عبد الباسط لم يخسر شجاعته

03 ديسمبر 2018
حظي بساق اصطناعية من تركيا (الأناضول)
+ الخط -

"يا بابا شيلني... يا بابا شيلني" كلماتٌ رددها الطفل، عبد الباسط، بعدما بترت براميل النظام المتفجرة ساقيه، في ريف إدلب، شمالي سورية، ونزعت القوة من أبيه، طعان صطوف، الذي لم يكن قادراً عل حمل ابنه ذي الأعوام الثمانية حينها، لهول المشهد وشدة الفاجعة التي أصابته.

لم تكن المرة الأولى التي تدمع فيها عينا عبد الباسط ويرتعش فيها جسده، فمشهدٌ قاسٍ آخر عاشه الطفل ووالده في بلدتهما، زور الحيصة، في ريف حماة الشمالي، إذ خسر حينها والدته وشقيقته بأعوامها الخمسة، وابنة شقيقته الأخرى، وبُترت ساقا شقيقه، وأصيب والده.




الطفل الشجاع عبد الباسط بُترت ساقاه بعد استهداف مروحيات النظام بلدة الهبيط التي لجأ إليها في فبراير/ شباط 2017، لكنّ عزيمة الحياة وإرادتها ما زالتا في قلبه وعقله. بنبرة الإصرار يتحدث إلى "العربي الجديد" عن المأساة التي عاشها: "بعد إصابتي لم أعد قادراً على اللعب مع أصدقائي. كرة القدم باتت حلماً، والحياة المعتادة نسيتها. والدي أصبح كلّ شيء بالنسبة لي إذ يحملني إلى المدرسة والحمام والحديقة والمستوصف، ويبقى معي طوال الوقت. يحدثني عن الحياة والمستقبل، وكيف تمكن كثيرون من تحقيق النجاح بالرغم من كلّ الظروف. والدي هو الحياة حالياً بالنسبة لي".

تُرافق عبد الباسط أمنية طوال الوقت تحولت إلى هدفٍ: "أمنيتي وهدفي الحالي أن أنجح في الدراسة وأنتسب بعدها إلى كلية الطب البشري، فأكون طبيباً جراحاً ماهراً أساعد الأطفال، وأكون كالأطباء الذين ساعدوني، فأنا ممتن لهم. أريد أن أكون قدوة للمصابين في القصف في سورية الذين بُترت أطرافهم أو تسببت لهم القذائف بأذى جسدي، فأشجعهم على الاستمرار بالحياة وأبث فيهم الأمل". يوجه عبد الباسط رسالة إلى الأطفال السوريين: "صحيح أنّكم نزحتم وقُصفتم ولاحقتكم القنابل والطائرات وأصابكم الخوف والرعب، لكن عليكم ألاّ تفقدوا الأمل في الحياة، بل كونوا أقوى من إصابتكم وتغلبوا عليها كما كنت أنا أقوى من إصابتي".

ليست مأساة الطفل، يزن صبحي، أقل. يؤكد قريبه محمد لـ "العربي الجديد" أنّ الأزمة النفسية جراء فقدانه البصر ما زالت كبيرة بالرغم من مرور أعوام على الحادثة التي تعرض لها في مدينته منبج. يقيم الآن في مخيم بريف حلب الشمالي، وقد حاول أهله كثيراً انتشاله من حالة الحزن التي يعيش فيها لكنّهم فشلوا. يزن تعرض لجروح بالغة في وجهه حين انفجر لغم تحته بينما كان يلعب مع رفاقه، بالقرب من منزله في المدينة، لتبدأ رحلة عذابه بين المستشفيات، لكن من دون فائدة، إذ فقد بصره في النهاية.

بدورها، تؤكد الباحثة الاجتماعية، رزان عبيد، على دور المجتمع في الوقوف إلى جانب الأطفال ممن تعرضوا إلى أذى جسدي بالغ أو إعاقة. تقول لـ"العربي الجديد": "الدعم النفسي لهؤلاء الأطفال مطلوب بكثافة وباستمرار لفترة طويلة، بهدف إعادة المرونة للطفل، فهذه الخسارة التي تعرض لها ستشعره أنّه عاجز. الإصابة أو الإعاقة تخلق فارقاً كبيراً بينه وبين الأطفال من عمره، وبالتالي لن يكون قادراً على الأعمال التي كان يقوم بها سابقاً معهم، وهو ما سيؤدي إلى تأثير نفسي سلبي عميق عليه. بدورنا، كداعمين نفسيين، نعمل على مساعدتهم وإعادة المرونة إليهم عن طريق إيجاد بدائل لهم تناسب شخصيتهم وإمكاناتهم ومحيطهم، ولا شك أنّ كلّ شخص لديه قدرات وإمكانات مختلفة، وهنا دور الداعم النفسي في إخراج هذه القدرات وتنميتها لتساعده على تخطي الصعوبات التي سوف يواجهها، واستثمار أيّ أنشطة مختلفة للتعويض عما فقده هؤلاء الأطفال". بالنسبة لدور المجتمع والأسرة المترابط، تقول عبيد: "للمجتمع دور كبير عن طريق تقبل الأطفال ذوي الإعاقة ودمجهم في جميع المجالات وإزالة العوائق من أمامهم كي يتمكنوا من تحقيق ذواتهم من دون نظرة التمييز ضدهم أو الشفقة عليهم التي تشعرهم أنّهم معزولون أو ضعفاء. دورنا كاختصاصيين وأهل ومجتمع هو في إبراز قدراتهم وإمكاناتهم التي يستطيعون من خلالها أن يثبتوا للجميع أنّهم فعالون".




من جهته، يقول اختصاصي العلاج الفيزيائي، أحمد، لـ"العربي الجديد" إنّه يولي الأطفال ذوي الإعاقة اهتماماً كبيراً، خصوصاً من يستخدم ساقاً اصطناعية، وذلك بسبب الجرح النفسي البالغ الذي يلاحظه لديهم. يحاول دائماً إظهارهم بمظهر الأقوياء وإقناعهم بذلك.

في سورية أكثر من مليون ونصف مليون شخص ذي إعاقة بسبب الحرب، بمن في ذلك 86 ألفاً بُترت أطرافهم. وتسبب نقص الرعاية الصحية والنفسية بتفاقم تأثيرات إصابات الحرب على الأطفال، خصوصاً مع غياب المراكز المتخصصة بمتابعة تأهيلهم النفسي بعد الإصابة.
دلالات