عاد اسم الرئيس التركي السابق، عبدالله غول، للتداول كمرشح محتمل للانتخابات التركية لمواجهة الرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان، بعد خلافات كثيرة باعدت بين الرجلين خلال الأعوام الأربعة السابقة، وهما اللذان انشقا معاً عن حزب رئيس الوزراء الراحل، نجم الدين أربكان، وساهما في بناء النهضة التركية الحالية، وكذلك التحوّلات الكبيرة في فكر الإسلاميين الأتراك وسياساتهم، فحوّلا الإسلاميين من تيار أقلية إلى تيار براغماتي واسع تمكّن من ابتلاع اليمين القومي التركي والسيطرة على الدولة التركية لأكثر من عقد ونصف العقد.
وعلى الرغم من ضبابية موقف المعارضة والتيارات الكثيرة المعارضة لتجربة المرشح المشترك التي تمت عام 2014 بترشيح أكمل الدين إحسان أوغلو، لا يزال غول مصراً على أن يكون مرشحاً مشتركاً للمعارضة للقبول بالترشح للرئاسة، الأمر الذي يقف في وجهه الكثير من العقبات، على رأسها إصرار زعيمة الحزب "الجيد" (مكوّن من منشقين عن حزب الحركة القومية)، ميرال أكشنر، على الترشح للرئاسة، وفق خطة تنص على أن يقوم كل حزب معارض بتقديم مرشحه، ويتم دعم المرشح الذي سينتقل لمواجهة أردوغان في الجولة الثانية. كما تعارض تيارات كبيرة في حزب "الشعب الجمهوري" ترشيح غول، وتفضّل تقديم مرشح خاص بالحزب.
يُعتبر غول (68 عاماً)، وهو ابن البيئة المحافظة المتديّنة من مدينة كايسري في وسط الأناضول، واحداً من أبرز الشخصيات السياسية التركية، وعلى عكس باقي الساسة الأتراك، فإن شخصيته باتت في العقدين الأخيرين بعيدة تماماً عما يُطلق عليه في تركيا "طراز السياسي الأناضولي" الخشن والقاسي والهجومي، بل يتمتع ابن حركة "ميلي غروش" (التي أسسها أربكان) والحائز على الدكتوراه في الاقتصاد، بشخصية ذكية وهادئة وتفضّل الابتعاد عن الإثارة.
شهدت شخصية غول تحوّلات كبيرة، بعد أن تم اعتقاله لفترة قصيرة إثر انقلاب 1980 الدموي الذي قاده الجنرال كنعان أفرين، ورحيله إلى السعودية للعمل في بنك التنمية الإسلامي في مدينة جدة بين عامي 1983 و1991. وبعد أن كان غول كأي نائب إسلامي تقليدي عن حزب "الرفاه" بعد عام 1991، معادياً لأوروبا والغرب والعلمانية الكمالية، تحوّل في بداية القرن الحالي إلى شخصية تؤمن بالعلمانية والليبرالية السياسية والاقتصادية وترى في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والحفاظ على عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي، ضمانات رئيسية لأمن ورفاه الجمهورية التركية.
عبّر غول عن التحوّلات الفكرية التي عاشها، بالانشقاق عن حزب "الرفاه" وزعيمه التاريخي أربكان، وذلك بالتعاون مع عدد من الرفاق في الحزب وبينهم الرئيس الحالي أردوغان، والعمل في 2001 على تأسيس حزب "العدالة والتنمية"، كحزب محافظ ليبرالي يؤمن بالعلمانية وضرورة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كهدف استراتيجي. شغل غول بعد الفوز في الانتخابات، لفترة قصيرة، منصب رئاسة الوزراء، إلى حين إزالة العراقيل التي كانت تحول دون دخول أردوغان إلى البرلمان، ليتسلم أردوغان رئاسة الوزراء، بينما تم تعيين غول نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية.
اقــرأ أيضاً
لخّص غول تحوّلاته الفكرية عبر الانتقادات التي وجّهها لحزب "الرفاه"، في إحدى المقابلات عام 2002، في الكلمات التالية: "في حزب الرفاه هناك مجموعات تطالب بحكم الشريعة، لذلك لم يعد يمثّل القيم التي نعمل على زراعتها الآن، إن أيديولوجيا الرفاه تشكّلت بشكل جزئي عبر أفكار غريبة (في إشارة إلى تأثيرات الإسلاميين الإيرانيين بعد الثورة الإيرانية وكذلك فكر الإخوان المسلمين العرب) ورؤيتنا على تعارض"، مضيفاً: "إن استبداد الأستاذ أربكان حال دون أن نحقق رؤيتنا في إطار نسيج حركة ميلي غروش، نحن نؤمن بأن التحديث وكون المرء مسلماً أمران يكملان بعضهما البعض، نحن نقبل القيم الحديثة للليبرالية وحقوق الإنسان واقتصاد السوق".
وعلى الرغم من كون غول أحد القادة البارزين الذين أدوا دوراً هاماً في البرلمان للدفع باتجاه رفض فتح الأراضي التركية للجيش الأميركي لغزو العراق، إلا أنه وخلال رئاسته للدبلوماسية التركية، تمتع (ولا يزال) بعلاقات متينة مع الأوروبيين، وتمكّن من تحويل أنقرة إلى مرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي، وكذلك بدأ عملية التفاوض للدخول إليه. وبينما عمل على الحفاظ على العلاقات مع الجمهوريات الناطقة بالتركية في وسط آسيا وتمتينها، كان أيضاً أحد مهندسي إعادة تطبيع العلاقات مع سورية.
واستمر غول في كونه أحد أكبر المنتقدين للسياسات الغربية التي تبني علاقاتها مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين، بل وكان من أبرز الداعين لقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الاحتلال إثر الهجوم على سفينة "مافي مرمرة" عام 2010، مشيراً إلى أن "إسرائيل ستتحوّل خلال خمسين عاماً إلى نظام أبارتهايد كامل في حال لم يتم السماح بإنشاء دولة فلسطين وعاصمتها القدس".
وأكثر من ذلك، أحدث غول بدعم رفاقه في حزب "العدالة والتنمية" هزة كبيرة في التاريخ التركي الحديث، فعلى الرغم من العقبات والمشاكل التي واجهها، تمكّن من التحوّل إلى أول رئيس للجمهورية الكمالية العلمانية بخلفية إسلامية. وتم وصف حقبة رئاسته للجمهورية بـ"العهد الجديد في السياسة التركية"، على الرغم من أنه لم يكن من السهل عليه التملّص من آرائه الشهيرة التي أطلقها عندما كان نائباً عن حزب "الرفاه"، حين هاجم بشدة "النظام السياسي التركي الذي تم تصميمه من قبل مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، والحركة القومية التركية"، مشيراً إلى أن "هذا النظام العلماني فشل بشدة وبات يحتاج إلى التغيير"، معتبراً تلك الفترة "نهاية فترة الجمهورية التركية".
في نهاية فترته الرئاسية، بدأت العلاقات بالتوتر بين غول وأردوغان بسبب عدد من الخلافات، يأتي على رأسها قبضة أردوغان المتنامية على حزب "العدالة والتنمية"، إضافة إلى بعض السياسات الداخلية، وكذلك السياسات التي اتّبعتها أنقرة خلال فترة الربيع العربي، وتحديداً في الشأن السوري، إذ إن غول، وبحسب التسريبات، كان معارضاً للدفع بعيداً بدعم المعارضة المسلحة في سورية، في ظل التردد الغربي بإسقاط النظام السوري، خوفاً من تحوّل سورية إلى دولة تعمّها الفوضى ويصعب ضبطها بما يشبه النموذج العراقي.
وعلى الرغم من دعمه ثورات الربيع العربي، إلا أنه أبدى العديد من المخاوف، أثبت الوقت، ربما، صحتها، أبرزها عندما قال في 31 ديسمبر/كانون الأول 2012 "إن الديمقراطية لا تقوم فقط على الانتخابات، بل ينتظر هذه الدول (العربية) الكثير من المهام التي يجب تنفيذها، كبناء مؤسسات ديمقراطية وحكم القانون والاعتياد على المحاسبة، والمساواة بين الجنسين، وحرية التعبير والاعتقاد".
وعلى الرغم من تفضيله الابتعاد شبه الكامل عن القيام بأدوار سياسية نشطة، إلا أنه كان إلى جانب رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داود أوغلو، من أبرز المعارضين للتغيرات الدستورية التي عمل أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" على تمريرها في إبريل/نيسان الماضي، وعبّر عن ذلك برفض تقديم أي دعم لحملات الأخير لحث الأتراك على الموافقة على التحوّل للنظام الرئاسي بالصيغة التي تم طرحها من دون تحقيق توافق كبير مع المعارضة، وسط اتهامات الأخيرة بأن النظام الجديد يفتقر للأدوات الكافية لتحقيق مبدأ المحاسبة والفصل بين السلطات.
يُعتبر غول (68 عاماً)، وهو ابن البيئة المحافظة المتديّنة من مدينة كايسري في وسط الأناضول، واحداً من أبرز الشخصيات السياسية التركية، وعلى عكس باقي الساسة الأتراك، فإن شخصيته باتت في العقدين الأخيرين بعيدة تماماً عما يُطلق عليه في تركيا "طراز السياسي الأناضولي" الخشن والقاسي والهجومي، بل يتمتع ابن حركة "ميلي غروش" (التي أسسها أربكان) والحائز على الدكتوراه في الاقتصاد، بشخصية ذكية وهادئة وتفضّل الابتعاد عن الإثارة.
شهدت شخصية غول تحوّلات كبيرة، بعد أن تم اعتقاله لفترة قصيرة إثر انقلاب 1980 الدموي الذي قاده الجنرال كنعان أفرين، ورحيله إلى السعودية للعمل في بنك التنمية الإسلامي في مدينة جدة بين عامي 1983 و1991. وبعد أن كان غول كأي نائب إسلامي تقليدي عن حزب "الرفاه" بعد عام 1991، معادياً لأوروبا والغرب والعلمانية الكمالية، تحوّل في بداية القرن الحالي إلى شخصية تؤمن بالعلمانية والليبرالية السياسية والاقتصادية وترى في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والحفاظ على عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي، ضمانات رئيسية لأمن ورفاه الجمهورية التركية.
عبّر غول عن التحوّلات الفكرية التي عاشها، بالانشقاق عن حزب "الرفاه" وزعيمه التاريخي أربكان، وذلك بالتعاون مع عدد من الرفاق في الحزب وبينهم الرئيس الحالي أردوغان، والعمل في 2001 على تأسيس حزب "العدالة والتنمية"، كحزب محافظ ليبرالي يؤمن بالعلمانية وضرورة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كهدف استراتيجي. شغل غول بعد الفوز في الانتخابات، لفترة قصيرة، منصب رئاسة الوزراء، إلى حين إزالة العراقيل التي كانت تحول دون دخول أردوغان إلى البرلمان، ليتسلم أردوغان رئاسة الوزراء، بينما تم تعيين غول نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية.
لخّص غول تحوّلاته الفكرية عبر الانتقادات التي وجّهها لحزب "الرفاه"، في إحدى المقابلات عام 2002، في الكلمات التالية: "في حزب الرفاه هناك مجموعات تطالب بحكم الشريعة، لذلك لم يعد يمثّل القيم التي نعمل على زراعتها الآن، إن أيديولوجيا الرفاه تشكّلت بشكل جزئي عبر أفكار غريبة (في إشارة إلى تأثيرات الإسلاميين الإيرانيين بعد الثورة الإيرانية وكذلك فكر الإخوان المسلمين العرب) ورؤيتنا على تعارض"، مضيفاً: "إن استبداد الأستاذ أربكان حال دون أن نحقق رؤيتنا في إطار نسيج حركة ميلي غروش، نحن نؤمن بأن التحديث وكون المرء مسلماً أمران يكملان بعضهما البعض، نحن نقبل القيم الحديثة للليبرالية وحقوق الإنسان واقتصاد السوق".
وعلى الرغم من كون غول أحد القادة البارزين الذين أدوا دوراً هاماً في البرلمان للدفع باتجاه رفض فتح الأراضي التركية للجيش الأميركي لغزو العراق، إلا أنه وخلال رئاسته للدبلوماسية التركية، تمتع (ولا يزال) بعلاقات متينة مع الأوروبيين، وتمكّن من تحويل أنقرة إلى مرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي، وكذلك بدأ عملية التفاوض للدخول إليه. وبينما عمل على الحفاظ على العلاقات مع الجمهوريات الناطقة بالتركية في وسط آسيا وتمتينها، كان أيضاً أحد مهندسي إعادة تطبيع العلاقات مع سورية.
واستمر غول في كونه أحد أكبر المنتقدين للسياسات الغربية التي تبني علاقاتها مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين، بل وكان من أبرز الداعين لقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الاحتلال إثر الهجوم على سفينة "مافي مرمرة" عام 2010، مشيراً إلى أن "إسرائيل ستتحوّل خلال خمسين عاماً إلى نظام أبارتهايد كامل في حال لم يتم السماح بإنشاء دولة فلسطين وعاصمتها القدس".
وأكثر من ذلك، أحدث غول بدعم رفاقه في حزب "العدالة والتنمية" هزة كبيرة في التاريخ التركي الحديث، فعلى الرغم من العقبات والمشاكل التي واجهها، تمكّن من التحوّل إلى أول رئيس للجمهورية الكمالية العلمانية بخلفية إسلامية. وتم وصف حقبة رئاسته للجمهورية بـ"العهد الجديد في السياسة التركية"، على الرغم من أنه لم يكن من السهل عليه التملّص من آرائه الشهيرة التي أطلقها عندما كان نائباً عن حزب "الرفاه"، حين هاجم بشدة "النظام السياسي التركي الذي تم تصميمه من قبل مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، والحركة القومية التركية"، مشيراً إلى أن "هذا النظام العلماني فشل بشدة وبات يحتاج إلى التغيير"، معتبراً تلك الفترة "نهاية فترة الجمهورية التركية".
وعلى الرغم من دعمه ثورات الربيع العربي، إلا أنه أبدى العديد من المخاوف، أثبت الوقت، ربما، صحتها، أبرزها عندما قال في 31 ديسمبر/كانون الأول 2012 "إن الديمقراطية لا تقوم فقط على الانتخابات، بل ينتظر هذه الدول (العربية) الكثير من المهام التي يجب تنفيذها، كبناء مؤسسات ديمقراطية وحكم القانون والاعتياد على المحاسبة، والمساواة بين الجنسين، وحرية التعبير والاعتقاد".
وعلى الرغم من تفضيله الابتعاد شبه الكامل عن القيام بأدوار سياسية نشطة، إلا أنه كان إلى جانب رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داود أوغلو، من أبرز المعارضين للتغيرات الدستورية التي عمل أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" على تمريرها في إبريل/نيسان الماضي، وعبّر عن ذلك برفض تقديم أي دعم لحملات الأخير لحث الأتراك على الموافقة على التحوّل للنظام الرئاسي بالصيغة التي تم طرحها من دون تحقيق توافق كبير مع المعارضة، وسط اتهامات الأخيرة بأن النظام الجديد يفتقر للأدوات الكافية لتحقيق مبدأ المحاسبة والفصل بين السلطات.