اقرأ أيضاً: تسليح الجيش المصري مدنيين في سيناء: إنتاج حرب أهلية؟
وقضى قرار السيسي حينها بإخلاء المنطقة من السكان وهدم كل المباني الموجودة، بعمق وصل لمسافة ألف وخمسمائة متر. وتسلم سلاح المهندسين التابع للقوات المسلحة تلك المنطقة، حيث قام بتفخيخ المنازل المقرر إزالتها وتفجيرها.
وأُجبرت على إثره أكثر من ثلاثة آلاف أسرة سيناوية على الرحيل من مناطق مختلفة برفح والشيخ زويد على ثلاث مراحل، أعلنت عنها القوات المسلحة في حينها.
ولم تكن تلك العملية سوى حلقة من مسلسل تهجير أهل سيناء، إذ سبق ذلك رحيل العشرات من الأسر هرباً من أتون الحرب الدائرة في تلك المناطق بين قوات الجيش ومسلحي "ولاية سيناء"، التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والتي بدأت عقب انقلاب يوليو/تموز 2014، وانفجار الأوضاع أمنياً في سيناء. وقد أودت القذائف العشوائية ومجهولة المصدر بأرواح العشرات من الأهالي في مناطق رفح وجنوب الشيخ الزويد.
تهجير قسري
ورحلت آلاف الأسر عن موطنها الأصلي إلى وجهة غير محددة ومصير مجهول، في ظل وعود من الأجهزة الدولة المحلية بصرف تعويضات مالية ووعود بإنشاء مدينة بديلة تحمل اسم رفح الجديدة. إلا أن الأضرار المادية والنفسية المترتبة على ترك الوطن لا يمكن أن تقدر بتعويض أو مال، هذا ما قاله أحد المهجرين لـ"العربي الجديد". وأضاف أن "ذكريات سنوات الطفولة والشباب مرتبطة بذلك المكان الذي نشأت فيه، وأضاف أن الدولة صرفت تعويضات مالية، لكن ذلك لا يكفي، فهو يرى أن أصدقاء وأقارب أصبحوا شتاتاً ومفرقين.
مدينة العريش كانت المحطة الأولى لآلاف المهجرين، حيث واجهوا غلاء السكن وظروف معيشة صعبة، إذ ارتبط مصدر دخل بعض العائلات بمدينة رفح؛ المكان الذي نشأوا فيه، وبمغادرتهم فقدوا مصدر رزقهم الوحيد ويجدون صعوبة بالغة في توفير مصدر رزق آخر في الوقت الحالي.
أم محمد عجوز سبعينية من سكان الشريط الحدودي برفح المصرية تقول لـ"العربي الجديد": "لم أتخيل يوماً أن أرى أشجار الزيتون التي غرستها قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً تُقلع وتجرف أمام عينيّ"؛ وهو مشهد أثر فيها أكثر من هدم المنزل الذي كانت تسكنه وأولادها الخمسة وأسرهم. وتروي أم محمد تجربة معاناة جديدة بدأت منذ الرحيل المفاجئ، وتقول إن الجيش لم يمهلهم سوى ثماني وأربعين ساعة للخروج من المنزل، ثم توجهت وأبناؤها الخمسة وأسرهم يحملون ما تمكنوا من حمله إلى مدينة العريش، حيث باتوا في العراء لمدة يومين قبل أن يحصلوا على ثلاث شقق متباعدة على أمل أن تستقر الأوضاع، وتقول إن جميع أولادها كانوا يعيشون بقربها، أما الآن فكل منهم يسكن في منطقة مختلفة وهذا الأمر أصابها بالإحباط، بحسب وصفها.
ولا تقتصر المأساة على التهجير القسري، إذ إن النزوح كان أشدّ وطأة على الأهالي الذين اضطروا عليه. ومنذ بدء المواجهات المسلحة في المناطق الشرقية من محافظة شمال سيناء، وبسبب القذائف العشوائية في منطقة أشبه بمنطقة حرب، اضطرت عشرات العائلات البدوية للرحيل؛ بعض هذه العائلات قرر أن يعيش كما عاش الأجداد في صحراء سيناء الواسعة ففوجئوا بملاحقات من الأجهزة الأمنية تمنعهم من افتراش الصحراء، حيث أُحرقت عرائشهم البدائية واعتقلوا في بعض الأحيان.
جدوى المنطقة العازلة
عامان من العمليات العسكرية، أعلن فيها الجيش من خلال بيانات رسمية، قتل آلاف المسلحين واعتقال آلاف آخرين وهدم أكثر 3500 من منازل المنطقة العازلة وضخ مياه البحر من خلال أنابيب طويلة للقضاء على الأنفاق. غير أن كل ذلك لم يوقف العمليات المسلحة لـ "ولاية سيناء"، ضد الجيش المصري؛ إذ قال أحد القيادات الشعبية بشمال سيناء ويدعى، يحيى عقيل، إن العمليات تزايدت على الرغم من الهدم والتجريف. ورأى أن القوات المسلحة فقدت البوصلة؛ فالعمليات العسكرية ضد الجيش في تلك المنطقة يتبناها التنظيم الذي كان اسمه "أنصار بيت المقدس" قبل مبايعته زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي (في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015) مما يطرح سؤالاً عن جدوى المنطقة العازلة وارتباطها بمكافحة ما يسمى بالإرهاب، حسب قوله.
وأضاف أن الحلول الأمنية ليست الحل، خصوصاً في مناطق ذات خصوصية اجتماعية كسيناء، بل يجب تفادي الصدام مع السكان الأصليين لتجنب تكوين بيئة حاضنة للتطرف وتفادي تكوين ثارات لا تهدأ، معتبراً أن بيانات المتحدث العسكري تبالغ بشكل كبير في عدد ونوعية القتلى والمعتقلين، في حين أن هناك العشرات من المدنيين الذين سقطوا قتلى في هذه الحرب ظهروا في قوائم الإرهابيين التي يصدرها المتحدث العسكري.
وأشار إلى أن الحالة التي تعيشها سيناء، الآن، إجمالاً ما هي إلا إفراز طبيعي لممارسات السلطة من تهميش وإهمال للتنمية، ووصلت في بعض الأحيان للقمع الوحشي الذي صنع فجوة قابلة للاتساع بين الدولة وبعض أهالي سيناء.
اقرأ أيضاً: "ولاية سيناء" يعلن تصفية مسلحين موالين للجيش المصري