عبد الرحمن الذي تحوّل عامل فندق

21 ابريل 2015
لطالما حلم أن يكون إعلامياً أو مدرّساً(صبغة الله صابر)
+ الخط -

في باكستان، تكثر أعداد الشباب الذين يضعون شهاداتهم الجامعيّة جانباً ليشتغلوا في أعمال بسيطة لا تتناسب وطموحاتهم. عبد الرحمن مدرّس الإنكليزيّة واحد من هؤلاء.

لم يكن عبد الرحمن مداخيل يعلم أنه بعد دراسته الجامعية، سيضطر إلى العمل في فنادق العاصمة الباكستانية إسلام آباد مقابل 300 روبية باكستانية (2.95 دولار أميركي) يومياً، خصوصاً أنه كان قبل ذلك يدرّس اللغة الإنكليزية والأردية والحاسوب في مدرسة "غريس" في مدينة كراتشي عاصمة باكستان الاقتصادية لأكثر من عامَين.

بعدما حصل الشاب الثلاثيني، ابن مدينة منسهره في إقليم خيبر بختونخوا (شمال غرب باكستان)، على شهادة بكالوريوس من جامعة أوغي في منسهره، لم يستطع مواصلة دراسته. فوالده الفلاح لم يعد قادراً على العمل وقد تقدّم في السن. لذا قصد مدينة كراتشي بحثاً عن الرزق. عمل هناك بعيداً عن أهله فترة من الزمن في سوق الخضار والفاكهة، قبل أن يعثر على وظيفة في التعليم في مدرسة "الحبيب" الابتدائية. وبعد أشهر، انتقل للعمل في مدرسة "غريس" المتوسطة براتب أفضل. لكن الأحوال راحت تتبدّل منذ بداية العام الماضي، بعد وفاة والده.

مكث الشاب في منزل العائلة المحزونة شهرين، ليعود إلى كراتشي ويجد نفسه وقد خسر وظيفته بسبب تغيّبه الطويل. حاول البحث عن وظيفة مماثلة وطرق جميع الأبواب، لكن من دون جدوى. ففقد الأمل وعاد ثانية إلى سوق الخضار والفاكهة في كراتشي. وأخيراً، نتيجة سوء الأحوال الأمنية في المدينة، انتقل إلى إسلام آباد حيث راح يعمل في فندق صغير في إحدى ضواحيها.

بالرغم من عمله طيلة النهار، إلا أنه غير قادر على سدّ حاجات عائلته. هو يعيل ثمانية أفراد هم زوجته وأولاده الثلاثة (فتاتان وصبي) وأخواته الثلاث ووالدته، وسط ظروف معيشية جدّ صعبة يجد نفسه في خلالها عاجزاً عن إرسال أولاده إلى المدرسة.

ويحلم عبد الرحمن بشهادة الماجستير. يقول: "لا يمكنني مواصلة العمل كمدرّس في العاصمة إلا بعد الحصول على الشهادة". لكن الظروف قاسية، "وهذا هو شأن آلاف الشباب الباكستانيين الذي درسوا ونالوا الشهادات، ليضيعوا في نهاية المطاف بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة".

وعبد الرحمن شاب مجتهد منذ طفولته، لطالما حلم أن يكون إعلامياً أو مدرّساً، بحسب شهادة واجد خان، أحد جيرانه. أما والدته فتتألم جداً على وضع ابنها، في وقت تجد نفسها عاجزة عن تقديم أي مساعدة له. هو يرفض الاستعطاء، لكنه يطالب الحكومة بالوفاء بوعودها ويسأل المؤسسات الحقوقية التي تعنى بالشباب أن تمدّ إليه وإلى أمثاله يد العون لكي يتمكنوا من إرسال أولادهم إلى المدرسة على أقل تقدير.

حكاية عبد الرحمن لا تختلف عن قصص آلاف خريجي الجامعات في باكستان، التي تشير بعض الإحصائيات إلى أن عدد العاطلين عن العمل منهم يتجاوز 200 ألف. والبطالة لا تطال فقط حاملي شهادات البكالوريوس، فثمة آلاف يحملون شهادات ماجستير وهم عاطلون عن العمل بالرغم من وعود الحكومات المتعاقبة بإيجاد فرص عمل للشباب المتعلمين. في الواقع، وضع هؤلاء يتفاقم يوماً بعد آخر.

محمد عمر (25 عاماً)، على سبيل المثال، حصل على شهادة بكالوريوس في الإدارة من جامعة البنجاب قبل عامين. ومنذ ذلك الحين راح يبحث عن عمل، من دون فائدة. لذا قرر مواصلة دراسته لعلّ شهادة الماجستير تنفعه. لكن والدته تعارض ذلك، إذ إن ابنها الآخر، عبد الله، حصل على ماجستير في علم الحاسوب وحتى الآن لم يعثر على وظيفة. لذا هي تطالب ولدَيها ببيع قطعة أرض كان والدهما قد اشتراها في مدينة ساهيوال ليفتحا محلاً تجارياً في العاصمة إسلام آباد. لكن محمد عمر غير متحمس لذلك. هو ما زال يأمل بوظيفة ويقصد من حين إلى آخر مؤسسات حكومية وغير حكومية بحثاً عن فرصة.

يقول، هنا، محمد منصور، وهو ناشط حقوقي، إن "البطالة المتفشية في أوساط المتعلمين تؤثر سلباً على القطاع التعليمي، إذ إن عدداً كبيراً من الآباء يئسوا بعدما صرفوا أموالاً طائلة على أولادهم". ويخبر قصة محمد أمان، أحد أبناء مدينة ملتان في إقليم البنجاب، الذي حصل على شهادة الماجستير وبحث طوال سنوات عن عمل مناسب، لكنه فشل. وفي نهاية المطاف وضع حداً لحياته، وقد فقد الأمل. هو أضرم النار بنفسه، على مرأى من الجميع وسط المدينة.

وفي حكاية مماثلة، أضرم راجه خان، وهو شاب متعلّم من مدينة نوشهره فيروز في إقليم السند جنوب باكستان، النار في نفسه قبل عامين بالقرب من مبنى البرلمان الباكستاني، وتوفي متأثراً بحروقه. وقد عثر في ملابسه على رسالة كتب فيها إنه ينوي الانتحار لأنه لم يجد وظيفة ولم يعد يتحمل الفقر، مطالباً الحكومة الباكستانية بالتكفل بوالدَيه.

في ذلك الحين، أثارت المؤسسات الحقوقية ضجة في البلاد وطالبت الحكومة بخطة لتوظيف الشباب المتعلمين، فوعدت الحكومة كعادتها ببذل جهدها لإيجاد فرص عمل لجميع المواطنين، خصوصاً المتعلمين منهم. لكن الأمر أهمل بعد فترة وجيزة.
دلالات
المساهمون