الرواية، لكنه أمر غير مستغرب من الإعلام المصري والعاملين فيه، فقبل عمرو واكد تعرض الفنان هشام عبد الله لموقف مماثل، بعد أن بدأ في تقديم برنامج على إحدى القنوات المعارضة التي تبث من تركيا، إذ ظهر أحمد موسى، وهاجمه قائلا إنه جبان، لأنه شعر بالخوف، ورفض تنفيذ عملية تفجير السفن الإسرائيلية في فيلم "الطريق إلى إيلات". وكان المذيع قد بث مقطع فيديو من لعبة حربية على أنها قصف للقوات الروسية على تنظيم داعش في سورية، ليتعرض لحملة عارمة من السخرية. كما توجد عشرات من القصص والقضايا عن الإعلام المصري الذي أغرق نفسه في الخيال، مثل قصص اتهام أبلة فاهيتا بالخيانة، واتهام بطة بالجاسوسية، وغيرها الكثير.
وغير بعيد عن مصر، نجد في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي تطبيقا مروّعا لما تناولته عدة أفلام أميركية من تقطيع للجثث باستخدام المنشار الكهربائي، وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تصريحا لمسؤول تركي، وصف فيه طريقة قتل خاشقجي وتقطيع جثته بالفيلم الأميركي الشهير Pulp Fiction (الخيال الرخيص)، وقارن موقع "الجزيرة نت" بين تفاصيل الجريمة وفيلم "مجزرة منشار تكساس"، كما كان للمنشار الكهربائي وتقطيع الجثث عن طريقه، وإذابتها بالأحماض، دور في أعمال درامية أميركية، مثل المسلسل الشهير "بريكينغ باد" وفيلم "ألم وربح" (Pain & Gain).
أما مسلسل "قيامة أرطغرل" فقد حصد نصيبا وافرا من التأثير، إلى درجة أن بعضهم احتفل بمقتل شخصية شريرة في إحدى حلقاته، وعلق مواطنون كويتيون لافتة تعزي في وفاة إحدى 
شخصيات المسلسل المحبوبة! وقد تحول المسلسل إلى أداة في السجال والصراع الدائر بين الأحزاب السياسية، وبين السلطة والمعارضة بشكل خاص في تركيا، فوجدنا أنصار أردوغان يشبهون قراراته وأفعاله بما يقوم به البطل أرطغرل في المسلسل، وبالتالي يقارنون أعداء أردوغان بالشخصيات الشريرة في العمل، بالإضافة إلى نشر مقولاتٍ على لسان أبطال العمل، تعليقا على الأحداث والتطورات السياسية في البلاد، وهو ما انعكس على خطاب المعارضة التي تتهم أردوغان وحزبه باستخدام المسلسل في الصراع السياسي.
وبعيدا عن الوطن العربي، تمكن ملاحظة تزايد التداخل بين الدراما والواقع في السياسة العالمية من سياسيين لا يختلفون كثيرا عن الموجودين في الشرق الأوسط، وأكبر مثال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي اشتهر، قبل دخوله عالم السياسة، بأنه أحد نجوم برامج "تلفزيون الواقع"، فقد نشر صورة له مكتوبا عليها شعار "العقوبات قادمة" في محاكاة لشعار مسلسل "صراع العروش" الذي يقول "الشتاء قادم" في إشارة إلى عودة العقوبات الأميركية على إيران، فيما رد عليه أنصار قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، بعد أن نشروا صورة للأخير بطريقة مشابهة لصورة ترامب تحت عنوان "سأقف بوجهك". كما استخدم ترامب الطريقة نفسها في الإعلان عن إقامة الجدار الحدودي مع المكسيك الذي طالما وعد به، إذ نشر صورة له تحت عنوان "الجدار قادم".
كان من الطبيعي أن يكون موضوع تأثر الدراما بالسياسة محل بحث من الدارسين والمتابعين، لكن هذه الشواهد والأحداث، وغيرها الكثير، والتي طفت على السطح خلال الفترة الماضية، تشير إلى أن الدراما أصبحت هي من تؤثر على السياسة، وأن الفاصل بين الدراما والواقع قد سقط بالنسبة إلى سياسيين وإعلاميين كثيرين.
D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.